طعام السوريين: رقابة وأمراض وإنذارات وإغلاقات
باتت المنتجات الغذائية منتشرة بكثرة في الأسواق السورية حتى إن التصنيع والتعليب والعرض بات يشمل أنواعاً عديدة من الغذاء وهو أمر يندرج في إطار التقدم الحضاري الذي نعيشه هذه الأيام..
إلا أن ما لا يعرفه كثيرون منا يتمثل في أن إنتاج وتصنيع الأغذية يؤدي إلى احتمالات إصابتها بملوثات عديدة كالتلوث الميكروبيولوجي الذي يسبب أمراضاً كثيرة تتفشى بين الناس والتلوث الكيميائي وخاصة بالمعادن الثقيلة التي تترك أثرها التراكمي الخطير على الصحة، كما أن استعمال المبيدات العشوائي في الإنتاج الزراعي واستعمال المضادات الحيوية والهرمونات يشكل أخطاراً كبيرة على الصحة العامة وتقف عائقاً أمام التصدير.
ومن الملاحظ أن التوسع والاستمرار في التصنيع الغذائي لا يلبث أن يترافق باحتمالات الوقوع في خطر إصابة المواطنين والأمثلة كثيرة على ذلك لذا نتساءل: ما الآلية المتبعة في تحقيق الرقابة على المنتجات الغذائية في الأسواق؟ ومن الجهات المعنية في تنفيذ هذه الرقابة؟
وماذا عن المطاعم والأغذية المكشوفة التي تباع في الأسواق؟
الكثير من الأخبار والقصص التي تؤكد وجود حالات رشاوى وفساد من قبل القائمين على تنفيذ الرقابة على المنتجات الغذائية حيث إن المشكلة لا تنحصر فقط بالذين يقومون بتصنيع هذه الأغذية وتوزيعها ومن ثم بيعها بل إنها تمتد لتشمل كما ذكرنا القائمين على هذا الموضوع.
لا نريد أن نذكر بأهمية هذا الموضوع وخاصة أنه يعتبر من البدهيات حيث إن حماية صحة المستهلكين من خلال ضمان سلامة الأغذية وصلاحيتها للاستهلاك البشري هي مسؤولية جماعية يشترك فيها العديد من الجهات إلا أن المشكلات المتزايدة التي سمعنا عنها الكثير باتت تؤكد للجميع أن قوانين وتشريعات الأغذية وبرامج الرقابة أصبحت الآن لازمة أكثر من أي وقت مضى لإنتاج وتداول وتصدير الأغذية تحت ظروف صحية لتلافي أخطار التلوث بأنواعه المتنقلة ويعتبر الدستور الغذائي العالمي «الكوركس» في مقدمة هذه القوانين والتشريعات حيث يعتبر المرجعية العالمية والأساسية للمستهلكين ولمنتجي الأغذية ولأجهزة المراقبة على الصعيد المحلي وتجارتها على الصعيد العالمي ويمثل مجموعة معايير الأغذية التي أقرت دولياً تقدم بشكل موحد وتهدف إلى حماية صحة المستهلكين وضمان الممارسات العادلة لتجارة الأغذية كما تضمن أحكاماً ذات طابع استشاري وتصاغ على شكل مدونات لممارسات توجيهية وغير ذلك من التدابير الموصى بها التي ترمي إلى المساعدة على تحقيق أغراض الدستور الغذائي. وانطلاقاً من أهمية هذا الجانب ولمعرفة آليات الرقابة نبدأ من وزارة الصحة:
تجدر الإشارة إلى أن ثمة جهات عديدة معنية من الرقابة على الأغذية حيث تقوم كل جهة برقابة على المنشآت التي تندرج ضمن اختصاصاتها وفيما يتعلق بوزارة الصحة فقد كلفها المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1966 مراقبة المواد الغذائية وغيرها من خلال إنشاء مخابر فنية كاملة تقوم بإجراء الفحوص والتحاليل الغذائية والدوائية مع دراسة حالة التغذية في البلاد من الناحية الصحية والسعي لرفع المستوى الغذائي والصحي لجميع أفراد الشعب والإشراف الصحي على مياه الشرب والمواد الغذائية وصناعتها إضافة إلى المراقبة الصحية في القرى التي لا تؤمن فيها وزارة الإدارة المحلية هذه المراقبة والتي تشمل مياه الشرب والأغذية المعلبة أو الطازجة واللحوم والحليب والسكن الصحي والمحال العامة التي يرتادها الناس كالمطاعم ومحال بيع الأطعمة والمقاهي ودور اللهو والفنادق والمسابح وتعيين المراقبين اللازمين لها وللبلديات وتراقب أعمالها وتتولى مديرية المخابر تحليل المواد الغذائية ومواد الشرب جرثومياً وكيميائياً.
الدكتور محمود كريم مدير الأمراض البيئية والمزمنة في وزارة الصحة قال: ثمة تعاون بين وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد ووزارة الإدارة المحلية حيث تم تشكيل فريق مركزي يتفرع منه فرق تنتشر في جميع المحافظات للقيام بالرقابة الصحية على المياه والأطعمة والمشروبات بشكل دوري إضافة إلى متابعة حالات الشكاوى والأمراض التي تنتج جراء الأطعمة الفاسدة حيث يتم تحليل الأطعمة التي ينتج عنها حالات مرضية كما تتم متابعتها.
وأضاف: فيما يتعلق بالرقابة على المواد الغذائية الموجودة في الأسواق هناك نوعان من المواد تتمثل الأولى بالمستوردة التي تقوم جهات أخرى بمراقبتها على حين أننا معنيون بمراقبة المواد المصنعة محلياً من خلال أخذ العينات وتحليلها بشكل دوري عبر مخابر الصحة حيث ثمة عينات تؤخذ مباشرة من الأسواق وعينات تؤخذ من المطاعم والمقاهي وأخرى تؤخذ من أماكن التصنيع.
وتابع حديثه قائلاً: تتم المراقبة على عدة مراحل بدءاً من الأغذية ومروراً بالنظافة واللباس وليس انتهاءً بصحة العاملين في المطاعم وفي حال وجدت حالات مرضية معينة نقوم بتكثيف اللجان والجولات وكذلك الأمر بالنسبة للأطعمة المكشوفة والمشروبات التي تقدم من قبل الباعة المتجولين حيث لايتم السماح بتقديم أغذية كهذه ما لم تكن محضرة بطرق آلية مع ضمان حسن تعليبها وتغليفها، وبالنسبة للخضار يشترط أن تكون معقمة بشكل صحيح حتى يسمح بتقديمها في المطاعم، كما نقوم بمنع بيع كل الأغذية التي تحوي أصبغة وملونات عن طريق الباعة الجوالين.
وللاطلاع على الدور التي تؤديه مخابر وزارة الصحة التقينا الدكتور خلف هزاع مدير المخابر في وزارة الصحة الذي تحدث قائلاً: تبدأ مهمتنا عند تحويل أغذية مشكوك في صحتها حيث نقوم بتحليلها لمدة يومين على الأقل لتحديد مدى صلاحيتها للاستهلاك البشري معتمدين في هذا على الآلية المطبقة عالمياً والمخابر المتقدمة علمياً علماً أن التحاليل الغذائية تتطلب في الدرجة الأولى مهارة فنية، حيث نقوم بمراقبة الغذاء من الناحية الجرثومية والكيماوية وكذلك الأمر المواد الحافظة التي غالباً ما تحوي مواد ضارة ومسرطنة تسبب الكثير من الأذى في حال وضعت في كميات كبيرة، وباختصار نقوم بالتنسيق مع فرق الرقابة المؤلفة من عدة جهات وكما ذكرت سابقاً فنحن معنيون بتحديد مدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
محافظة دمشق مثال قد يختصر تجارب المحافظات في مجال الرقابة وآلياتها. التقينا مدير الشؤون الصحية في محافظة دمشق الدكتور أحمد طارق صرصر الذي أكد ضرورة متابعة الشؤون الصحية على جميع الفعاليات والمحال التي تقوم بتقديم وتصنيع المواد الغذائية التي يستهلكها المواطن وأعمال الصحة الوقائية مثل رش المبيدات ومكافحة الأمراض المشتركة وتقديم جميع الخدمات الطبية والعلاجية للعاملين في محافظة دمشق في الربع الأخير من عام 2007.
وأضاف: وفيما يتعلق بالرقابة الغذائية تتابع عناصر الرقابة الصحية عملها بإجراء الجولات الرقابية الدورية على جميع المحال والمنشآت التي تقدم المواد الغذائية للمواطنين حيث بلغ عدد الضبوط المنظمة بحق المخالفين للأنظمة والتعليمات الصحية 1700 ضبط كما تم إغلاق 228 محلاً ومنشأة وأغلق (70) منها لعدم تنفيذ الإنذارات الصحية الموجهة إليهم لاستكمال الشروط الصحية للمهن الممارسة خلال المهلة المحددة و(51) محلاً لكون عينات المواد الغذائية المختلفة المأخوذة من محلاتهم غير مقبولة مخبرياً سواء من الناحية الكيماوية أم الجرثومية و(107) محال لمخالفة التعليمات الصحية بشكل متكرر مثل تعريض المواد الغذائية للغبار وعدم قيام أصحابها بإحضار أجهزة لتعقيم الأدوات بالأشعة تحت الحمراء وحيازة المحل على عدد كاف من المعدات ما يتيح تعقيم الأدوات بعد الحلاقة لكل زبون باستخدام (الشبّة) ذات الاستعمال لمرة واحدة وذلك حرصاً على عدم نقل الأمراض المنقولة بطرق الدم ولاسيما الإيدز والتهاب بالكبد الانتاني.
وأضاف: كما تم حجز 45 سيارة لمخالفة أصحابها القرار الناظم لنقل اللحوم في مختلف أنواعها والألبان والأجبان بسيارات غير مبردة إضافة إلى ذلك قامت دوريات بمصادرات صباحية ومسائية وإتلاف المواد الغذائية والمشروبات والحلويات السائبة المكشوفة والمعرضة للغبار وذلك بمصادرة ما يقارب طناً من المواد الغذائية مع أدوات البسطات التي تقوم بالبيع في أماكن التجمعات (كراجات الانطلاق- المدارس- ساحات الأعياد).
وتابع صرصر حديثه قائلاً: لقد تابعت عناصر دوريات العينات بالتنسيق مع مخبر المديرية ووزارة التموين قطف العينات من المواد الغذائية المتنوعة (بوظة- خضار مفرومة- حلويات وأغذية أطفال- مشروبات غازية وعصائر) حيث بلغ عدد العينات المأخوذة للتحاليل الكيماوية التي يتم بموجبها الكشف عن الملونات المستخدمة أو المواد الحافظة 30 عينة كان 14 منها غير مقبولة كيماوياً و(2) مقبولة كيماوياً و14 لم يتم استلام نتائجها حتى تاريخه، أما العينات المأخوذة في إجراء التحاليل الجرثومية فقد بلغت (85) عينة (49) منها غير مقبولة جرثومياً و(36) مقبولة جرثومياً علماً أن قبول نتائج التحاليل الكيماوية أو الجرثومية يتم بموجب المواصفات المحددة لكل مادة وفقاً للتقييم المعتمد من قبل هيئة المواصفات والمقاييس السورية.
وقال صرصر: لقد قامت دائرة الصحية المؤلفة من أطباء بيطريين ومساعديهم بفحص جميع قطعان الأغنام المعدة للذبح قبل وبعد ذبحها ودمغها بالدمغة الخاصة مع مشاهدة اللحوم المذبوحة في المسالخ الأخرى ودمغها بخاتم مديرية الشؤون الصحية في محافظة دمشق قبل توزيعها في الأسواق كما تم إتلاف جميع الذبائح والعفشات التي تبين أنها غير صالحة للاستهلاك البشري كما تم تغريم ستة أفران خبز لمخالفة أصحابها الشروط والتعليمات الصحية وبلغ عدد الإنذارات الصحية الموجهة لأصحاب المهن والفعاليات الغذائية (525) إنذاراً صحياً أهمها إنذار جميع بائعي اللحوم والفروج والأسماك لتركيب واستخدام برادات الواجهة وعدم عرض اللحوم أمام المحال المكشوفة والمعرضة للحرارة صيفاً وإنذار صالونات الحلاقة.
وأضاف: بتوجيهات السيد محافظ دمشق واهتمامه الشخصي سيتم العمل على إيجاد آليات لتكثيف أعمال الرقابة والاهتمام بتفعيل عمل مخبر المديرية ولا سيما القسم الكيماوي وذلك بتأمين الكوادر البشرية اللازمة وتدريبها في المخابر المتخصصة ليكون مخبر المديرية جاهزاً في بداية عام 2008 لإجراء كافة التحاليل اللازمة للمواد والمنتجات الغذائية.
لا أحد يستطيع أن ينكر وجود رقابة على الأغذية بدليل الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل السادة الذين التقيناهم ولكن دعونا نتساءل عن فعالية هذه المراقبة وخاصة أن الواقع لا يسر الخاطر وأن المراقبة على الأغذية لا تتم بالشكل الصحيح في بلدنا سواء للمنتجات المحلية أم التي تدخل القطر استيراداً وبسبب هذا الواقع تأثرت الصادرات السورية إلى الأسواق الخارجية من المنتجات الغذائية السورية وتراجعت أرقام الصادرات من تلك المنتجات ومن جهة أخرى لا أحد يستطيع أن ينسى حالات التسمم والأمراض التي سمعنا عنها كثيراً في الآونة الأخيرة.
تجدر الإشارة إلى أن الضعف في الرقابة لا يعود لتقصير من الجهات المعنية إنما يعود لقلة عدد المخابر الرقابية وضعفها «علمياً» إضافة إلى أن العاملين فيها بحاجة إلى مزيد من التأهيل والتدريب لذا فإن مسؤولية النهوض بهذا الأمر عائد على وزارة الصحة وهو ليس بالأمر الصعب حيث يجب عليها إعادة النظر بمخابرها ومن جهة أخرى تزويد عدد الكوادر العاملة في مجال الرقابة «الدوريات» مع إيجاد آلية تنسيق أكثر فعالية وخاصة أن الرقابة تقع على عاتق العديد من الجهات والوزارات ونذكر الجهات المعنية بضرورة الإسراع بتجاوز هذه الصعوبات والعقبات وخاصة أنه لا مجال للتأخر أو التراخي بدليل أن استهلاك الأغذية غير المستوفية للشروط الصحية ما زال يؤدي إلى انتشار الكثير من الأمراض الوبائية وغير الوبائية وحدوث وفيات فردية وجماعية ومن ثم تحميل الدولة والمجتمع أعباء صحية ومالية.
نورا حربا
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد