فرقة «باب» السورية تتعثر في عرضها المسرحي «الأفريقي»
قدّمت فرقة «باب» السورية للفنون المسرحية عملاً حُصر في عرضين اثنين فقط في بيروت عنوانه «الجمعية الأدبية». نص المسرحية ألّفه الكاتب الغيني هنري أوفوري، وأخرجه رأفت الزاقوت.
العرض هو عبارة عن اجتماع «للمثقفين»، وهنا لا بد من وضع كلمة مثقفين بين مزدوجين لأنّها أساس الموضوع حيث السؤال: مَن هو المثقف؟ وهل يختلف المثقف فعلاً عن بقية الناس؟
بدلاً من الظهور من وراء الكواليس، يدخل الممثلون من الخلف وهم أعضاء تلك الجمعية، فيمرّون بين الجمهور وهم يضحكون لدرجة يعجزون عن تمالك أنفسهم، فإذا بموضوع ضحكهم عادي، ومن اللحظة الأولى ندرك نوعية «الثقافة» التي يتحدّث عنها العرض. يتلهى الأعضاء بصور يلتقطونها عبر الهاتف المحمول ويلعبون كأنّهم مراهقون لا يهمّهم من الدنيا سوى المرح والعبث، ثمّ يتحوّلون فجأة إلى منظّرين «يتفلسفون» ويناقشون لون ثياب رئيسهم أبو رجاء (وئام إسماعيل) في غيابه، فنظنّ لوهلة أنّهم سيلومونه على ذلك ما إن يصل، ثمّ لا نلبث أن نكتشف أنّهم يخافونه ويطيعونه، علماً أنّه الأقل «ثقافة» بينهم، فهو شبه أمّيّ، لكنّ أهميته تأتي من كونه غنياً لأنّه صاحب مؤسسة أعلاف!
الشخصيات تعكس واقعاً مريراً يعيشه، ليس بالضرورة كلّ مَن ينتمي إلى جمعيةٍ فحسب، بل كل مَن يجتمع حول أي موضوع مع شخص أو أكثر، فغالباً ما نرى في مجتمعاتنا العربية أشخاصاً لا يعرفون كيف يتناقشون ولا كيف يتحاورون ولا كيف يركّزون تفكيرهم للحديث عن موضوع محدد! فأمين السرّ بندر (أحمد ملص) هو تجسيد للأشخاص الذين يسمعون ما يحلو لهم ويعيدون صوغه بما يناسبهم. وشيث الطالب الجامعي (محمد ملص) يجسّد المتحمّسين إلى تغيير المجتمع ولوم الآخرين ثمّ لا يتأخّر في التعامل برجعية وفوضوية أمام أي سوء تفاهم. فهو على شجار دائم منذ اللحظة الأولى من الاجتماع مع «أبو شلهوب» (رازميك ديراريان) المنتمي إلى فئة الأشخاص العصبيين جداً تارةً، والهادئين جداً تارة أخرى. أمّا المدير المالي أديب (حسام سكاف) ومدير الخزنة نصري (حسام جليلاتي) فهما صورة عن الذين لا رأي صريحاً وفعّالاً لهم، وما أكثرهم عندنا!
نصّ المسرحية طريف ومضحك، خصوصاً حين يتم التركيز على بعض التفاصيل التي تحصل في الاجتماعات. والأهم أنّه يعتمد غالباً على طرافة المواقف التي تساندها الكلمة، تماماً كما حصل في مشهد تنظيف النظارات أو في المشهد الذي كان يحاول فيه أمين السر قراءة ملخص عن اللقاء السابق فيقاطعه الرئيس متذكراً حركات الأعضاء أثناء الابتهال. وفي محطات كثيرة من المسرحية اعتمد المخرج رأفت الزاقوت تقنية عدوى الضحك، فكانت ضحكات الممثلين الغريبة والطريفة سبباً أساسياً لإضحاك الجمهور، فبين ضحكة مدوية للأول وضحكة «خرساء» للثاني وضحكة متقطّعة للثالث.
اعتمدت هذه المسرحية أساساً على النص والتمثيل، فلم تولِ السينوغرافيا دوراً بارزاً. وذكر بيان الفرقة صراحة هذا الأمر قائلاً: «تقصد الفرقة ومن خلفها مؤسسها رأفت الزاقوت إلى تقديم أعمال تلغي الفكرة التزيينية والشكلية للعرض المسرحي لمصلحة تعزيز الحوار كفعلٍ أصيلٍ فيه، والتأكيد أن المسرح هو إبداع جماعي». ولكن فات الزاقوت أنّ الشكل هو نصف المضمون والحوار هو النصف الآخر! إلا أنّ العمل كان مسلياً في البداية وسرعان ما بدأ يفقد من تألّقه ويخسر من تركيز المشاهدين بعد فترة غير طويلة لأنّ الممثلين جلسوا إلى طاولة الحوار ولم يتحرّكوا إلاّ قبل النهاية بقليل، حين بدأ الضرب بين اثنين من الأعضاء. وكان في الإمكان أن يترسّخ مضمون الكلام أكثر بمساعدة الحركة على الخشبة، لكنّ ذلك لا يلغي الجهد المقدَّر الذي قامت به «فرقة باب للفنون المسرحية» ففتحت باباً نأمل ألاّ ينغلق، فتصل إلى مبتغاها في خلق «شراكة طويلة الأمد مع الجمهور في الدرجة الأولى، والتجمعات المسرحية والفنية على اختلاف أنواعها في الدرجة الثانية»، كما جاء في بيانها.
إيلي هاشم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد