حريق حلب مستمر.. ومحيط دمشق يشتعل

29-04-2016

حريق حلب مستمر.. ومحيط دمشق يشتعل

ليس من قبيل المصادفة أن تشتعل الغوطة الشرقية بريف دمشق، بالتزامن مع استمرار الحرائق في حلب عاصمة البلاد الاقتصادية. فالمستفيد من كل ذلك واحد هو «جبهة النصرة»، فرع «القاعدة» في الشام.
لم تعد «النصرة» تتحرك بتأثير العوامل السورية الداخلية فحسب، بل هناك عوامل خارجية فرضت نفسها بقوة على التنظيم المصنف على قائمة الإرهاب الدولية، واقتضت منه أن يرفع التصعيد إلى أقصى درجاته الممكنة، حفاظاً على نفسه، ودرءاً له من غدر الحلفاء، قبل الأعداء.شاب يقف وسط شارع تعرض لغارة جوية في حي الكلاسة في حلب أمس (ا ف ب)
وكانت «الهدنة» تمثل تهديداً كبيراً لأنشطة ومصالح «جبهة النصرة»، لأنها في نهاية الأمر كانت ستؤدي إلى عزلها (وأكدت تصريحات روسية مسألة العزل بالاتفاق مع أميركا)، وقد خرج زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني بنفسه مهدداً بإفشال الهدنة في مؤتمر صحافي علني تضافرت على عقده فضائيات عربية عديدة.
لكن المستجد الأخطر الذي طرأ وجعل «جبهة النصرة» تسرّع من خطواتها التصعيدية في سوريا، هو ما جرى في اليمن من انقلاب حلفاء الأمس على «فرع القاعدة في الجزيرة العربية» وطردهم له من بعض المدن التي كان يسيطر عليها، وأهمها مدينة المكلا في حضرموت، وذلك بعد عام كامل كان خلاله مقاتلو «الفرع» من أهم تكوينات التحالف السعودي غير المعلن عنها لقتال الحوثيين وحلفائهم.
وثمة تصريحات من بعض قادة «قاعدة الجزيرة» بأن عناصرهم كانوا في بعض المعارك يشكلون نسبة 98 في المئة من مجموع المقاتلين على الجبهات ضد الحوثيين. لذلك فإن مشهد دحر «القاعدة» من المكلا، ورغم أنه اتخذ شكل الانسحاب الطوعي، إلا أنه ترك جرحاً عميقاً في نفوس قادة التنظيم، وأكد لهم بما لا يدع مجالاً للشك أن الانقلاب السعودي عليهم لن يتوقف عند حدود اليمن، بل سيمتد إلى ساحات أخرى، أهمها سوريا. وكان مقتل عدد من كبار قادة «جبهة النصرة»، بينهم أبو فراس وأبو همام السوريان، بغارة جوية في ريف إدلب، الشهر الماضي، بمثابة جرس الإنذار بقرب حدوث الانقلاب عليها.
تضافرُ هذين العاملين دفع «جبهة النصرة»، بعد التشاور مع قيادتها العامة في خراسان، إلى تفعيل الإستراتيجية التي كانت قد أعدتها مسبقاً للتعامل مع موضوع الهدنة والعملية السياسية. فكانت سلسلة الهجمات على تل العيس بريف حلب الجنوبي، ثم على خان طومان والزربة في الجنوب الغربي، وبعدها محاولة فاشلة لاختراق المدينة من محور الراشدين، لكنها سرعان ما نجحت في إشعال الحرائق في حلب، واضعة أحياء المدينة تحت رحمة القذائف والصواريخ على مدى أسبوع كامل، لحد الآن.
وكانت سياسة «إغراق المدينة بدم أبنائها» ناجعة بالنسبة لها، فمن جهة جعلت الهدنة بحكم المنتهية في واحدة من أهم المدن السورية وأكثرها تأثيراً على مجرى الأحداث، لا سيما بعد اصطفاف العديد من الفصائل المسلحة إلى جانبها في أعقاب تعثر محادثات جنيف، ومن جهة ثانية، وكالعادة، كانت الإدانات الصادرة عن بعض الدول تتجنب الإشارة إلى دورها في إحراق حلب وتركّز أكثر على دور الجيش السوري.
وأكد مصدر حكومي سوري، لوكالة «فرانس برس»، أن «الجيش يستعد لمعركة ضخمة خلال الأيام المقبلة لطرد المقاتلين من مدينة حلب عبر محاصرتها وإنشاء منطقة آمنة».
وأوقع التصعيد العسكري المتواصل خلال أسبوع حوالى 200 قتيل بين المدنيين في مدينة حلب. وقتل 53 مدنياً على الأقل، بينهم خمسة أطفال، في تبادل القصف أمس. وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن: «قتل 31 مدنيا على الأقل، بينهم ثلاثة أطفال، وأصيب العشرات في غارات جوية» استهدفت أحياء في الجزء الشرقي، كما قتل «22 مدنيا، بينهم طفلان، وأصيب العشرات بجروح جراء قصف الفصائل المسلحة بالقذائف لأحياء» واقعة في الجهة الغربية.
وكان قتل 30 مدنياً، بينهم طبيبان، جراء استهداف طائرات حربية لمستشفى القدس الميداني ومبنى سكني في حي السكري في الجهة الشرقية. ونفت دمشق وموسكو قيام طيرانهما بشن الغارة. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف إن «لدى الوزارة معطيات تفيد بأن يوم الـ27 من نيسان ظهرت في سماء حلب، للمرة الأولى، بعد فاصل زمني طويل طائرة تابعة لإحدى دول التحالف الدولي ضد تنظيم داعش». واعربت واشنطن عن «غضبها الشديد بعد قصف النظام السوري لمستشفى في حلب»، داعية روسيا الى احتواء النظام السوري. وذكر وزير الخارجية الاميركي جون كيري بان «هذا الاسلوب الذي ينتهجه النظام بتعمد استهداف المستشفيات والطواقم الطبية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة سبق ان اسفر عن مئات القتلى».
وبعد اطمئنانها إلى أن حلب قد دخلت في النفق المظلم، اتجهت «النصرة» نحو الغوطة الشرقية، ليس لأن الأخيرة تقع في محيط دمشق، ما يعطيها أهمية استثنائية فحسب، بل لأنها استشعرت أن «جيش الإسلام»، الذي لا يعمل إلا بوحي من الاستخبارات السعودية، كان يتحين الفرص ليوجه إليها صفعة قد لا تقل إيلاماً عن صفعة المكلا، فقررت أن تكون الغوطة أرض الانتقام لما أصاب «أخوتها» في اليمن من غدر سعودي، ولكن الأهم أن تمنع دحرها من محيط العاصمة بأي ثمن، لأن من لا يملك موطئ قدم في محيط دمشق لن يكون له أي دور في اللعبة الكبرى التي يديرها لاعبون كبار.
ولا ينبغي نسيان أن الجولاني، في خضم تقدمه في سهل الغاب باتجاه الساحل السوري، شدد على أن «معركة دمشق» هي الأهم، وذلك في مقابلة مع قناة «الجزيرة»، وهو ما يؤكد أنه ليس بوارد التخلي عن وجوده في محيط العاصمة، وبالتالي خسارة أي إمكانية للعب دور ما في جبهات القتال حولها عندما يحين الوقت أو تسمح الظروف.
انطلاقاً من ذلك، يغدو من السذاجة الاعتقاد أن تحرك الجولاني مع حلفائه في الغوطة الشرقية ضد «جيش الإسلام» جاء من أجل إحقاق الحق، أو لتنفيذ الحكم العادل بحق مرتكبي بعض عمليات الاغتيال. وكما أن وحدة الفاعل في كل من حلب والغوطة تكشف جانباً من حقيقة ما يحدث، فإن التزامن بين إشعال نارين بهذا الحجم يؤكد أن الفاعل («جبهة النصرة») يرى أن مصلحته لا تتحقق إلا بتعميق الفوضى من جهة، وبتوسيع نفوذه من جهة ثانية، لذلك كان هذا التصعيد غير المسبوق من قبلها في حاضرتَي البلاد، وضد خصمين مختلفين. واختلاف الخصوم هنا، وعدم وجود الجيش السوري و «مجازره» في أحداث الغوطة الأخيرة، يؤكدان حقيقة وقوف «النصرة» وراء هذا التصعيد في كلا المكانين.
وكانت «جبهة النصرة»، في إطار «جيش الفسطاط» الذي تشكل في آذار الماضي من اجتماعها مع كل من «فجر الأمة» ومجموعات من «أحرار الشام»، شنت، صباح أمس، بالتحالف مع «فيلق الرحمن» عملية عسكرية واسعة ضد معاقل «جيش الإسلام» في عدد من بلدات الغوطة الشرقية، شملت كفربطنا وزملكا وجسرين وعربين وحمورية، بذريعة تنفيذ مذكرات اعتقال صدرت بحق بعض قادة «جيش الإسلام» الأمنيين، بتهمة مشاركتهم في بعض عمليات الاغتيال التي طالت عدداً من «رموز» الغوطة، كان آخرها محاولة اغتيال «القاضي» خالد طفور.
وقد نفت «أحرار الشام»، عبر القيادي خالد أبو أنس، أن تكون مشارِكةً في القتال ضد «جيش الإسلام» في الغوطة. وأفادت المعلومات الواردة من مناطق الاشتباكات أن «جيش الإسلام» انسحب من غالبية البلدات التي شملتها الاشتباكات. وأكدت مصادر إعلامية أن هذه المناطق شهدت العديد من أعمال العنف والفوضى ومحاصرة منازل بعض القيادات، مثل سعيد درويش وقائد «المجلس العسكري» في دمشق، واعتقال نشطاء وإعلاميين، وسلب مستودعات بعض الجمعيات الخيرية، مثل «تكافل وساند».
وفيما لا تزال الاشتباكات مستمرة، تتحدث أوساط «جيش الإسلام» عن استعداد الأخير لشن هجوم معاكس، لن يتوقف قبل سحق «النصرة» وحلفائها، كما سحق «جيش الأمة» من قبل، في إشارة إلى «الجيش» الذي كان يقوده أبو علي خبية، وقام «جيش الإسلام» بإبادته أوائل العام الماضي.
من جهة أخرى، أدّى كمين نفذته «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى مقتل العشرات من عناصر الفصائل المسلحة التي شاركت في الهجوم على محيط مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي. وأكدت «الوحدات»، في بيان، أن «أكثر من 500 مرتزق هاجموا نقاط تمركز وحداتنا التي تصدت لهم، وقتلت أكثر من 83 مرتزقاً، منهم 66 جثة بأيدي قواتنا، علاوة على جرح المئات منهم والذين تم نقلهم إلى المستشفيات التركية لتلقي العلاج». لكن قيام «الوحدات» باستعراض الجثث في شوارع عفرين لاقى استياءً كبيراً من بعض النشطاء والحقوقيين، الذين رأوا في المشهد إساءة لمشاعر الناظرين وانتهاكاً لحرمة الميت أياً كان.

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...