عن الفيس والشعب والسلطة وعبد الحميد السراج
عن الفيس والشعب والسلطة وعبد الحميد السراج:
بفعل الحرب، أصبح الفيسبوك جريدة كل السوريين، باستثناء الرفاق المسؤولين الذين يخشون التواصل المباشر مع الشعب من دون بوابين وحجاب، وباتت صفحة الفيس هوية المواطن السوري الجديدة، بعد طول تهميش السلطات له، حيث كان يصنف الإعلام الوطني كإعلام سلطة لنصف قرن كانت كافية لينفض الناس عنه، بحيث يمكن اعتبار جهود موظفيه وتكاليفه المالية هدرا يجب تقليصه قدر الإمكان، ولهذا كنت أطالب بعد إلغاء تأميم الصحافة السورية بإلغاء وزارة الإعلام أيضا..
فقد حقق الفيسبوك اليوم ماعجزت عنه المؤسسات الأمنية بميزانياتها المفتوحة، منذ أيام المرحوم عبد الحميد السراج مؤسس العقل الأمني في سورية عبر (المكتب الثاني) أيام الوحدة، بالتضافر والتعاون مع مخابرات صلاح نصر (المكتب الأول) في مصر، حيث بات الفيس منجما للمعلومات عن المواطن والدائرة المحيطة به، تستخدم السلطات الجانب السلبي منها لإدانة منتقدي سياساتها الداخلية بدلا من رصد حركة حياة الناس وأفكارهم ومزاجهم العام وإنتاج سياسات مواكبة لحاجاتهم وتطلعاتهم الوطنية المحقة، وبدلا عن مخافر ومحاكم الجرائم الإلكترونية التي شبهناها بمحاكم التفتيش، حيث يتم استخدام القراصنة للتجسىس على رسائل الناس وأسرارهم والتفتيش في سرويلهم الداخلية، بدلا من اعتماد خبراء مختصين في علم النفس والمجتمع والإقتصاد والتعليم لقراءة السلوك العام وإعادة توجيهه واستثماره وطنيا.. إذ أنتجت الرقابة الأمنية، منذ نهاية حرب الإخونج على الدولة سنة 1982 حتى سنة 2010 جزءا من هذا الغضب والفوضى التي كانت وقودا للحرب العالمية على سورية، وكانت غافلة عن اجتماعات الإخونج السوريين في حوران منذ 2009 لإشعال الثورة بالتعاون مع تركيا وبقاياها العثمانية في سورية، والتي أوردنا وثائق عنها في كتابنا "يوميات الحرب على سورية" وقلنا فيه أن مظالم الشرطة في تونس ومصر وسورية قد ساعدت في افتتاح ربيع الإخونج، من حيث استثمار مظالم الناس ضد الدولة، وهي تعود اليوم ( المؤسسة الشرطية) إلى سابق سلوكها من حيث التغول على حياة الناس، بدءا بسلوك شرطي المرور وصولا إلى شرطي الجنائية !؟
اتركوا الناس يعبرون بحرية لأن كبتهم سوف يدفعهم للإستماع إلى تحريض سوريي الخارج ممن يعادون الدولة .. أما بخصوص الذم والقدح والمعلومات الكاذبة فقد كان من اختصاص المحاكم العادية قبل نشوء محاكم ومخافر الجرائم الإلكترونية التي لم نسمع أنها قاضت أحدا بسبب حماية حقوق الملكية الفكرية على سبيل المثال.. لهذا نرى من المفيد اهتمام مؤسسات الحكومة بمنافع الفيسبوك كاهتمامها بمساوئه، وأن لاتخرق حقوق المواطنين من أجل تطبيق القوانين.. فمنافع الفيس تشتمل على توفير المعلومات والتوثيق والتعليم والتثقيف وزيادة الخبرات والتسويق وإنشاء الصداقات والعلاقات والحوار الوطني والتسلية والفرفشة من دون مقابل مالي، كما تشتمل على المحتالين والمنتحلين والقوادين والعاهرات واللصوص، وفي ذلك فائدة من حيث أنه يخرج أعمالهم إلى العلن بعدما كانت مستترة تجري في الخفاء، ويجعل من صفحاتهم شاهدا ودليلا جرميا على أفعالهم يمكن استخدامه ضدهم في المحاكم..
لقد أصبح السوريون شعبا مجازا في علوم الفيسبوك، وقد أدرنا الحرب المضادة ببراعة وذكاء ضد التنسيقيات والمحطات المعادية، فكشفنا فبركاتها وفضحنا أكاذيبها، ودعمنا جيشنا بما لم تستطعه إدارة التوجيه المعنوي والمؤسسة الإعلامية الرسمية التي مازالت تنتمي إلى المدرسة الإشتراكية ماقبل الثورة الرقمية؛ وعلى مسؤولي الدولة أن يقدروا قيمة الفيس و يستثمروا فيه عبر إنشاء مؤسسة لرصد وتحليل واستثمار وسائل التواصل الإجتماعي، واحترام نجومها وخبرائها باعتبارهم مواطنين شجعانا وصريحين، ولو اختلفوا معهم في الرأي يجب أن يلتقوا معهم في المصلحة الوطنية.. كما نفترض أن تلزم الدولة موظفيها الكبار بفتح صفحات لهم ومخاطبة المواطنين بأبواب وعقول مفتوحة من دون حراس أو حجاب حتى لايبقوا بعيدين عن همومه وأمانيه.. فالحرب غيرت أفكار المجتمع السوري وسلوكياته وعلى السلطات الرسمية أن تواكبه لا أن تعاديه.. فسورية المبتدى وسدرة المنتهى
تنويه: لمن يرغب بمزيد من المعلومات عن عبد الحميد السراج أو مصطفى السباعي مؤسس جماعة إلإخوان المسلمين في سورية، مراجعة موسوعتنا "رواية اسمها سورية" بأجزائها الثلاثة.
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد