سيناريو حرب سنية- شيعية من إعداد الولايات المتحدة والمعتدلين العرب
فيما يستعد الرئيس الاميركي جورج بوش للكشف عن استراتيجيته الجديدة حول العراق، يشعر «الحلفاء العرب» بالقلق مما قد يحدث في حال فشلت الخطة: النزاع الذي يسوء سيبتلع كل المنطقة، مشعلا حربا شاملة وسط أكبر رقعة نفطية في العالم.
وبحسب دبلوماسيين إقليميين ومسؤولين أميركيين، فإن احتمال وقوع حرب إقليمية بين السنة والشيعة دخل حيز اهتمام الزعماء العرب والمخططين العسكريين الأميركيين، وبات هؤلاء يطلقون على هذا الاحتمال اسم «السيناريو الكابوس».
وقد يبدو اليوم ان الصراع الشامل يقترب أكثر وأكثر من التحقق نظرا للديناميكية الاقليمية التي تدفع الدول المجاورة للعراق الى معسكرين متنافسين.
فمن جهة هناك «هلال شيعي» يمتد من ايران الى وسط العراق ويمر عبر سوريا ولبنان، ومن جهة ثانية هناك حلفاء الولايات المتحدة، السعودية والأردن ومصر والدول الخليجية مثل قطر والإمارات.
ويقول دبلوماسيون ان هذه الأنظمة السنية متخوفة من انبثاق تكتل شيعي راديكالي ممول بشكل أساسي من ايران. ويضيفون ان المسؤولين العرب يخشون أيضا ان يجر الانسحاب الأميركي من العراق أو تقليص لعديد القوات الاميركية بطريقة تسمح لجيش عراقي ضعيف بان يملأ فراغها، الجبهتين الى صراع دموي مباشر.
في موازاة ذلك، تعمل الولايات المتحدة على استراتيجية اشمل تستهدف إقناع حلفائها العرب بجدية مواجهة صعود ايران والمساعدة في العراق والأراضي الفلسطينية. ومفتاح هذه الجهود هو الوعد بإبقاء القوات الاميركية في العراق ما دام ان هذا الامر ضروري.
غير ان الولايات المتحدة تسعى أيضا الى تعزيز قواتها في الخليج وتخطط الى توثيق تعاونها الأمني مع حلفائها الخليجيين. وقد اقترح البنتاغون إرسال حاملة طائرات ثانية الى منطقة الخليج. وهناك أيضا خطط لربط أنظمة الدفاع الجوي للدول الخليجية الست وإنشاء نظام دفاعي صاروخي تشرف عليه الولايات المتحدة. وتصوغ القوات الجوية خططا أخرى لتعزيز تدريباتها مع الحلفاء العرب في المنطقة. وأحد الاقتراحات المطروح يتمثل في محافظة الولايات المتحدة على تدريبات جوية مع عُمان والإمارات.
من جهتها، تصوغ الحكومات العربية خطط طوارئ تستعين بها في حال بدأ العراق بالانهيار. وبعدما لفت السعوديون إدارة بوش الى استعدادهم لمساعدة الميليشيات السنية، قال مسؤولون عسكريون أميركيون ان مسؤولين أردنيين ابلغوا البنتاغون انهم قد ينقلون قوات الى الصحراء العراقية الغربية إذا خرجت الأحداث عن السيطرة. وعبر المسؤولون الأتراك، عن معارضتهم لقيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق واستعدادهم للدفاع عن الشعب التركماني. حتى ان سوريا باتت تنذر الى احتمال تمزق العراق.
ويتركز مصدر الخوف على احتمال ان يحدث حمام دم طائفي في العراق يجر الدول المجاورة الى صراع للدفاع عن مصالحها. ويجادل باحثون بأن عملية التطهير العرقي، خاصة من قبل الشيعة العراقيين في محاولة لإخلاء المدن والمناطق من سكانها السنة، جار على قدم وساق. ويقول المسؤول الاستخباراتي السابق في وزارة الخارجية الاميركية المتخصص في الشرق الأوسط واين وايت «قد نكون أصبحنا في ثلث المسار مع قدرة ضعيفة على المواجهة».
وبحسب دبلوماسيين أميركيين وعرب، فقد حذر مسؤولون عرب رفيعو المستوى لأشهر من انه في حال لم تتم مراقبة ما يجري عن كثب، فان الانزلاق الى الفوضى في العراق قد يشعل صداما إقليميا طائفيا. وقد بدأ هؤلاء اطلاع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى على خطط الطوارئ التي صاغوها، علما بأنهم يأملون حث الادارة الاميركية على اتخاذ خطوات أقسى في العراق وضمان إبقاء القوات الاميركية هناك.
ويقول مخطط عسكري اميركي التقى مؤخرا قادة من المنطقة، ان مسؤولين أردنيين أكدوا انه في حال غرق العراق في حرب طائفية، فإن الأردن سيدفع بجنوده الى الحدود وربما يتخطاها ليصل الى الرطبة، أي حوالى 80 كيلومترا داخل العراق، من اجل وقف تدفق اللاجئين السنة الى أراضيه.
ويضيف المخطط العسكري الاميركي ان «الخطر يكمن في ان يقيم الأردنيون منطقة أمنية داخل العراق، وان يتبعهم في ذلك السوريون والسعوديون»، مشيرا الى ان السوريين قد يدخلون محافظة نينوى، فيما يرسل الأتراك قوات لحماية السكان التركمان في الشمال.
وينبع الخوف الأردني من احتمالين، أولهما تحويل السنة الهاربين من العراق عمان الى مركز للمقاومة السنية ضد الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد، وان تقوم الميليشيات الشيعية عندها بإرسال فرق صغيرة من الميليشيات الى عمان للقيام بحملات اغتيال أو شن هجمات إرهابية ضد المتمردين السنة. والاحتمال الثاني الأهم الذي يتشاركه الحلفاء السنة عبر المنطقة، هو ان تسيطر حكومة عراقية موالية لإيران على المنطقة.
وعندما زار مسؤولون أميركيون المنطقة مؤخرا، أبلغهم نظراؤهم الأردنيون بقلق كيف ان 200 مواطن سني تحولوا الى شيعة خلال الأشهر الاخيرة. وقال الأردنيون ان هذا التحول تأثر بمواجهة «حزب الله» لإسرائيل خلال الحرب الاخيرة، وبتصاعد نفوذ السيد مقتدى الصدر في العراق.
ويقول المخطط الاميركي «قد يبدو الامر غير معقول، لكنه يظهر كيف انهم يتخوفون من هذا المنحى». ويضيف ان السعودية حذرت بدورها من تنامي شعبية «حزب الله» والتيار الصدري في مناطقها الشرقية، مشيرا الى ان «الشيعة في هذه المناطق يحبون الصدر و(الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله».
ولعل التحدي الكبير الذي تواجهه الولايات المتحدة، يتمثل في ان معظم حلفائها السنة في المنطقة ينظرون الى الوضع في العراق على انه هزيمة لقضيتهم ونصر إيراني يقترب من التحقق. ويقول المخطط الاميركي «يشيرون الى الأحزاب الشيعية الاسلامية في العراق على انها فارسية».
ويشير المخطط العسكري الاميركي الى انه خلال الأسابيع الماضية، دافع بعض حلفاء واشنطن في الخليج عن فكرة إسقاط الحكومة العراقية الحالية وترسيخ ديكتاتورية عسكرية يحكمها أفراد علمانيون من الشيعة والسنة والأكراد، وتستمر في حكمها حتى تستقر البلاد وتنعقد انتخابات جديدة. اما الأحزاب السياسية، مثل تلك التي تسيطر على السياسات العراقية حاليا، فسيتم حرمانها من المشاركة في الانتخابات المستقبلية.
غير ان المسؤولين الأميركيين رفضوا هذا الاقتراح، إذ اعتبروا انه يعارض رغبتهم في نشر «الديموقراطية» في العراق، وان العراقيين الشيعة لن يقبلوا به نظرا الى سيطرتهم الحالية على الحكم.
وفي سيناريو آخر، صاغه وايت من مجموعة دراسة العراق، فإن العراقيين الشيعة سيطلقون حملة شاملة من اجل إبعاد السنة عن المناطق الكبرى وسط العراق. وستقوم عندها السعودية بتمويل هجوم مضاد بمساعدة الضباط العراقيين السابقين عبر الأردن الذي يحافظ على علاقة بالطبقة العسكرية السنية العراقية. كما ان مصر ستقوم بدورها عبر تامين السلاح والعتاد والمدفعيات والعربات.
يقول وايت «ما يتجاهله الناس هو احتمال ان يقوم السنة بضم طبقة من الجيش العراقي السابق وكل الحرس الجمهوري». ويضيف «ان أعطيتهم السلاح والمعدات اللازمة، فسيتحولون الى قوة هائلة في مواجهة الميليشيات الشيعية».
ويضيف وايت ان احتمال وقوع حرب أهلية شاملة في العراق تقود الى صراع إقليمي «هو سيناريو كان يستبعده الجميع تقريبا قبل أشهر قليلة... لكن ليس بعد اليوم».
المصدر: السفير عن وول ستريت جورنال
إضافة تعليق جديد