سجن درعا المركزي موقع سياحي بامتياز التلوث ونقص الخدمات
في طريقنا إلى موقع سجن درعا المركزي لإجراء هذا التحقيق كانت الفكرة التي تدور في خلدنا أن هذا المكان هو عبارة عن مأوى لحجز حرية المجرمين والمخالفين للقانون.. ومع اقترابنا من موقع السجن حيث كانت السيارة التي تقلنا تنهب الطريق الذي بدا وكأنه أفعى تتلوى تحت عجلاتها, ظهر لنا ذلك البناء الضخم الذي تخاله للوهلة الأولى وكأنه فندق على ضفاف وادي الزيدي, ولكنه محصن بالأسلاك والأسوار والحرس.
لقد كان الهدف من هذا التحقيق هو دخول مهاجع وردهات السجن والحوار الشفاف وجهاً لوجه مع النزلاء عن واقع الحال الذي يعيشونه والخدمات المقدمة والوقوف على المطالب الضرورية لهم.
عشرات المساجين الذين التقيناهم خلال جولتنا كانوا خجلين من ذكر نوع الجرائم المحكومين أوالموقوفين لأجلها, لذلك كانت بطاقات التعريف المعلقة على صدر كل سجين تساعدنا على معرفة نوع المجرم واسم الموقوف, والسمة البارزة عليهم الهدوء وقلة الكلام, في حين يقرأ المتمعن في تفاصيل وجوه بعضهم الندم والحسرة على ما ارتكبوه والغضب والانفعال على وجوه المظلومين والمفترى عليهم!!
فالنزيل -ع-ر) المحكوم بجرم القتل أشار إلى أنه ارتكب فعلته في لحظات شجار وطيش وهو حزين لماحدث معه وتمنى أن يقضي عقوبته ويعود لأسرته لرعايتها وفتح صفحة جديدة في حياته.
أما النزيل- م-ع) المحكوم بجرم السرقة فقد أكد أنه مخطىء وقد تعلم هذه الطريقة المشينة من رفاق السوء, علماً أنه ليس بحاجة للمال ووضعه المادي جيد, وأشار إلى أن ماتعلمه في السجن من تأهيل وتوعية كان له الدور الكبير في عدم التفكير ثانية للعودة لاقتراف هذا الجرم الشائن.
وذكر النزيل-ع-ز) المحكوم بجرم ترويج عملات مزورة أن رفاق السوء والطمع هم الذين أوقعوا به في براثن فعلته التي دفع ثمنها غالياً من سني عمره, مشيراً إلى أن الخطأ مهما طال التستر عليه لابد أن ينكشف وينال المخطىء عقوبته, وقد قامت إدارة السجن على تأمين عمل لي داخل السجن وأقوم بالصرف على أسرتي من عائدات هذاالعمل.
وفي معرض حديثه عن طول فترة التوقيف وتبليغ الشهود أشار-أ-ب) الموقوف بجرم القتل إلى ضرورة الإسراع بإجراءات التبليغ للشهود وتقصير مواعيد الجلسات, لأن الموقوف شخص يمكن أن يكون بريئاً فمن يعوضه عن الفترة غير المبررة التي يقضيها في السجن?!
وحول واقع حال النزلاء في السجن والخدمات المقدمة لهم أشار النزيل المحكوم- ح- أ) أن المعاملة جيدة من إدارة السجن ويتم تقديم جميع المستلزمات المطلوبة بالإضافة لرعايتهم ومعالجة قضاياهم ومتابعة أوضاعهم الصحية والاجتماعية والمادية.
بعد جولتنا في أقسام وصالات التأهيل والانتاج الحرفي برفقة رئيس فرع السجن العقيد بسام غازي علولو والعقيد محمد زهرة رئيس قسم التوجيه المعنوي والباحث الاجتماعي حسين الديري قدم لنا رئيس فرع السجن شرحاً عن واقع العمل حيث قال: إن منهاج عملنا غايته الوصول إلى أن يكون السجن مركز رعاية وإعادة تأهيل وإصلاح, وانطلاقاً من ذلك عملنا جاهدين بالتعاون مع جميع الجهات المعنية على تأمين الراحة والأمان للنزلاء آخذين بعين الاعتبار جميع المتطلبات الضرورية وخاصة الصحية والتعليمية والمهنية والثقافية والدينية, فأغلب نزلاء السجن هم من مرتكبي جرائم السرقة ويشكلون حوالى 30% بالإضافة للموقوفين الذين يشكلون 70% وأغلبهم ممن تقل مدة توقيفهم عن ستة أشهر, أما المحكومون فيشكلون نسبة 30% من النزلاء وأغلب أحكامهم أقل من ستة أشهر, ونظراً لعدم وجود جمعية لرعاية السجناء بدرعا فإن إدارة السجن تقوم بمهام الجمعية بإشراف جمعية سجناء دمشق, ويتم حالياً العمل على إنجاز معاملة إشهار جمعية للسجناء بالمحافظة لرعايتهم.
وأشار العقيد بسام إلى أن السجن هو مؤسسة عقابية مهمتها التعامل مع أصحاب السلوك الخاطىء الخارجين عن القانون, وبالتالي فالسجن ليس مكاناً لحجز حرية الخارج عن القانون فقط بل يتعدى ذلك إلى المساهمة في تعديل قيم وسلوك النزلاء وهذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهود والخبرة في التعامل, فالسجين إنسان زلت قدمه في الخطيئة ومن الحاجات الأساسية له عدا تأمين الطعام والشراب وحاجته للتقدير وهي حاجة مهمة وقد يكون ذلك معنوياً أومادياً, ولأن العدل أساس الملك فإننا نعمل جاهدين على تحقيق العدل في الجزاء والثناء وقد نخطىء أحياناً فنحن بشر أولاً ومن أجل تبصير الإدارة بمكامن الخطأ في السجن فقد تم وضع صندوق شكاوى خاص بالسجناء وكان الأمل معقوداً على أن ذلك يساعدنا في كشف الخلل والخطأ ولكن وجدنا أن 80% من الشكاوى هي كيدية ولمصالح شخصية بين السجناء وتشويه صورة البعض أمام الإدارة.
وعن العلاقة مع القضاء أكد رئيس فرع السجن أن هناك تعاوناً ممتازاً مع السيد المحامي العام والقضاة وعندما يتطلب الأمر أي معالجة نطلب من السيد المحامي العام وبعض السادة القضاة أصحاب الاختصاص زيارة السجن للوقوف على مشاكل السجناء ومعالجتها, رغم تذمر بعض السجناء من طول فترة التوقيف!!
وعن البرامج التأهيلية المهنية والثقافية داخل السجن فقد أكد العقيد علولو أن الرعاية الثقافية في السجن متوفرة بشكل ممتاز ويوجد مسرح وتتم إقامة اسبوع توعية ثقافي دوري يحاضر فيه مجموعة من المختصين كما يضم السجن مكتبة كبيرة فيها مئات الكتب القيمة بالإضافة لقاعة خاصة للمطالعة حيث قام اتحاد الكتاب بدرعا بإهداء مكتبة السجن 200 كتاب وهناك اتفاق معهم على إقامة أمسيات قصصية وشعرية ومحاضرات, ويتم إصدار مجلة دورية شهرية خاصة بالسجن هي من إعداد النزلاء وهناك تنسيق لإقامة لقاء بين النزلاء وفرع نقابة المحامين بدرعا.
أما في جانب التدريب المهني فأشار علولو إلى قيام الإدارة بالاستفادة من خبرات المهنيين النزلاء في تعليم غيرهم وإكسابهم الخبرة والمعرفة وتم بالتنسيق والتعاون بين الإدارة والشؤون الاجتماعية والعمل وبتشجيع من السيد قائد الشرطة تم افتتاح مشغل لإنتاج البسط والسجاد الصوفي وورشة الكترون وكهرباء وإصلاح الأدوات الكهربائية وتصنيع شواحن كهرباء وصواعق الناموس وورشة خياطة,حيث تم إنتاج نحو 3000 قطعة بين كلابية وعباءة نسائية وخياطة البدلات الرياضية بالإضافة لورشة الخرز والنحاس والحدادة والأحذية والتريكو وإنتاج سيف الجلي وهناك تعاون مثمر بين إدارة السجن وفرع مكافحة البطالة بدرعا لتنشيط عمل الورش وتصريف الانتاج حسب الامكان ويستفيد العاملون في هذه الحرف مادياً من عوائد الانتاج, فالكثير من السجناء يصرفون على أسرهم من عملهم داخل السجن في بعض المهن والحرف.
يوجد في السجن باحث اجتماعي وحيد يقع على كاهله التعامل مع جميع الحالات ودراستها وتوعية النزلاء وإرشادهم. فالباحث حسين الديري أكد أن مهمته العمل على اصلاح السجين وإعداده ليكون مواطناً صالحاً وذلك من خلال تطبيق برامج الرعاية الاجتماعية والوقوف على مشاكل النزلاء ومتابعة قضاياهم العالقة وايجاد الحلول المناسبة لها, بالإضافة لتعليم النزلاء الأميين والذين يشكلون 25% ورعاية الطلاب المتقدمين لامتحانات التعليم الأساسي والثانوي وتأمين الجو المناسب للدراسة حيث تم تدريب 75 نزيلاً على الحاسوب و50 اتبعوا دورات في اللغة الانكليزية و100 في تحفيظ القرآن بالإضافة لتعليم بعض النزلاء إصلاح الأجهزة الالكترونية وتصنيع الأحذية والأعمال اليدوية, مشيراً إلى أن مكتب البحث الاجتماعي يقوم بالمساعدة على شرح بعض القضايا العالقة أمام القضاء وإيجاد الحلول المناسبة لها بالتنسيق والتعاون مع السيد المحامي العام والسادة القضاة بدرعا.
ففي دراسة احصائية اجتماعية لواقع النزلاء في السجن أجراها الباحث حسين الديري أكد لنا أن أغلب النزلاء هم ممن ارتكبوا جرائم السرقة ونسبتهم 30% أما نسبة جرائم القتل فهي 11% ونفس النسبة للشروع بالقتل والإيذاء أما نسبة المحكومين بجرائم تزوير وترويج العملات فهي 9% والذين ارتكبوا جرائم مخلة بالآداب العامة وصلت نسبتهم إلى 8% وقضايا المخدرات 7% ونسبة ممن ارتكبوا جرائم جنحوية الوصف 6%, وأن أغلب نزلاء السجن تتراوح أعمارهم بين 25-35 سنة ويشكلون 40% من النزلاء أي أن الغالبية من فئة الشباب, وأظهرت الدراسة أن النزلاء المتزوجين وصلت نسبتهم 50% والعازبين 4% والأرامل والمطلقين 2% فقط والشيء الملاحظ أن 50% من النزلاء هم من الفقراء و35% متوسطو الدخل و15% وضعهم جيد وميسور, ولوحظ أن أغلب النزلاء هم من فئة العمال العاديين 7% و8% مهنيين و5% فلاحين و5% سائقين وأن نسبة الطلاب قليلة 2,5%.
و أخيراً وخلال جولتنا في ردهات السجن وحواراتنا مع المعنيين لاحظنا أن هناك بعض المطالب وهي تتمثل في ضرورة إعادة النظر بقانون السجون المعمول به حالياً وهو قديم جداً ولايناسب الواقع الحالي.
كما أن السجن بحاجة لمياه الشرب الحلوة لأن البئر الموجود هو كبريتي ولايوجد سوى صنبور مياه حلوة للشرب فقط تم تمديده من خط خارج السجن, وطالب النزلاء بضرورة إيجاد حل مناسب لمياه الصرف الصحي التي تجري في وادي الزيدي المار بجانب السجن وتصدر منها روائح كريهة وحشرات ضارة, كما يحتاج السجن إلى مولدة كهربائية احتياطية مناسبة وسيارة اسعاف وطبيب أسنان متفرغ وبعض العناصر الفنية لصيانة التجهيزات الكهربائية والميكانيكية في السجن مثل المصاعد والتدفئة وغيرها كما لاحظنا أن مكتب البحث الاجتماعي لايوجد فيه سوى باحث واحد وهو غير مثبت ويعمل بشكل مؤقت منذ 15 عاماً ولذلك لابد من تثبيت المؤقتين وزيادة عدد الباحثين وتزويد السجن بمعالجي الإدمان على المخدرات, كما يعاني النزلاء من عدم تصريف كامل المنتجات المصنعة في السجن وهي ذات مواصفات ممتازة بالإضافة لإشهار جمعية رعاية المساجين وأسرهم حيث يتبعون لجمعية دمشق حالياً.
**
فلاشات
أشاد رئيس فرع السجن بموقعه السياحي.
صادف وجودنا انقطاع التيار الكهربائي لفترة من الزمن ولاتوجد مولدة احتياطية صالحة للعمل.
200 نزيل شاركوا بانتخابات مجلس الشعب ممن يحق لهم التصويت ولأول مرة في السجون بالقطر.
يتم تصنيع أدوات الكترونية وكهربائية في ورشات السجن لامثيل لها بدرعا.
يقوم رئيس فرع السجن والباحث الاجتماعي بدور جمعية رعاية المساجين لعدم وجودها.
تحقيق :جهاد الزعبي- سمير المصري- زيد مقداد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد