صرخة لمصابي الشلل الدماغي: ألسنا بشراً مثلكم.. ارحمونا!
يبدو أن لكل أمل غصة، ولكل قانون أو قرار مخارج ومداخل فبعد أن وضعوا أهالي المعاقين آمالهم في صرف إعانة مالية للأسر الفقيرة التي تتولى رعاية المعوقين، الذين لديهم شلل دماغي أو مصابين به كمساعدة مادية ومعنوية لمن حرموا من متاع الحياة لنقص في القدرات الجسدية والروحية، ومهما بدلنا وغيرنا في تسميتنا وتعاملنا معهم من إطلاق كلمة المعاق إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، فان تأثيرها على مشاعرهم وإحساسهم لجرح معنى الكلمة لن يغير تعريفها قانوناً الذي يعرفه بأنه هو الشخص غير القادر على أن يؤمن ضرورات الحياة الفردية الاجتماعية العادية لنفسه بنفسه سواء كان ذلك بصورة كلية أم جزئية بسبب قصور خلقي أم مكتسب في قدراته الجسمية أو العقلية.
وبزيادة الاهتمام بهذه الفئة، وتخفيفاً للأعباء على ذويهم جاء قرار تنفيذ أحكام قانون المعاقين، رقم «34» لعام 2004 الصادر عن السيد رئيس الجمهورية وذلك بتطبيق الفقرة السادسة، البند الرابع الذي يتضمن بالقول «يجوز صرف إعانة مالية للأسر الفقيرة التي تتولى رعاية المعاقين الذين لديهم شلل دماغي».
وبناءً على حيثيات القانون الواضح في بنده الرابع، قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع وزارة الصحة بإصدار نوع الإعاقات المستحقة للإعانة، وأصدرت وزارة الشؤون التعليمات التنفيذية بذلك، وقامت بتفويض السادة المحافظون في كل المحافظات السورية باستصدار قرارات معونات المعاقين بعد تسجيلهم عند اللجان المختصة التي يعود إليها حق التصنيف للمرض، وبناءً عليه تم صرف المعونات المقررة لعدد كبير من الأسر المعيلة للمعاقين وقدرها «3000» آلاف ليرة سورية.
تعميم يخالف القانون
المفاجأة الكبرى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وقعت في مشكلة لم تكن بالحسبان، فبعد صرف المعونة لشهور تنبهت للأعداد الكبيرة والمبالغ الهائلة التي تصرف عليهم فأوعزت إلى كل مديرياتها بإيقاف المعونات فوراً، وأصدرت تعميماً يخالف بشكل صريح مواد أحكام قانون المعوقين «34» الفقرة السادسة والبند الرابع منه، حيث جاء التعميم بتاريخ 20/5/2007 تحت رقم 20/1/3685 ، وفيه تطلب الوزارة من مديري الشؤون الاجتماعية والعمل في المحافظات، إعادة فحص جميع الأطفال المصابين بالشلل الدماغي، وتجديد إضبارة خاصة لكل معاق من أجل التأكد من المعلومات وفق ضوابط جديدة حددتها الوزارة بالتعاون مع وزارة الصحة التي أكدت في تقاريرها وحسب نتائج الكتب المتبادلة بينهما، أعادوا فيها الطريقة الصحيحة في اكتشاف مرض الشلل الدماغي، وتوزع إصابته في الجسم ( رباعي،ثلاثي،نصفي، شقي وحيد الطرف) والثاني بنمط المقوية العضلية (شناج، عسر الحركة، رخو، مختلط)، بالإضافة إلى بعض الاختلاطات المرافقة لها من اضطرابات البصر، السمع، النطق، التواصل، وأخيراً التخلف العقلي).
ويبدو أن الوزارة أحست بطريقة أو أخرى، وبحكم العادة بحالات التزوير التي حصلت ودخول الفساد والفاسدين وبعض من ضعاف النفوس إلى التلاعب بمعونات أناس ذنبهم أنهم جاؤوا إلى الحياة هكذا، وذلك عن طريق تقديم استمارات غير نظامية أو وهمية، واستغلال بعض اللجان التي كانت مهمتها تسيير القانون بشكل اخلاقي لا التلاعب فيه، لأن التعميم الذي أصدرته الوزارة جاء فيه أيضاً بأنه على اللجان في المحافظات إعداد دراسة عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية للأسر للتأكد من فقر حالها وطبيعة معيشتها، وذلك وفق استمارة محددة تقدم على مسؤولية اللجان المختصة بالموضوع، وبدون تحديد خط مستوى الفقر، وبالتالي عرض تلك الجداول مع الثبوتيات على فرع الجهاز المركزي للرقابة المالية ومن ثم يتم إرسالها الى الوزارة ليصار إلى إصدار القرار اللازم بذلك، وكان التعميم المخالف والجديد ينص على صرف المعونات على الشكل التالي:
الفئة الأولى للشلل النصفي الكلي للدماغ وقيمة معونتها 3000 ل.س.
الفئة الثانية للشلل النصفي النصفي في الدماغ وقيمة معونتها 1500 ل.س.
الفئة الثالثة للمصابين بإصابة طرف وقيمة معونتها 1000 ل.س.
مع التذكر بأن من يشملهم المعونة هم من في سن الولادة حتى الثامنة عشر، ويستثنى من ذلك المرضى المصابون بالشلل الدماغي من النمط الكنعي أو الترنحي الذي سيستمر فيه تقديم الإعانة ومقدارها 1000 ل.س مدى الحياة.
تأخير ثاني والأهالي في قلق
بعد التأخير الأول عن دفع المعونات لأسر المعاقين، والذي جاء نتيجته بالأخير التعميم الوزاري الذي حرم الكثير من المعونة وتجديد الأضابير التي استمرت لشهور عند بعض الأهالي جاء التأخير الثاني في تسليم المعونات منذ الشهر العاشر من العام 2008 وحتى اللحظة.
والخوف الكبير عند الأهالي أن يكون هذا التأخير كسابقه بأن تبادر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى إصدار تعميم آخر وقرارات ومحددات أخرى بهذا الشأن، وللتأكد من المخاوف التي تدور في أحاديث الأهالي. التقت بورصات وأسواق الأستاذ ماهر رزق مدير الخدمات الاجتماعية في الوزارة حول موضوع الشلل الدماغي وأسباب تأخير دفع الإعانات، الذي أكد ان أسباب التأخير خارجة عن إرادتهم فبينما كان يتوقعون ويقدرون حجم الأعداد الأولية نتيجة للإحصائيات التي كانت تأتيهم من مديرياتها أو المتوفرة لديها، كانت أقل من العدد الفعلي المراد مساعدته وبالتالي تخصيص الميزانية المناسبة لهم، إلا أن عند فتح باب التسجيل والإعلان عن المساعدة زاد العدد أضعاف مضاعفة سواء أكان مزوراً أو نظامياً، ومما أدى إلى انتهاء الاعتمادات المخصصة لها.
وأضاف الأستاذ رزق أن الوزارة تدرس الاقتراحات والمبادرات التي جاءتها حول آلية صرف الرواتب، وأنهم بصدد عقد اتفاقية مع بعض المصارف من أجل صرف الرواتب عن طريق الصراف الآلي، الذي سيسهل كثيراً العملية وبالتالي تخفيف الضغط على دوائر المديريات حين استلام المعونة. مشيراً أنهم الآن بصدد ضبط الرقم الحقيق للاعتمادات الذي يتم التعاون في تقديره مع وزارة المالية لإنجاح عملية الصرف وتخصيص وتحديد شبكة المعلومات، وأكد السيد ماهر رزق لبورصات وأسواق أن المشكلة ستحل جذرياً في جميع المحافظات بأسرع وقت ممكن واعداً ذوي الاحتياجات الخاصة أن تكون دراسة الصراف الآلي وبطاقات الحساب جاهزة منذ بداية شهر الثالث وتحديداً في 1/3/2009 بعد أن يتم الاتفاق ويحدد رقم حساب للمعوقين.
التنصل من الإجابة
الطامة الكبرى في عملية التأخير، جاءت على رأس المديريات التي لم تعد تعرف على ماذا ترد على الزيارات اليومية لأهالي المعاقين واستفساراتهم، الأمر الذي وصل بالعديد من المدراء وموظفيهم إلى التنصل من الإجابة لعدم تصديق الأهالي مبررات عدم وجود سيولة واعتمادات لصرف الأعانات، ففي مديرية دمشق مثلاً الجواب الوحيد لديهم أنهم بانتظار أن ترسل الوزارة الاعتمادات و لا مشكلة لديها في حل باقي المشاكل وأكد المسؤولون هناك ان الأعداد في ازدياد بشكل مستمر يوميا، وكم كانت الحالة مؤثرة عندما عرف أحد المراجعين بأن الصحافة تحقق من اجل صرف الإعانات، وهجم علينا المواطن كمن وجد فريسته بعد طول عناء. فقال والحرقة في قلبه لقد مضى على تقديمي الطلب أكثر من سنة وحفظت طريقي إلى هنا عن ظهر قلب، ومع ذلك لم تأت الموافقة ومازلت انتظر في ظل هذا الوضع المعيشي، مضيفاً كلما سألنا أحد هنا يرد علينا إلى حين تأتي الموافقات من الجهات المعنية، والسؤال: إذا كانت معاملة المعاق دماغياً تلقى كل هذا التأخير فكيف بالأصحاء؟ ومع ذلك لم يتلقى المواطن الجواب الشافي من المديرية وخرج منها يائساً.
أم المواطن صالح فقد ذكر لنا أن نسبة إعاقة شقيقه كاملة والمعونة التي يأخذها لا تكفي شراء الحفاضات له، ومع ذلك يقطعونها علينا بين الفينة والأخرى، ولولا خوفي من العقاب لأخذته إلى أي دار للعجزة، مضيفاً إلى أن الحياة أصبحت صعبة ولم يعد بإمكاننا تحمل مصاريف إضافية ورواتبنا لا تكفي لمعيشتنا.
يذكر أن الوزارة حددت المبلغ المعتمد توزيعه على المعاقين ويقدر بـ 450 مليون ليرة سورية، بينما الأرقام الحقيقية من جميع المحافظات ومن الفئات المرضية الثلاث، وقالت الوزارة أنها لم تصل بعد إلى الرقم الحقيقي والنهائي ولكنهم أبدوا خوفهم من الرقم الذي يتردد يومياً بينما هناك محافظات قدرت أعدادها التقريبية إلى نهاية العام الفائت 2008، ففي حمص بلغت قيمة الإعانات المالية التي منحتها مديرية الشؤوون الاجتماعية والعمل للأسر الفقيرة التي تدعى أطفالاً مصابين بالشلل الدماغي منذ بداية 2008، وحتى نهاية تشرين الأول «34» مليون، و39 ألف ليرة سورية للفئات الثلاث التي تحصل على المعونة، فيما بلغ عدد الأضابير الجاهزة والمؤجلة إلى هذه اللحظة 217 مصاب بالفئة الأولى، و66 مصاباً من الفئة الثانية، وعدد قليل من الفئة الثالثة، بينما وصل الرقم في دير الزور عن شهر أيلول لعام 2008 وحده 2857000 مليونان وثمانمئة وسبعة وخمسون ألف وليرة سورية. وعدد الأسر المستفيدة حوالي «1194» أسرة. وعدد الأضابير الجاهزة لتسليم الاعتمادات المالية أكثر من «600» اضبارة، أما في دمشق ونتيجة لتشكيكهم بالرقم الحقيقي لم نحصل عليه؟ بينما قدرها بعضهم بحوالي «900» استمارة!.
وأخيراً، مهما يكن من أسباب ومعوقات للتأخير فأن الجميع بحاجة إلى العمل سوية من أجل الحصول على نتائج أكثر إيجابية وخاصة مسألة الوعي لدى الأهل التي تتطلب الاهتمام الجدي بالحالات التي تشفى من المرض كلياً وعدم الاتكال على الوزارة، فالقضية بالأخير ليست قضية راتب، بل معونة تقدم لأناس محتاجين وعلى الجمعيات الخيرية أن تمد يد العون والمساعدة لكل أطراف العملية التي تأتي من صلب مهامها، وبالتالي تقع على عاتق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الانتقاد الأكبر، فليس من المعقول تأجيل وتأخير موازنة الاعتمادات إلى هذا الوقت، أن هؤلاء بانتظارنا، ولا أحد يعلم أو يشعر بإحساس المحتاج إلا المحتاج نفسه، وبالتالي فالقانون قانون وعلى الجميع الالتزام به.
علي نمر
المصدر: بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد