سمسار مرضى مهنة جديدة يخترعها السوريون
بات الوضع الطبي في بعض جوانبه الاجتماعية غريب الأطوار وتحصل فيه أمور أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها أشياء لاتصدق فقد تشكلت شبكات من السماسرة العاطلين عن العمل والذين وجدوا لأنفسهم طريقة مبتكرة للحصول على المال تقوم على مبدأ الاتفاق مع عدد من الأطباء الاختصاصيين بأن يحضروا لهم المرضى وهم بدورهم أي الأطباء يقومون باعطاء السمسار أو الوسيط الذين أحضر المريض مبالغ تتراوح بين 3000-10000ل.س على المريض الواحد وذلك حسب دسامة العملية وما اذا كان المريض سيدفع بالسوري أم بالدولار .
منذ يومين صادف اللقاء مع السيد معتز الخطيب وهو يعمل سائق تكسي أخبرني أنه يتعامل مع بعض أطباء العينية والجراحة العامة الذين يعطونه 4000 ل.س على كل مريض سوري و 7000 لغير السوري وأردف معتز قائلا: أصبحت لا أجد وقتا كافيا للعمل على التكسي بقدر ما تجدني هنا وهناك أبحث عن المرضى الذين يرغبون في إجراء عمليات جراحية, في الأسبوع الماضي أمنت 9 مرضى 5 منهم أجروا عمليات عينية وثلاثة مرارة بالتنظير والأخير تفجير حصية في الكلية.
- السيد فراس بدر قال: سجلت في مكتب الدور في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل منذ سبع سنوات أملا في الحصول على وظيفة مشرفة لكن يبدوا أنه (حلم إبليس بالجنة) ولذلك وجدتني تارة أعمل في البلاط وتارة أخرى في البناء ومعها أعمال مجهدة أخيرا استطعت مع ثلاثة من أقاربي أن نصنع مجموعة تجوب في المناطق المختلفة خاصة المكتظة بالسكان لنعرف من يريد إجراء طبابة أو عمل جراحي أو أشعة رنين مغناطيسي وأي مريض نحصل عليه نتقاسم المبلغ بالتساوي الحمد الله تمر علينا شهوراً الآن نستطيع فيها تحصيل أضعاف ما يحصله موظف حكومي.
الآنسة تغريد رجب قالت: بدأ الأمر معي من خلال سؤال إحدى الجارات لي عن طبيب عينية معروف بمهارته فما كان مني إلا أن تحدثت لها مع طبيب أعرفه فبادرني بالقول: إبحثي لي عن المرضى بطريقة جدية وسأعطيك مبلغا محترما على كل شخص تحضرينه إلي راقت لي الفكرة خاصة أنني من دون عمل ولا أدري إن كنت في يوم من الأيام سأستطيع الحصول على وظيفة بعد عمر طويل وبدأت من خلال شبكة من الاصدقاء والمعارف أقوم بذلك وتعددت قائمتي من الاطباء الذين أخذت أتعامل معهم ولا أخفيك بأن عدد الاطباء المتعاقدين مع وسطاء للمرضى أمثالنا رقم لا يستهان به أبدا لقد وجد الاطباء والوسطاء بهذه الطريقة ضالتهم بالحصول على عمل قد لا يأتي اليهم من تلقاء نفسه الحل الوحيد العمل بالمثل القائل ( الذي لا يأتي إليك اذهب أنت إليه).
د.حامد عبد الكريم قال: أنا اختص عينية الآن في السنة الأخيرة تعاقدت مع مشفى خاص وصدمت منذ اليوم الأول حيث وجدت أن العديد من الاطباء الذين يأتي اليهم المرضى عن طريق الخطأ أو يطلبون معالجات جراحية بينما يكونون هم اطباء داخلية وليس جراحة وحتى لا يطير المريض من بين أيديهم يتفقون معه على إجراء العملية الجراحية ويرسلونه إلى المشفى وعندما يتحمس أهل المريض ويهرعون خلف العربة التي تجر المريض إلى غرفة العمليات يجدون أن الطبيب الذي اتفق معهم على العمل الجراحي قد تسربل ثوب العمليات ودخل أمام عربة المريض وطلب من الأهل أن يقفوا خارجا لينتظروا بينما هو ( أي ذاك الطبيب) يدخل إلى غرفة العمليات ليجلس جانبا ( بعد أن يطمئن الاهل الواقفين خارجا بالقول إنشاء الله كل شيء سيكون بخير بينما يكون الجراح الحقيقي الذي سيجري العملية متأهبا للقيام بعمله مع طاقمه الطبي وقد اتفق مع الطبيب الذي أحضر المريض على تقاسم أرباح العملية ولتكتمل التمثيلية تنتهي العملية ويخرج الطبيب الذي تعاقد مع المريض خلف عربة المريض (الذي يكون بالكاد بدأ يصحو من البنج فهو بالطبع لم ير شيئاً لامن كان جالساً ولامن عمل حقا وأعمل مبضعه فيه) وليلاقي الأهل بابتسامة عريضة قائلا لهم: (عملنا ما علينا والباقي على الله.. الحمد لله على سلامته) يقولها بطريقة وكأنه هو من أجرى العمل الجراحي وتابع د. حامد لن أنسى هذه الصورة التي صدمتني منذ يوم تدربي الأول في ذاك المشفى وقلت في نفسي ألهذه الدرجة بلغ النفاق والدجل ولذلك تجدني لا استغرب وجود سماسرة يحضرون المرضى للاطباء اذا كان بعض الاطباء انفسهم يعملون سماسرة وعاقدي صفقات أمام بعضهم البعض الفرق الوحيد بين السمسار العادي والسمسار اذا كان طبيبا أن الأخير لن يقبل ببضعة آلاف بل سيطالب بالنصف على أقل تقدير.
وفي لقاء مع نقيب أطباء سورية د. أحمد قاسم سألناه عن هذه الظاهرة وموقف النقابة منها فقال:
نستغرب ونستهجن لجوء بعض الاطباء لهذه الممارسات الطبية المنافية لاخلاقيات المهنة والعمل الشريف وأقل ما يمكن أن يقال عنها إنها (سمسرة) حقيقية ونحن كنقابة نرفضها بشدة لما فيها من توجيه غير مشروع للمريض تجاه أطباء معنين مما يحول مهنة الطب إلى عمل تجاري بحت يفتقر لأبسط أفعاله الإنسانية السليمة وهذه الدعاية الغير مشروعة التي يمارسها البعض عبر سماسرة يجوبون المناطق لإحضار المرضى إلى طبيب معين نعاقب عليها بشدة حالما تصلنا أي شكوى حولها وأما أن بعض الاطباء غير الاختصاصيين أو المختصين بالداخلية يوهمون المريض أنهم هم من يعملون له العملية فعقوبتها شديدة وفيها احتيال واضح على المريض وعلى القانون معا فلا يمكن لغير الجراح إجراء عمل جراحي وأما الخطر المحيط بهذه المشكلة من جهة أخرى فيتمثل بنوعية الإجراء المتخذ والموقف المحرج الذي يضع طبيباً يستعين بآخر خفية عن الأهل عند حصول اختلاط معين للمريض أو عارض تابع للعمل الجراحي وهنا اذا ما حاول ذلك الطبيب التملص من المعضلة سيجد نفسه مدانا قبل أي أحد آخر لأنه هو من اتفق مع المريض على كل شيء وطالما أن الأخير وجه أصابع الاتهام اليه فلن يعفيه كونه لم يتدخل بالعمل الجراحي على الاطلاق.
موسى الشماس
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد