سعاد جروس : الترجمة الفورية الحكومية لخطاب القسم
الجمل ـ سعاد جروس : الاجتماع الأسبوعي لرئاسة مجلس وزرائنا السوري جداً, جدد رئيس المجلس الدعوة للسادة الوزراء السوريين جداً «إلى رفع وتائر العمل ومضاعفة الجهود لافتاً إلى أهمية المتابعة الميدانية والعمل الجماعي والمؤسساتي والتركيز على الأولويات ومحاربة مظاهر الفساد والروتين والبيروقراطية الادارية».
قبل السلام والتعقيب على هذا الكلام, لا بد لنا من فاصل غنائي من سكتش «حبيبي المجهول» لليلى مراد بمثابة قول كلمة حق في هذا الكلام: «كلام جميل... وكلام معقول... ما أقدرش اقول حاجة عنه... لكن خيال حبيبي المجهول ما فيش حاجة منه»... يتبعه تصفيق طلائعي تعبيراً عن الغبطة والبهجة في الطريقة المنتهجة في الترجمة الحكومية الفورية لخطاب رئيس الجمهورية إلى خطة عمل. لأن مناسبة تجديد دعوة رئيس الوزراء للوزراء هي, خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي بمناسبة الولاية الدستورية الثانية. وبهذا تكون الترجمة بعرف المسؤولين هي تكرار الكلمات على مسامع المواطنين كرجع للصدى, فإذا تناول الخطاب موضوع الفساد ينبري غالبية «المناصبيون» ليسطروا نظريات في كيفية انتشار الفساد واستفحاله واستشرائه وآليات عمله, وأيديهم ممدودة تحت الطاولة تعد الفراطة... وللتوضيح كلمة «مناصبيون» منحوتة من مناصب وتعني المحتلين للمناصب, وليست اشتقاقاً من النصب لئلا تؤخذ على معنى سلبي يوقعنا ويوقعهم في سوء الظن.
وإذا تناول الخطاب اللغة العربية, امتشق جهابذة تكريس اللهجة العامية في الدعاية والإعلام والإعلان, السيف والقرطاس والقلم, وهات تفاصحاً وفصاحة حتى ليخجل المتنبي من تقصيرهم أمام فصاحتهم, وتأكيداتهم مراراً وتكرارا أهمية العناية باللغة العربية, بغض النظر عن تطنيشهم في هذا المجال وسماحهم بمخالفة القرار المتخذ في سوريا في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد بمنع الكتابة باللهجة العامية والأجنبية في لوحات الإعلان وأسماء المحال التجارية, ورضاهم المؤسف عن إلغاء اللغة العربية لغير المختصين في كثير من فروع الجامعات السورية, وصمتهم على تردي مناهج تعليم اللغة في المراحل الأساسية, حتى وصلنا إلى مرحلة لا يمكن لطبيب أو مهندس أن يكتب بضع كلمات بالعربية خالية من الأخطاء الإملائية, هذا إذا لم نتحدث عن طلاب الآداب والعلوم الإنسانية, وبالأخص كلية الصحافة التي تخرج صحفيين أميين بالعربية الفصيحة لا يصلحون إلا للعمل في الإذاعة والتلفزيون حيث يمكنهم الكتابة والحديث بالعامية, بل وكل بلهجة ضيعته, كتعبير عن الهوية المحلية والموروث الشعبي في تشتت وطني مفتوح على خلطبيطة حداثوية إعلامية, تجاري إعلام جيراننا المتلفز وتضاهيه بالغنج والدلال «لأنو هيك أحلى يا كحلا» وذات فائدة أكبر في مخاطبة القاعدة الشعبية بغالبيتها الأمية, ولعله أسهل مئة مرة تكريس الأمية عبر محاكاتها باللسان ذاته من أن يعمل على محوها باستخدام اللسان الصحيح, فالهدم دائما أسهل من البناء واقل تكلفة. كما أنه أكثر فعالية في تحريك وتحميس وتأجيج عواطف الأمة لتلبي ضرورات ما سينتج من تلبية الوزراء لدعوة رئيس مجلسهم الى رفع «وتائر العمل» و«مضاعفة الجهود» و«العمل الجماعي» و«المؤسساتي» و«التركيز على الأولويات», فهذا كله بحاجة الى صفصفة حكي ما انزل الله بها من سلطان, كي تقتنع الجماهير أن الحكومة شغالة على قدم وساق في ما «يعزز أسس المشاركة الشعبية ودعم الخطط والبرامج التنموية» التي لا نفهم رأسها من أساسها. مع أنها ليس أكثر من حبر على ورق, بدليل أن رئيس الوزراء في الاجتماع المذكور أي الآن وبعد مرور أكثر من عام على هذه الحكومة كلف الوزارات بوضع آليات للتنفيذ!!
لن نعرف سر عجلة رئيس الحكومة في هذا التكليف, فهو دائما مستعجل, فمنذ ثلاثة أسابيع أو يزيد, أمهل وزارة الكهرباء أسبوعين «فقط» لحل مشكلة انقطاع الكهرباء, رغم علمه بعجزها وعدم توافر الاستطاعة الكهربائية اللازمة لحل مشكلة نتجت أساساً من تراكم أخطاء وفساد عمره عقود.
المشكلة أن الطبع غلب التطبع, وكل ما نرجوه التريث والتمهل وفتح باب الحوار والنقاش قبل التهور والبدء في وضع آليات تنفيذ من دون تنفيذ إلى ما شاء الله, فهناك وزراء يعشقون الحوار بقدر ما يعشقون وضع آليات وخطط لا أحلى و لا أجمل. فليأخذوا وقتهم طالما هم جالسون على الكراسي مستمتعين هانئين, ولنستثمر الزمن الضائع وحالة انعدام التوازن أثناء ترقب التغيير أو التعديل الحكومي المتوقع, في الترجمة الفورية والاستراتيجية واللغو والنقاش والحديث عن المستقبل, لعل وعسى تحصل معجزة ويأتينا ذلك المستقبل الموعود زاهراً باهراً على أهون سبب, مستقبل جذاب بدون عذاب, أو على طريقة الممثلة البشعة التي نصحها طبيبها النفساني بأن تقول لنفسها في المرآة مرات عدة في اليوم أنا جميلة أنا جميلة حتى اقتنعت بأنها جميلة, وصار الجميع يتعاملون معها على أنها كذلك... طريقة لا نشك في أن حكومتنا الذكية تفضلها وتتبعها في وضع تصوراتها المستقبلية لترجمة خطابات الرئيس, فتقول ويردد خلفها الإعلام الرسمي: سوف نترجم الخطاب, سوف نكافح الفساد, سوف نحارب البيروقراطية... وسـين وسـ ... وسوف نذهب إلى النوم باكراً, والصباح رباح.
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد