دمشق: يوميات الحزن العــادي
لن يتأخر زائر دمشق، بعد ثلاث سنوات من الانقطاع عنها، في ملاحظة أنه ليس وحده من يعيد اكتشافها. الأصدقاء السوريون، المقيمون فيها، يجرون هذا الاختبار يومياً. وإذا كان حزن الشام هو ما يلتقطه الزائر، فإن أبناءها يجاهدون لرفع معنوياتها. يحمدون الله مع كل اتصال هاتفي؛ لأنّ المتصل لا يزال بخير. يبدون سرورهم؛ لأن المقاهي لا تزال تستقبل روّادها. حتى الرصيف الذي يمشون عليه، يدوسون حجارته وهم لا يصدّقون أنه سلم من قذيفة
يضحك سائق التاكسي طويلاً حتى لا يعود كلامه مفهوماً. يحتاج إلى بعض الوقت لكي يلتقط أنفاسه، ويروي ما حدث مجدّداً. حصل ذلك خلال مروره في حيّ القصّاع الشهير في دمشق القديمة. كان الازدحام على حاله، وكأنّ شيئاً لم يحدث في المكان قبل ساعات. نسأله: «ألم تسقط قذيفتا هاون هذا الصباح هنا؟». يردّ بالإيجاب، ويشير إلى جدار الكنيسة التي تعرّضت للقصف من دون أن يصاب أحد بأذى هذه المرة، ثم يضحك وهو يروي ما حصل معه صباحاً. يقول إنه كان نائماً في مستشفى الزهراوي، المجاور للكنيسة، حيث يعمل. هذا المستشفى متخصص بالتوليد، وقد اعتاد الرجل أن ينام ويصحو على صوت صراخ النسوة. وعندما سقطت القذيفتان وارتفع صوت الصراخ في الشارع، والمستشفى، اعتقد أن هناك عدداً من النسوة يلدن في وقت واحد. يكاد يفلت مقود السيارة من يده، وهو يقاوم نوبة الضحك التي تملّكته: «قلت لكلّ من اتصل بي ليطمئن: ما في شي، الولادات كثيرة هذا الصباح».
لا يشبه مزاج سائق التاكسي هذا، مزاج أصحاب المهنة. حتى عندما أمضى قرابة نصف ساعة، منتظراً المرور عند حاجز أمني قرب شارع التجارة، في طريق العودة، لم يتذمّر. بل لم يتوقف عن الكلام وسرد ما يصادفه من أحداث. كان يحكي ويضحك، أو يردّ على الهاتف، محيّياً كلّ من يتصل به بعبارة «أهلاً بالغالي». وقع العبارة سحري، ككلّ مفردات القاموس السوري المحبّب. يقولها حتى لغريب طلب الحديث معه ليرشده إلى المكان الذي نقصده. «كيفك يا غالي، المشفى الفرنسي؟ إيه عرفتو». يتجاوز الحاجز ويمرّ قرب ساحة العباسيين. لا يكشف سرّاً حين يقول إن المسلّحين يقصفون المنطقة باستمرار بسبب وجود مقرّ للجيش السوري في «استاد العباسيين» المجاور. وتحت هذه الحجة، يطاول القصف الأحياء المجاورة.
قبل شهور، لم يكن المرور قرب هذه الساحة آمناً كما هي الحال عليه اليوم. كذلك الأمر بالنسبة إلى منطقة الزبلطاني في قلب العاصمة، التي كان عبورها أشبه بعملية انتحارية. وعندما «تحرّرت» من مرمى نيران المسلّحين، صار الكثير من السوريين يتعاملون معها كأنها مكان مقدّس، فيجوبونها وهم يقدّرون قيمة كلّ حجر فيها. عينهم اليوم على جوبر، التي يتحصّن فيها المسلّحون ويقصفون منها يومياً أحياء في باب توما والقصّاع القريبين. أما طريق حزّرتا، المؤدية إلى اللاذقية، فالحديث عنها أشبه بالحديث عن مدينة أشباح. يُحكى عن مقبرة للسيارات تعرّض أصحابها للقنص من قبل الجماعات المسلّحة ولم يجرؤ أحد على الذهاب لإخراجهم.
لا تحتاج معرفة هذه المعلومات إلى طرح أسئلة على أحد. الحديث عنها تلقائي، قد يأتي إثر سماع صوت قذيفة هاون، أو صوت رصاص قنّاص. بهدف الطمأنة، يجري شرح الخريطة العسكرية المحيطة بمكان وجودنا في الشام القديمة. بعدها، يصبح زائر سوريا معتاداً سماع الأصوات، وقادراً على التمييز بين الضربة التي تنطلق من مكان يجاوره، أو تلك التي تسقط قربه.
■ ■ ■
في صباح اليوم نفسه، كان بيتر موجوداً في محلّه لبيع قلادات «اللولو» في سوق الحميدية. اتصلت به والدته المقيمة في القصّاع، لتخبره بسقوط القذيفتين في الحيّ، مطمئنة إياه إلى أن أحداً من العائلة لم يصب بأذى. طلب منها الانتباه، وقرّر أن لا يتأخر في العودة إلى منزله كي لا تبقى زوجته وطفلاه وحدهم. هذه هي حاله منذ بدء الأحداث، لا يفتح محله إلا بضع ساعات؛ إذ يحرص على أن يكون قريباً من عائلته الصغيرة في حال حصول شيء. يقيم بيتر في منطقة واقعة بين باب توما الذي يتعرض لقصف من «الجماعات المسلّحة»، كما يسمّونها، وبين حي جوبر الذي يركّز الجيش السوري هجماته عليه هذه الأيام لينهي وجود المسلّحين فيه. لا ينام معظم القاطنين على خط التماس هذا بسبب «الضرب». أما أهالي باب توما، فقد اعتادوا سماع صوت القصف طوال النهار والليل. قبل خمسة أيام، سقطت قذيفة في وسط الشارع فقتلت ثلاثة أشخاص. بعدها بأربعة ايام، سقطت قذيفة على رصيف في شارع القصّاع المزدحم دائماً. نعبره سيراً على الأقدام، فيدلّنا صديق سوري إلى جانب متضرّر من الرصيف المقابل لخط سيرنا، ويقول: «سقطت القذيفة هناك ولم تنفجر». لا يمكن الاقتراب لمعاينة أثر الضربة، فقد صفّ سبعة رجال كراسي في المكان نفسه الذي سقطت فيه قذيفة الهاون... وكأن شيئاً لم يحصل. وبسبب الكساد الحاصل في حركة البيع، احتلت البضائع رصيفي الشارع المعرّضين للقصف كلّ لحظة.
فرانسوا، العامل في أحد صالونات الحلاقة في باب توما، يؤكد أن الهرب من قذيفة هاون بات لعبة حظ. يأتي إلى عمله كلّ صباح وهو يضع ضمن احتمالاته أن القذيفة قد تصيبه هذه المرة. لكن هذا الاحتمال، الذي بدأ يتضاءل مع تقدّم عمليات الجيش السوري، لا يبقي الناس في منازلهم. الكلّ يتابع عمله كالمعتاد؛ إذ لا يمكن إيقاف الحياة تحسّباً لسقوط قذيفة لا يعلم أحد في أي وقت يقرّر المسلّحون إطلاقها، كذلك فإنهم لا يعلمون ماذا يستهدفون بها. يكفي أن يكون الحي مسيحياً لكي يصبح استهدافه مبرّراً، كما يعتقد الكثيرون هنا.
في المساء، عندما تخفّ الحركة في الشارع ينتشر شبان مسلّحون في مختلف أرجائه، كما هو حاصل في مختلف شوارع الشام. هم من سكان الحيّ الذين تطوّعوا لحراسته خوفاً من دخول غرباء ووضع متفجّرات. يؤكد أحدهم أن المسيحيين مستهدفون اليوم أكثر من أي وقت مضى، يدلّ من حيث يقف عند مدخل باب توما إلى شارع القصّاع المواجه ويقول: «هل تعرفين ما هو اسم القصّاع؟ اسمه برج الروس»، (أو برج الرؤوس، في إشارة إلى البرج الذي صنعه تيمورلنك من الجماجم عندما غزا دمشق مطلع القرن الخامس عشر). يضيف: «لقد دفعنا ثمن بقائنا مسيحيين هنا، ولن نسمح بطردنا». فيما يسأل زميله: «لمن سنترك سوريا؟ لكي يحكمها أصحاب الذقون؟»، ويشير إلى صور المطرانين المخطوفين (بولس يازجي ويوحنا إبراهيم) المعلّقة على كنيسة السريان في الشارع. «لا أحد يعلم إن كانا سيعودان. لم يخطفهما المسلّحون ليبقوهما على قيد الحياة».
■ ■ ■
لا يسلّم أهالي المخطوفين بهذه النتيجة. المخطوفون أحياء بما أن جثثهم لم تظهر بعد.
السيدة، التي جلست قرب مقام رأس الإمام الحسين في حرم الجامع الأموي، كانت تتلو الدعاء بحرقة. تقرأه تارة من ورقة في يدها، وتارة ترفع رأسها لتقرأه عند سور المقام. عندما تلتفت إلى اللهجة اللبنانية التي نحدّثها بها، تقول إنها التقت أمس أيضاً بلبنانيين. «هل تأتين كلّ يوم إلى هنا؟» نسأل فتبكي، وتهزّ رأسها إيجاباً. لا تنتظر سؤالاً ثانياً لتروي. تخبر أنها رأت مقام السيدة زينب في منامها. لكن الأوضاع الأمنية تحول دون زيارتها له، لذا تستعيض عنه بزيارة رأس الإمام الحسين عساه يكون شفيعها لردّ زوجها المخطوف منذ أكثر من عام. دفعت خمسة ملايين ليرة للخاطفين وكانت تعلم أنهم لن يعيدوه. تطمئن نفسها بالقول إنه قد يكون في أمان. رؤية السيدة زينب في منامها دفعتها إلى التفاؤل، وهي مصرّة على الزيارة فتتواصل مع أشخاص وعدوها بتأمين هذه الزيارة متى سمحت الظروف بذلك.
شقيق محمد مفقود أيضاً. هناك روايتان عن مصيره. الأولى أنه استشهد في القصف، والثانية أنه أصيب ونقل إلى تركيا. يفضّل تصديق الرواية الثانية، رغم مرور أشهر على اختفاء شقيقه من دون أي إشارة تؤكد بقاءه على قيد الحياة.
أما الياس فرنسيس، فقد صارت قصته على كلّ لسان. نسمعها من أحد أصحاب المحالّ في باب توما. يروي أن الشاب كان في طريقه إلى الأردن للحصول على تأشيرة سفر إلى أميركا. قتله المسلّحون عند حاجز أقاموه على الطريق. ولم يُكتشف الأمر إلا قبل ثلاثة أشهر، عندما عمد القاتل، وهو ليبي الجنسية، إلى تزوير جواز سفر الياس وحاول الدخول إلى الأردن، فألقي القبض عليه قرب الحدود واعترف بقتل فرنسيس ودلّ على مكان دفنه. كان العثور على جثمانه أكبر مواساة للعائلة التي أقامت له عرساً لم يقدّر للشاب الثلاثيني أن يحظى به خلال حياته.
■ ■ ■
اتخاذ القرار بالبقاء يعدّ عملاً بطولياً في ظلّ الأخبار الكثيرة التي يتناقلها السوريون عن عمليات ذبح على الهوية. كلّ من نلتقيه يخبر عن صديق له، قتل أو خطف. لكن رغم ذلك، يبقى النقاش قائماً حول جدوى أن يحمل المسيحيون سلاحاً، ولو في أحيائهم. يقول صديق: «أنا ضد أن يحمل المسيحي سلاحاً في الشارع، لكني مع الجيش ولو كان نصفه مسيحياً. الجماعات المسلّحة مدرّبة، فماذا سينفع معها الرشاش الذي يحمله الشبّان في الشارع؟».
قد لا يستخدم شباب «اللجان الشعبية» السلاح الذي يحملونه، لكنهم يراقبون حركة الدخول والخروج. يقفلون باب الحيّ ليلاً في وجه السيارات، وقد يعمدون إلى ذلك نهاراً. هكذا لا يمكن التكهن متى يكون شارع ما مفتوحاً ومتى يكون مقفلاً. وهو أمر لا يقتصر على باب توما وحدها، بل في كلّ دمشق المعرّضة في كلّ وقت لسقوط القذائف عليها. في اليوم نفسه الذي تعرّض فيه القصّاع للقصف، كان مبنى وزارة الكهرباء في كفرسوسة هدفاً لقذائف الهاون. تلقّى طوني الخبر عبر هاتفه، خلال وجوده في فندقه الكائن في باب توما. قيل له إن سيارته، التي يتجاوز ثمنها ثمانين ألف دولار، تضرّرت بنحو كبير. كان حزيناً، وشبه يائس. بدا كمن أسقط في يده. ليست أولى خسائره. يكفي أن فندقه الذي كان يحتاج إلى حجز مسبق، لا يشغله اليوم إلا ثلاثة أشخاص. أما بدل الإقامة في جناح مؤلف من غرفتين وحمام، فقد هوى من 250 دولاراً في الليلة إلى 20 دولاراً!
■ ■ ■
تفتح شذا باب الفندق، الذي كان بيتاً دمشقياً قديماً، وتقول للجالسين في بهوه: اشتريت الدواء أمس بألفي ليرة، واليوم باعتني إياه بـ2300 ليرة. هذا السعر مرشح للارتفاع أكثر بعد أسبوع، قالت لها الصيدلانية وهي تعطيها العلبة الأخيرة من الدواء. لقد صدر قرار حكومي برفع أسعار الدواء المحلي بنسب تراوح بين 5 و40 في المئة، بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج. وهذا ما دفع أصحاب الصيدليات إلى حجب الأدوية عن المستهلكين في انتظار بدء سريان القرار.
ليس سعر الدواء وحده الذي ارتفع في سوريا. كل شيء تقريباً تضاعف ثمنه. حتى علبة الدخان الأكثر رواجاً (الحمراء) ارتفع سعرها خلال عامين من 30 ليرة إلى مئة ليرة. أما ربطة الخبز التي حافظت على سعرها المدعوم من الدولة (15 ليرة سورية) فيحتاج شراؤها إلى انتظار طويل، ما خلق مورد رزق للبعض. ينتظرون في الطابور ليشتروا الخبز بسعر الدولة ويبيعوه بأسعار مضاعفة. وهذا ما ينسحب أيضاً على مادة المازوت خلال فصل الشتاء الماضي، ففيما كان سعر ليتر المازوت الرسمي 25 ليرة سورية لم يكن المحتاجون إليه يترددون في دفع 100 ليرة مقابل الحصول عليه.
يحصل هذا الارتفاع في الأسعار، ولم يمرّ شهر واحد بعد على سريان قرار زيادة الرواتب للعاملين في القطاع العام، والذي كان يفترض أن يخفف عن كاهل السوريين، رغم معرفتهم بأن الزيادة أُكلت مسبقاً بسبب ارتفاع الأسعار. أمس كان دور المازوت، واليوم الدواء، وغداً قد يطرأ شيء جديد. عناصر الحواجز الأمنية كانوا يبلغون العابرين بضرورة حمل فواتير الماء والكهرباء والهاتف معهم في اليوم التالي تحت طائلة التوقيف؛ إذ لم تتقاض الدولة أي ضريبة منذ عامين.
كلّ هذا وحركة السوق شبه معدومة، كما يقول الباعة في الأسواق الشعبية كالحميدية وباب توما. لا شيء يباع إلا الطعام والشراب. هذا ما لا يمكن التوقف عن استهلاكه. بقية البضائع مكدّسة، ويُقسم أصحابها إنهم لم يرفعوا أسعارها، بل «لا نزال نبيع ع السعر القديم». السعر القديم هو السابق لانهيار سعر صرف الليرة السورية في مقابل الدولار، إذ تجاوز سعر الصرف الـ200 ليرة سورية للدولار الواحد. ووفق حساب لبناني، تصبح قيمة الـ150 ألف ليرة لبنانية 20 ألف ليرة سورية، فيما لم تكن تتجاوز قبل الأزمة 4500 ليرة.
رغم هذا الواقع، تمتلئ مقاهي باب توما بالزبائن، وتغصّ صالونات الحلاقة النسائية بالفتيات، من دون أن تكون هناك أي مناسبة. تتكرّر على مسامعك عبارة اعتدت سماعها كلبناني عاش حرباً أهلية: هذه إرادة الحياة.
تغني الشابة ماريا في المطعم على وقع أنغام صهرها جوزيف. تبتسم للصورة التي نلتقطها لها، ولا تكاد تنهي جملتها: «عودي وقولي لهم في لبنان إنه لا شيء في سوريا»، حتى ينطلق صوت القصف قوياً. نضحك طويلاً، من دون أن تثير الضربة خوفاً لدى أحد. تتابع ماريا أداء أغاني الثمانينيات بصوت حنون... فيما يعد صديقنا السوري نفسه بعودة إلى قراءة رواية «الدون الهادئ» لميخائيل شولوخوف. الرواية التي سردت حكايات الحب والحياة في ظلّ الحرب الأهلية. يسأل في صيغة الإجابة: «لم يكون الحبّ أجمل في زمن الحرب؟».
حكايات الحدود
لا يحتاج الشيخ محمد توفيق البوطي، نجل الشهيد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، إلى أكثر من سؤالين عن ظروف استشهاد والده وولده، حتى تغزو عينيه الدموع ويتهدّج صوته. الرجل الذي التقيناه عند نقطة المصنع، كان في طريقه إلى لبنان للمشاركة في المؤتمر الذي نظّمه علماء بلاد الشّام تحت عنوان «سماحة الإسلام وفتنة التكفير» الأسبوع الفائت. يعيد سرد ما حصل مع والده قبل اغتياله، ويستمع بتأثر إلى شهادات الحاضرين في والده.
حصل اللقاء السريع في ظلّ ازدحام شديد كانت تشهده نقطة المصنع الحدودية، بشكل لا يوحي أن حرباً تدور في سوريا. حركة الدخول والخروج على حالها كلّ يوم، يؤكد مسؤول أمني لبناني. لا يمكن إلا السؤال عمن يكون هؤلاء الداخلون والخارجون يومياً. ثياب غالبيتهم تدلّ على أنهم من الفقراء، ما يعني أن الرحلة مكلفة لهم، فلم يتوافدون بهذا العدد باستمرار؟ سؤال يطرحه كثيرون، من دون إجابة شافية، بل افتراضات بأن تكون المساعدات الدولية هي السبب؛ إذ يأتي بعض السوريين للحصول عليها من لبنان ويعودون بها إلى سوريا. أما فلسطينيو سوريا، الذين وقفوا في صفوف طويلة، فقد خصّصت لهم مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة نقطة عند الحدود لتقديم المساعدات لهم هناك.
الثورة لم تأتِ بعد؟
السياسة حديث يومي لقاطني الشام، لكن الأسئلة التي تدور حولها تتجاوز النقطة التي توقف عندها اللبنانيون. المسألة محسومة في تحديد هوية ما يجري في سوريا. بالتأكيد هو أبعد ما يكون عن «الثورة»، ولم يحتج الأمر من الكثيرين إلى أشهر معدودة قبل أن يتّضح لهم أن ما كانت تقوم به التنسيقيات من عمل سلمي على الأرض بعيد كلّ البعد عن الأعمال الإرهابية التي كان الإعداد لها يجري على قدم وساق. لا يتردّد الصحافي السبعيني في وصف ما يحصل ضد سوريا بـ«المؤامرة. نعم مؤامرة ولا أخجل من قولها. كيف نكون أبناء هذا الشرق ولا تكون الدول الغربية متآمرة علينا؟». يشيد بالدور الروسي الذي «لولاه لأكلنا هوا، مع تقديري الكبير لما قام به الجيش السوري». يدرك الرجل أن للدول الكبرى مطامع «لكن روسيا واضحة وتعلن ما تريده، في حين أن الدول الأخرى الراعية للإرهاب لا تقدّم شيئاً». رأي الشباب غير مختلف. الشاب الذي كان معارضاً دائماً للنظام بات يشعر، أكثر من أي وقت سابق، بالانتماء إلى سوريا. هذه الدولة التي تربي أبناءها تربية وطنية قومية، علّمتهم طويلاً معنى السيادة الوطنية، ومعنى النجمتين في العلم السوري «وكنت أسخر وأتساءل: ما هذا العلم الذي اعتمدناه خلال الوحدة مع مصر، أما اليوم فصرت أعي معنى السيادة، وأقدّس النجمتين الموجودتين في علم وطني». برأيه، الثورة لم تأت بعد «لا يمكن أن يكون من يقصف مضادات الجيش السوري ثائراً ووطنياً، لا بد أن هناك من يقف وراءه».
حتى حين يحتدم النقاش بين موالٍ للنظام، ومتحفظ عن أدائه في ما يتعلّق بالعلاقة السابقة التي أقامها مع الإسلاميين، ينتهي الحوار باتفاق على التوحّد خلف الجيش، على أن يكون النقاش اللاحق نقدياً وقاسياً تكسر فيه المحرّمات والمقدّسات.
مهى زراقط
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد