شر البلية ما يضحك كوليت خوري
في ندوة سياسيّة قدّمتها إحدى شاشات التلفزيون اللبناني هذا الأسبوع، شارك فيها أستاذان أحدهما من تيّار الحريري والثاني من كتلة الرئيس عون «الإصلاح والتغيير».... مع المذيع المطلع الذي بدا لي من فئة المنطق والحقّ أكثر مما هو مع طرف من الأطراف...
في تلك الندوة دار نقاش مهمّ حادّ...
استوقفتني منه «لقطة» أحزنتني وأضحكتني في آن معاً...
* * *
كان الحديث يتناول كيف أن الدنيا تقوم ولا تقعد وينصبّ الهجوم على سورية مجرد أن يُلقي أحدهم عليها زوراً بالتهم الباطلة وغير المبنية على أسس!
وأما عندما تثبت التهمة فعلاً على إسرائيل فإن الجميع يتلافى الموضوع ويحاولون لفلفته...
وهنا قال السيد «تيّار الحريري» ما معناه:
- ما العمل؟... الأغبياء الذين يعملون مع الموساد بانوا وظهروا...
أما الذين يتعاملون مع سورية فهم أذكى... لا يظهرون على الإطلاق!!
* * *
طبعاً هذا الكلام أحزنني! فمع أننا تعوّدنا - نحن السوريين- سماعه من الأشقاء اللبنانيين... إلا أننا لم نتعود قبوله!
فهو كلام يجرح ويؤلم عندما يصدر من شخص عربي... لأن من العيب أن يقارن هذا الشخص إسرائيل العدوّة... مع سورية... الشقيقة رغماً عنه وعن الدنيا!
ولكن... مع أن هذا الكلام أحزنني... إلا أنني أعترف بأنه سلّاني وأضحكني!!!.
* * *
من ناحية... من الجيّد أن تكون المخابرات السورية قد وصلت إلى هذا المستوى الرفيع في العمل!
تعوّدنا على رجل المخابرات يتبهور ويتبجح ويرفع طرف سترته ليظهر لنا المسدّس المعلق على جنبه بالحزام... فيرعبنا!!!
هكذا عرفناه وهكذا صوّرناه في كتاباتنا للناس...
أما أنه لا يظهر على الإطلاق ولا يكتشفه أحد.. ويعمل في ذكاء وفي الخفاء... فهذا إطراء... ليته يصبح واقعاً!!!
* * *
أما الذي أضحكني في هذا الجواب فهو أن السيد «تيّار الحريري» المتحمّس ضد سورية... ويريد بشتى الطرق أن يؤكد أنّ سورية مازال لها وجود في لبنان...
فقد بدا متضايقاً جدّاً لأنه «لايجد ما هو غير موجود!» ومع ذلك يؤكد عليه!
وقد ذكّرني بنكتة قديمة... وقد جسّدها الفنّان السوريّ الكبير دريد لحام في أحد مشاهد مسرحياته البديعة...
«رجل يدخل على صديقه فيجده واقفاً وقد ألصق أذنه بالحائط وراح يصغي ويردّد:
- شيء مقلق... أمر يدعو للجنون...
شي غريب... يدعو للجنون...
فيسأله الرجل:
- ما الأمر؟
يجيبه الصديق في قلق:
- تعال... اقترب واسمع...
ويقترب الرجل ويلصق أذنه بالحائط.. وينصت باهتمام... فيسأله الصديق:
- ماذا تسمع؟
يجيبه الرجل باستغراب:
- لا أسمع شيئاً على الاطلاق...
فينفعل الصديق ويقول:
- هذا بالذات ما يقلقني... ألا يدعو هذا الأمر للجنون ؟؟؟».
* * *
نعم...
يبدو أن عدم توصلّ التحقيق الدولي في مقتل الرئيس الحريري إلى ايجاد دلائل ضد سورية أمر يدعو للجنون بالنسبة للبعض... وعلى الأقل هو يسبب لهم انفعالات غير مسؤولة...
وهذا ما لمسناه وبدأنا نلاحظه في تصريحات بعض السادة والسيدات من العاملين في الحقل السياسي...!
* * *
أما السيدة السمراء التي تصرّ هي الأخرى على سماع خشخشة في الحائط...
هذه السيّدة التي تختزن في نفسها كمية هائلة من الكراهية ومن الحقد على العرب... من العراق إلى فلسطين... وسورية... ولم أكتشف ابتسامتها العريضة إلا وهي تعانق بعض السادة من تيار الحريري...
فهناك ضيفة إعلامية أمريكية قالت لي قبل أيام وكانت تتغدى معي:
- كوندوليزا ذكيّة لكنّها لا تعرفكم إلا من خلال ما يقدّمه لها أعداؤكم... هي تظنكم قساة شرسين ظالمين...
فالشكاوى ضدكم تقدم لها على الدوام...
وهنا وجدتني مضطرة أن أقول لها:
- يبدو أن هذه السيّدة تجهل أسس العدل وهذا خطير بالنسبة لسيدة تلعب دوراً في السياسة الدولية...
أرجوك عندما تعودين إلى بلادك أخبريها أن الإمام العظيم علي يقول ما معناه...
«إذا جاءكم شخص شاكياً وقد أصيبت عينه... فلا تحكموا معه فوراً ضد الآخر...
وانتظروا حتى تروا خصمه... فلربما كانت عينا هذا الأخير... قد فقئتا...».
ويبقى العدل أساس الملك...
كوليت الخوري
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد