شيزوفرينيا رمضان
يثير الاستغراب هذه القدرة على وضع هيفاء وهبة إلى جانب " الأناشيد الدينية " في فضائياتنا و يثير الاستغراب هذا الفصام الذي يسمح لنا بمجاراة هذا الفصام الذي يريد منه إعلام السلاطين أن يجمع شيئا من هذا إلى شيئا من ذاك بقصد تدجين الناس و تمجيد السلطان , ليس المقصود هنا إطلاق فتوى جديدة ضد هيفاء وهبة أو غيرها , بل القصد محاولة إزالة الرتوش التي توضع على وجوه السلطان و أزلامه سواء باسم المقدس أو باسم الدنيوي لكشف تفاصيل الوجه القبيح لولاة أمرنا..ففي رأيي إذا كان من ذنب لا يغفر في هذا الشرق الغارق في الجوع – بمناسبة صيام رمضان – و بجثث الفقراء فهو أولا نهب الإنسان و قتله و سحل إنسانيته و ثانيا تمجيد من يفعل ذلك أو تبريره , و في الحقيقة لا يحق لأي كان أن يقرر نهب أي كان أو قتله أو سحل إنسانيته على الإطلاق , إن حياة البشر و أرضهم و عالمهم هو ملك لهم جميعا و لا يشكل رأي بعضهم في من يسمون بالصحابة مثلا – وهم بشر في نهاية الأمر عاشوا قبل مئات السنين لا نعرفهم شخصيا إلا من كتب التاريخ - مبررا لقتلهم و لا مبررا لأن يستولوا على تعب الآخرين أيضا , لا يحق لابن تيمية و لا لجوزيف ستالين و لا لجورج بوش و لأي كان أن يتصرف و كأن عالم الناس العاديين , لقمة خبزهم , هواءهم , أحزانهم , أحلامهم , ملك له , إن كل إنسان يتنفس و يفكر على هذه الأرض يساوي ابن تيمية و ستالين و بوش و عبد الناصر و يملك وحده تقرير ما يفعل و الاختيار فيما يتعلق بحياته و لا يحق لأحد أن يصادر حقه هذا مهما كان , نبيا , رجل شرطة , أمينا عاما , جنرالا , فيلسوفا , أو "عالما" , إن حياتنا و عقلنا و ثمرة عملنا ليست ملكا لأي كان أبدا..و على الطرف المقابل نرفض كل الأصوليات جميعها مهما كان الشعار الذي تبرر به قتل الآخر و سلبه إنسانيته أولا , فالمحافظون الجدد في واشنطن يتصرفون تماما كالأصوليين , قسموا العالم بين دار الحرب و دار الأمان , كفروا الآخر و استحلوا دمه , الفرق الوحيد هو في استخدامهم لآخر منتجات التكنولوجيا في قتل البشر – أتمتة القتل عوضا عن استخدام وسائل فردية همجية , و تحديث عملية غسيل دماغ البشر و تحويلهم إلى آلات للقتل الأعمى , آلات للموت باسم مقدس ما لا يستطيع أن يعيش إلا على سفك دماء الآخر , آلات فاقدة لإنسانيتها تماما مثل ضحاياها...الممتع أخيرا في هذا الاحتفال الروحي هو أن بعض الأثرياء , في بلدي و غيرها , قرروا أن يستثمروا حتى فضلات موائدهم , فتات موائدهم الفاخرة ليقدموها للفقراء , لمن لا يجد كسرة الخبز , حسنا , قد يكون الصيام بالفعل هو المناسبة الوحيدة ليشعر هؤلاء بالجوع , و قد يكون تفضلهم على الجوعى بفتات موائدهم هو من بركات هذا الشهر , حسنا , لكن من الأكيد أيضا أن الجوع ليس إلا تفصيل يومي بالنسبة للملايين في رمضان و غير رمضان , هذه ليست عبادة بالنسبة لكل هؤلاء الجوعى , فقد فرضها نهب السلاطين و أزلامهم و ليس رب السلاطين....يبقى لنا أن نحلم بعالم لا يجوع فيه الناس إلا إذا قرروا ذلك طوعا........
مازن كم الماز
الجمل
إضافة تعليق جديد