عودة جزئية لـ«عاصفة السوخوي».. ومعركة حلب مؤجلة
بدأت روسيا المعركة التي كانت تتحضر لها في سوريا، قصفٌ بأسلحة لم يحدث أن استُخدمت في السابق وتصعيدٌ متواتر على جبهات عدة أعاد إلى الأذهان «عاصفة السوخوي»، العملية التي رافقها فتح عشر جبهات في آن واحد العام الماضي، وأدت حينها لاستعادة الجيش السوري السيطرة على عدد من المناطق التي كانت بقبضة المسلحين، منها ريف اللاذقية، كما تم خلالها فرض الطوق على حلب، وجرى تأمين محيط دمشق.
في «العاصفة» الجديدة، زجّت موسكو أسلحة نوعية وثقيلة، مقرونة بتغطية إعلامية مكثفة، تضاف إليها منظومات دفاعية لتحصين الوجود الروسي وحمايته، خالقة بذلك مزيجاً مناسباً لمعركة يُراد لها أن تكون «حاسمة».
حاملة الطائرات «اميرال كوزنيتسوف»، التي وصلت الأسبوع الماضي إلى قبالة السواحل السورية، شاركت، أمس، للمرة الأولى في تاريخها بالعمليات العسكرية، وانطلقت من على متنها طائرات «سوخوي ـ 33» باتجاه الاراضي السورية، وهو أمر قد يُعبِّر عن مدى أهمية المعركة القائمة، خاصة أن «كوزنيتسوف» هي الوحيدة من نوعها ضمن الأسطول الروسي التي تحمل على متنها مقاتلات «سوخوي ـ 33» و«ميغ ـ 29 كي ار» و«ميغ 29 ـ كي يو بي ار»، ومروحيات «كا ـ 52 كي».
وبالإضافة إلى حاملة الطائرات، شاركت أيضاً في العملية العسكرية الفرقاطة الروسية «أميرال غريغوروفيتش»، وقد استهدفت مواقع المسلحين بصواريخ «كاليبر» بعيدة المدى.
إلى ذلك، عززت روسيا تحصين قواتها بعدد من منظومات الدفاع الجوي، أبرزها منظومة «إس ـ 400» وسبع منصات «إس ـ 300» لتغطية الأجواء والمياه الإقليمية السورية وصولاً إلى قبرص، وذلك بحسب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي أوضح أن «روسيا نشرت هناك أيضا منظومات باستيون الساحلية، التي باتت تحمي الساحل السوري برمّته تقريبا، وهي قادرة على ضرب أهداف على بعد 217 ميلاً في البحر، و450 كيلومتراً على اليابسة».
بموازاة إطلاق العملية العسكرية «الكبيرة»، شددت موسكو أكثر من مرة على أن هذه العملية لن تشمل حلب، حيث من المخطط لها أن تطال إدلب وحمص (معاقل «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»).
وقال شويغو خلال اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، «إن الضربات الروسية تستهدف بالدرجة الأولى تدمير الإنتاج الصناعي للمواد السامة التي عمد الإرهابيون إلى استخدامها» ضد جنود الجيش السوري والمدنيين.
وفيما تعهد الوزير الروسي بمواصلة الغارات لتدمير ذلك المخزون، أوضح أن «الحديث يدور عن مصانع لا عن ورش.. إنها مصانع فعلاً مخصصة لإنتاج أنواع مختلفة من أسلحة خطيرة للدمار الشامل»، مشيراً إلى أن «الأهداف الرئيسية التي يتم ضربها عبارة عن مخازن ذخيرة وأماكن تمركز ومعسكرات تدريب للإرهابيين، ومصانع لإنتاج أنواع مختلفة من أسلحة الدمار الشامل».
«بنك الأهداف» الذي ضربته موسكو خلال الساعات الأولى من بدء العملية العسكرية في سوريا، تركز تركيزا كبيرا في ريفي حلب الغربي والجنوبي بالإضافة إلى إدلب، حيث طال القصف مواقع فصائل «جيش الفتح» في خان العسل والراشدين قرب حلب وفي سراقب وعدة مواقع أخرى في ريف إدلب.
المحلل السياسي السوري محمد العمري رأى أن الغاية الأساسية من الحملة الروسية الجديدة تتمثل بتدمير الخزان البشري للفصائل الإرهابية، بالإضافة إلى استهداف مخازن الأسلحة وضرب خطوط التواصل بين الفصائل لتدمير بنيتها التحتية والحد من قدرتها في المرحلة الأولى، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «مجريات الميدان العسكري مقرونة بميدان السياسة بقوة، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لتقدم القوات الراجلة على محاور القتال في ريفي حمص وإدلب».
مصدر عسكري سوري أكد أن التحضيرات قائمة لفتح جبهات تستهدف مواقع تنظيم «داعش» في محيط حقل الشاعر النفطي وفي محيط مدينة تدمر وحمص، بالإضافة إلى زيادة الضغط على مواقع الفصائل المسلحة في ريف حمص الشمالي.
حلب: تأمين الحصار.. والانتظار
في وقت أشعلت فيه القاذفات الروسية جبهة حلب الغربية في استكمال للمشهد الذي بات مرسوماً في المدينة منذ أكثر من أسبوع، تعيش الأحياء الشرقية المحاصرة هدوءاً لم يخرقه سوى صوت قصف متقطع نفذه الجيش السوري على عدة مواقع في أقصى شمال شرق المدينة، حيث استهدف عدة مخازن للأسلحة ومواقع استخدمت لإطلاق قذائف على مراكزه، وفق تأكيد مصدر ميداني.
وعلى الرغم من قرار موسكو بتحمية ميادين القتال في إدلب وحمص، إلا أنها استثنت أحياء حلب الشرقية، وهو أمر وضعه مصدر عسكري في سياق الاستراتيجية ذاتها المتبعة في حلب، موضحاً أنه «لا جدوى من فتح معارك تستهدف الأحياء الشرقية المحاصرة بإحكام، والتي ستسقط مع مرور الوقت، المطلوب في الوقت الحالي استهداف المسلحين في معاقلهم وهو ما تقوم به روسيا».
إضافة إلى ذلك، يرى المصدر أن الإبقاء على استثناء أحياء حلب الشرقية من دائرة الاستهداف هو أمر يبقي التواصل السياسي بين الأطراف الدولية مفتوحاً، وذلك في سبيل المحافظة على المسار السياسي الموازي للعمل العسكري، وهو أمر يفهمه القادة العسكريون في الميدان جيدا.
ويبدو أن الحصار المحكم على أحياء حلب الشرقية بدأ يعطي منافعه، حيث ترتفع نبرة الغضب الشعبي ضد الوجود المسلح في المدينة. وذكر مصدر أهلي أن مجموعة كبيرة من المواطنين الغاضبين هاجموا مستودعاً غذائياً في منطقة بستان القصر الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، متهمين الفصائل بالتحكم والإتجار بلقمة عيشهم، كما رفعوا شعارات تطالب المقاتلين بالخروج من تلك الأحياء وإنهاء الأعمال المسلحة بداخلها.
وفي العموم، لم تتضح بعد معالم المشهد الجديد الذي ترسمه موسكو في الحرب السورية، خاصة لناحية استخدام أسلحة ثقيلة غير تقليدية مع الإبقاء على برودة جبهات تستلزم اللجوء إلى أسلحة كهذه، وهو أمر قد يبرره الإبقاء على خط التفاوض السياسي مفتوحاً أمام تفاهمات مستقبلية لربما كانت موسكو تتوقع إتمامها مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب الذي تحادث مع الرئيس فلاديمير بوتين قبل ساعات من بدء الضربات الجديدة.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد