عندما يظهر براميرتس

07-07-2007

عندما يظهر براميرتس

انه يختفي ثم يطل من بعيد على رؤوس اصابعه قبل أن يعود الى «قبع الأخفى».
هكذا عرفناه في تقاريره الخمسة الأخيرة, والسادس بعد أيام.
وبماذا يعود سيرج براميرتس؟ مراجعة سريعة لمضمون التقريرين الرابع والخامس, يمكن ان تساعد على استجلاء بعض ملامح التقرير السادس.
التقرير الرابع /11/12/2006 وعلى غرار التقارير الثلاثة التي سبقته, أشار هو الآخر الى «تقدم في مسار التحقيق» من دون أن يدل عليه بشكل صريح. الذين قرأوه في محاولة للبحث عن ادلة جنائية لم يكتشفوا شيئاً من هذه الأدلة, وسجلوا للمحقق الدولي انه توصل الى تفاصيل اضافية في الجانب التحقيقي غلفها بتعمية جديدة حول المخطط والآمر والمحرّض.
وكما في كل مرة لجأ براميرتس الى عبارته المعروفة «إن التعاون السوري مع لجنة التحقيق كان مرضياً على العموم وفاعلاً في وقته» مضيفاً ان اللجنة «ستواصل الطلب من سوريا التعاون التام».
وبصرف النظر عن الأدلة, وعلى غرار تقاريره السابقة, لم يوجه المحقق الدولي أي شبهة الى جهات معينة او محددة, وترك الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات والاستنتاجات والتأويلات والتكهنات وفق منهجية صارمة, واكتفى بسرد بعض النتائج التي أثبتها سلفه ديتليف ميليس بالأدلة الحسية, قبل أن يبادر الى دحضها بنظريات أو فرضيات أخرى, وكأن المقصود المماطلة في التحقيق.
وباختصار ان التقرير الرابع يكتشف مجدداً ان الرئيس رفيق الحريري قد اغتيل لأسباب متعددة منها ان مجموعة اصولية قتلته بسبب صلاته ببعض دول المنطقة والغرب, وقد يكون اغتيل بسبب دعمه لقرار مجلس الأمن الرقم 1559, او لمعارضته التمديد لرئيس الجمهورية أو لأنه كان يجب قتله قبل نجاحه المحتمل في انتخابات أيار /مايو/2005, أو بسبب علاقته بصحيفة «النهار» أو بسبب حرصه على التحقيق في فضائح «بنك المدينة». ومثل هذا «الاكتشاف» كان ميليس قد عززه بفرضية أخرى هي أن الحريري اغتيل ربما لأسباب شخصية او تجارية.
وفي مجال الامعان في التمويه يقول براميرتس في تقريره الرابع انه لا يوجه الاتهامات صراحة الى جهات معينة «حرصاً على احترام مبادئ العدالة والانصاف».
التقرير الخامس /15/3/2007 لم يعدل بدوره النهج التحقيقي الذي يعتمده القاضي البلجيكي, ولم يغير مسار التحقيق القائم على مبدأ الشك المناقض لليقين.
كما في تقريريه الثالث والرابع لا يوجه براميرتس اي اتهام واضح الى اي جهة, وحديثه عن التركيز في تحديد دوافع الجريمة لا يعدو كونه تدويراً للتحليلات التحقيقية السابقة والنتائج الجنائية التي توصل اليها سلفه ديتليف ميليس والتي تفيد ان الأدلة الحسية والمادية تحمل على الاعتقاد بأن الرئيس الحريري اغتيل لأسباب سياسية بحتة. لكن ما يلفت في التقرير الخامس هو تشكيك المحقق البلجيكي بواقعة العبث بموقع الجريمة وعرقلة التحقيق, اذ يصفها بـ«المسألة المزعومة» (اي غير الأكيدة)ويقول بأنها سوف «تبقى قيد التحقيق».
وهكذا فإن «براميرتس الخامس» على غرار الأول والثاني والثالث والرابع, يتعمد عدم اليقين ويحرص على عدم التوصل الى خلاصات جنائية جديدة حاسمة. وبخلاف ميليس هو يشير الى ان هناك عشر دول لا تتعاون مع التحقيق من دون أن يفصح عن طبيعة وماهية الطلبات التي قدمها الى هذه الدول العشر.
باختصار ان أسلوب براميرتس التحقيقي, كما يراه خبراء القانون جميعاً, أسلوب غامض وغريب, ولو أن له مبرراته السياسية والأمنية, ومنها حماية الشهود وتجنيب البلاد مزيداً من الأعمال الارهابية. وفي غياب المحكمة الدولية يمكن ربما تفهم الأسباب التي تحمل الرجل على حماية الشهود والأدلة معاً.
اليوم أقرت المحكمة بموجب الفصل السابع وبدأ تشكيلها, فهل يأتي التقرير السادس بما لم تأت به التقارير الخمسة الأولى؟
الجواب لا يزال صعباً وقد يأتي التقرير السادس على شاكلة التقارير التي سبقته: فرضية وفرضية مضادة وتعميم ضبابي ونظريات جنائية متناقضة تعرض الشك ثم اليقين في الشك واليقين معاً.
كاتب أردني اسمه محمد الحموري, وهو وزير عدل سابق, نشر قبل أيام كتاباً في بيروت بعنوان «قراءات في المشهد اللبناني» €قدم له الرئيس سليم الحص قال فيه : «إن تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي بموجب الفصل السابع «سابقة خطيرة يمكن تطبيقها على اي دولة عربية عن طريق اغتيال قيادات وشخصيات كبيرة فيها من قبل اجهزة استخبارات اجنبية», قبل ان يضيف «ان قضية اغتيال الحريري سيتم تسجيلها في النهاية ضد مجهول كما حدث في اغتيال جون كيندي قبل نصف قرن تقريباً».
لا نريد أن نصدّق.


 فؤاد حبيقة
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...