سعاد جروس تكتب عن اللغات الاكتوارية والاحتكاكية
الجمل- سعاد جروس: هل تريد أن تعاني من الدوخة؟! إذا أردت فعليك أن تقرأ كلام وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية في حوار لها مع إحدى الصحف الرسمية اخيرا, فقد أتت بنتيجة ودوخني على المضمون, على الرغم من أنني حاولت عبثاً فهم شيء مما تريد الوزيرة قوله لـ «الأخوة المواطنين», حول العديد من القضايا مثل «التقاعد المبكر, الحماية الاجتماعية, وقضايا العمل والبطالة ورفع الدعم... الخ» من قضايا تؤرق «الأخوة المواطنين» أنفسهم المعنيين بالأمر, وتقض أيضاً مضجع الحكومة, مما يُسوَّد صفحات جرائدنا المنيرة النيرة. ضبابية مستقبل القرارات الاقتصادية, وتخابط الوزارات بعضها ببعض من جانب, وبالحيطان من جانب آخر, تفرض حتمية ظهور الوزراء في الإعلام لتوضيح ما يقومون به وبكل شفافية ومن دون غموض, ليغلق المتشدقون بالنقد أفواههم, وأيضاً لوضع مواطننا المدلل أمام مسؤولياته, عله يكف عن النقيق والبعيق, فهو ليس أحسن من المسؤولين حتى يطالب بفهم كل شاردة وواردة, في واقع نعلم جميعاً أنه مكركب وداخل بعضه في بعضه.
حوار وزيرة العمل المذكور, نموذج لشفافيتنا الرسمية «الغامضة» في الكشف والتوضيح, فقد قالت الوزيرة, وأكثرت القول, لكن كأنها لم تقل شيئاً, ما عدا جملة واحدة كانت شديدة البلاغة ووضوح التعبير وهي «لا بديل عن الصبر». قالتها لدى سؤالها: متى سيلمس «الأخ المواطن» شبكة الأمان الاجتماعي التي تحلم الوزارة بتنفيذها؟ ونحن بدورنا نشد على يدها ونقول: لا بديل عن الصبر لإيجاد إجابات عن الأسئلة الكثيرة التي طرحتها في معرض ردها على أسئلة الصحيفة, فكل سؤال كانت تقابله الوزيرة بمونولوج استفهام, فمثلاً: سؤال: ما التصورات الأولية لصندوق البطالة؟ أجابت الوزيرة: أنهينا دراسة اكتوارية لوضع التأمينات الاجتماعية في سوريا, لأنه حتى تستطيع أن تحدث صندوقاً عليك أن تعرف ما هي قدرات هذه المؤسسة؟ وإلى متى تستطيع أن تستمر؟ وما هي الاشتراكات التي يجب أن تطلب كي نستطيع تلبية العاطلين من العمل والدفع لهم؟ وهل يجب أن تكون دفعات شهرية؟ أم دفعة واحدة؟
القارئ العادي المتورط بقراءة هكذا حوار, لن يفهم ماذا تعني دراسة اكتوارية, ولن يتمكن من اكتشاف تصورات أو ملامح صندوق البطالة موضوع السؤال, ولن يعرف إذا ما توصلت الدراسة للإجابة عن الأسئلة التي طرحتها الوزيرة في تفسيرها الماء بعد الجهد بالماء. ولتعذرنا السيدة الوزيرة إذا لم نتمكن من فكفكة طلاسم لغتها الاقتصادية المبسطة جداً, فنحن قراء من فئة «العادي وما دون», لم ندرك العلم المحفوظ والدر المصون فيما قالته عن تبرير عدم الثقة بمكاتب التشغيل في وزارتها لأن «هذه المكاتب وسيلة من وسائل معالجة إحدى خصائص البطالة أو إحدى الصفات النوعية للبطالة, وهي البطالة الاحتكاكية التي تعني عدم اللقاء بين العرض والطلب, ولكنها ليست وسيلة لخلق أو توفير فرص عمل»!! «البطالة الاحتكاكية» بلا معنى بالنسبة الينا كـ «الدراسة الاكتوارية» بحاجة الى شيخ كار ضليع بكتابة وقراءة الحجب لعله يفيدنا في شرح معاني الكلمات, كي لا يذهب بنا الخيال إلى تصورات أخرى بعيدة عن المرامي الاقتصادية للمصطلحات اللغوية, فنضيع ولا نعرف أين يضعنا القضاء والقدر الذي ابتلانا بما ابتلينا به.
على مبدأ المعاملة بالمثل لن نفصح في هذا المقال عن ماهية البلاء المقصود, وسنُبقي المعنى في قلب الشاعر, تاركين التكهن بالبلاء المقصود للسادة المسؤولين وتفسيره بما يشاؤون وكل واحد منهم وأعماله وأقواله في حفلة زار استفسارية وطنية للطرشان, يحبذ فيها كالعادة الناطقون الصامتون الرسميون والعاديون التصريح بأنصاف جمل هي بالأعراف السورية لغة دبلوماسية, تعتمد التلميح لا التصريح, والتمليح بعد التجريح, كوصفة سحرية لتوخي السلامة من رد فعل مبني للمجهول, لا حول لنا ولا قوة في إعرابه. أما المهتمون اللجوجون اللحوحون باستنطاق المعاني في قلب وزيرتنا وسائر المسؤولين الحكوميين الشفافين لفهم إلى أين هم سائرون بمركبتنا السعيدة, فنستلهم وصفة من كتاب «شمس المعارف الكبرى» خاصة باستنطاق ما في القلوب, لكتابة وصفة وطنية لاستكشاف نيات المصرح سواء أكان مسؤولاً أو غير مسؤول.
الوصفة: تكتب أحرف الاسم الأولى للناطق الصامت المصمت في باطن اليد بريشة ديك أعثر مغموسة بدم ضفدع أخرس, والقمر بالنطح, ويكون وجه المريخ ناظراً إلى المنزلة, ثم يتلى جلوساً لا وقوفاً مليون وسبع وسبعين مرة. يا أيها الملك هطمهطلفيائيل بطائيل الأكبر, فكفك الأسرار القانونية في كل تعميم أو قرار, واكشف ما تستره كلمات الوزراء ومدراء العمومي والخصوصي والفريق الاقتصادي, أفرط حروفهم كحب الرمان, واستطلع الأغوار السياحية والاستثمارية لأحلامهم الثقافية وخططهم التنموية الخمسية والعشرية... يا هطمهطلفيائيل بطائيل الأكبر سارع بالرد عبر البريد العادي أو الأيميل, فأنت وحدك الشفاف الشفيف الخفيف الظريف الذي لا يدوخنا في البحث في القواميس والنواميس عن المعاني المفقودة في لغتهم الأكتوارية الاحتكاكية الخنفشارية.
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد