حزب الله: ما قبل 12 تموز ليس كما بعده
بدأ حزب الله بمناقشة خطواته السياسية الداخلية، وليس في الأفق ما يمنع عليه أي موقف من أي ملف، بخلاف ما كان عليه الوضع قبل العدوان الإسرائيلي الأخير، وقاعدته المثلى هي أن ما كان قبل 12 تموز ليس كما بعده. وهو في هذا المجال يجد نفسه أمام مهمات أكبر تتصل بالدور المطلوب منه داخلياً وخارجياً، وبالدور المفترض أن يقوم به على هذا الصعيد. ومع أن كثيرين يخشون عدم القدرة على استثمار الانتصار الأخير داخلياً كما حصل في العام 2000، فإن مناخ الحزب الداخلي، كما مناخ جمهوره، يضغط في اتجاه آخر، وهو أن “تحييد” قوى داخلية كثيرة ومهادنتها حفظاً لجبهة المقاومة الخلفية، لم ينفع خلال الحرب، بل ظهر أن في هذه الجبهة من لديه مصلحة ودور أكبر من العدوان نفسه. ثم إن التسويات السياسية التي رافقت خروج الجيش السوري من لبنان لم تنتج استقراراً سياسياً بقدر ما أنتجت زواجاً مصلحياً سرعان ما انفرط عقده بين الجميع، الأمر الذي يلزم الحزب بنظرة جديدة وبأسلوب جديد في التعامل مع كل هؤلاء.
في الجانب المتصل بالمقاومة، ليس لدى الحزب ما يضيفه على موقفه وخطواته العملية بأن المقاومة باقية ما استمرت مبرراتها، وهي من دون مواربة تتصل أولاً بتحرير ما بقي من أرض في شبعا وفي أي مكان خارج شبعا، ومنع العدو من أسر أو خطف أي لبناني داخل لبنان أو خارجه، وتوفير الحماية الكاملة بوجه أي اعتداء أو عدوان وتوفير شبكة الأمان حتى للمقاومين أنفسهم، وسط احتمالات لجوء العدو، بمساعدة من قوى داخلية، بينها من هو في السلطة، إلى القيام بعمليات اغتيال أو تفجيرات إرهابية على غرار العمليات التي تؤدي عادة إلى فتنة داخلية. ويبدو أن أحد أقطاب فريق الأكثرية من الذين يكثرون هذه الأيام من التحذيرات من احتمال حصول أعمال إرهابية ليس بعيداً عن المصالح السياسية التي يرغب في أن تؤديها أي مواجهة داخلية أو خارجية مع المقاومة.
وعلى هذا الأساس فإن قرار تعزيز المقاومة تسليحاً وتدريباً متخذ، وهو قيد التنفيذ، وقد نجحت المقاومة خلال الفترة التي مرّت على انتهاء العدوان في إعادة ترميم كل البنية العسكرية والأمنية للمقاومة، وأعادت تنظيم قواتها وترسانتها العسكرية من دون أي خلل أو تهاون، وإن كميات كبيرة من السلاح المطلوب قد جهزت حيث يجب، وإن الجهوزية القتالية أو الصاروخية على طول الجبهة في الجنوب قد اتخذت وهي في طور الاستكمال، بما في ذلك التدابير الجديدة التي تأخذ في الاعتبار تعهد الحزب لقيادة الجيش اللبناني أنه سيتصرف على طول الجبهة وفي كل مناطق جنوبي نهر الليطاني بما يتناسب والخطة المشتركة التي وضعت إثر قرار إرسال الجيش إلى الجنوب. أما في ما خص القوات الدولية، فإن المقاومة لا علاقة لها بها، وهي غير معنية بالتشاور معها، وإن كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد اهتم شخصياً بالحصول على ضمانات شخصية من الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، علماً بأن مشكلة القوة الدولية ليست مع حزب الله، بل مع الآخرين من الذين سيستغلون ابتعاد حزب الله عن الحدود للقيام بما كانوا يحسبون أن الحزب يمنعهم من القيام به، فضلاً عن أن مشكلة القوات الدولية ستكون متنوعة، ولن تقتصر على المخاوف الأمنية والعسكرية، علماً بأن هناك تقديرات تظهر قدراً عالياً من السذاجة، كما فعلت وزيرة الدفاع الفرنسية التي أرادت رفع معنويات جنودها (ومنهم من بات يتصرف على أساس أن الجيش الفرنسي أصبح في خدمته) بالإشارة إلى نوع الدبابات التي تتوافر لدى الجنود الفرنسيين، حيث يبدو أن الخبراء في مكتبها لم يقدموا لها تقريراً عن حصيلة المواجهات بين المقاومين وفرق الدبابات التي نشرتها إسرائيل في الجنوب والتي هي من النوع الأكثر تقدماً في العالم).
أما في الجانب السياسي، فإن الأمر يتصل بالموقف من الحكومة قبل أي شيء آخر. وإذا كان النقاش التمهيدي قد بدأ في الأوساط القيادية حول أفضلية الخروج من الحكومة أو البقاء فيها مع تصعيد في المواجهة داخلها، فإن الأكيد هو أن الحزب “لم يعد قادراً على تحمّل عمليات الغدر” على ما يقول مصدر بارز فيه، والذي يربط المسألة بأمور كثيرة أبرزها أن للحزب “تحالفاته التي تحتاج إلى تدعيم وتوثيق في الفترة المقبلة، وهذا يتطلب موقفاً مغايراً من السياسات المتبعة في الحكومة”.
الأمر الآخر هو المتعلق بمرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي، إذ إن الحزب يتصرف على أساس أن الرئيس فؤاد السنيورة يمضي قدماً في سياسة تهدف إلى نزع سلاح المقاومة، وليس أي شيء آخر. وكشفت مداولات جرت مع موفدين دوليين ومع مسؤولين التقوا قادة لبنانيين كثراً خلال الفترة الأخيرة أن السنيورة لا يريد بأي شكل من الأشكال إطلاق موقف رسمي يقول إن سلاح المقاومة باق بصورة شرعية، وهو قاتل لتجنب هذا الكلام في كل مواقف وقرارات مجلس الوزراء.
ومع أن السنيورة تعوَّد على نفي هذا الخبر أو تلك المعلومة المنسوبة إليه من مصادر أجنبية، إلا أن الحزب يتعامل مع هذه التوضيحات على أنها محاولة لتلطيف الكلام من قبل الأخير وبقصد عدم تحميـل تيار “المستقبل” عبء هذه المواقف على التيار الذي يمثله والذي يعتقد أن الوقت ليس مناسباً لهذا الكلام. وبالتالي فإن هذا العنوان وحده “كفيل بجعلنا نفكر ملياً في كيفية متابعة المسيرة في حكومة يناقض رئيسها بيانها الوزاري صبح مساء”، كما يضيف المصدر نفســـه.
أما الأمر الأهم فهو المتعلق بملف رئاسة الجمهورية. ومع أن الحزب حاسم في تأييده بقاء الرئيس إميل لحود في منصبه حتى نهاية ولايته الدستورية، ولا يرى أي موجب لحصول أي تغيير، إلا أنه يناقش الأمر من زاوية استراتيجية الموقف من هذا العنوان الدستوري. وهو يعرف أن مجيء رئيس له تمثيله المسيحي القوي من شأنه “رفع مستوى المشاركة المسيحية في الحكم بصورة مختلفة عن النمط التبعي القائم حالياً من قبل مسيحيي السلطة على اختلاف أذواقهم”، وهو ما يعني أن هناك حاجة للنظر بطريقة مختلفة إزاء ترشيح الشخص الأقرب إلى عقل الحزب وهو العماد ميشال عون، وهو عنوان سيكون محل نقاش على المستوى الرسمي في الحزب بعدما صار عون الشخصية المسيحية الأكثر شعبية عند جمهور الحزب ومناصريه”.
ابراهيم الأمين
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد