ثلاث نظريات حول مصداقية حرب واشنطن ضد القاعدة
الجمل: تتحدث حالياً الكثير من التقارير والتسريبات والتحليلات السياسية عن اتساع نطاق الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيم القاعدة، ومدى عمق ملفات هذا الصراع: فما هي مصداقية صراع القاعدة-واشنطن؟ وهل ما يدور بين القاعدة وأمريكا هو حرب حقيقية أم حرب الظل؟
* حرب أمريكا-القاعدة: أبرز التساؤلات الحرجة
تشير العديد من البحوث والدراسات إلى أن معظم الخبراء أصبحوا أكثر التباساً وتشككاً في الخلفيات المتعلقة بمدى مصداقية حرب القاعدة-أمريكا، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى وجهات النظر الآتية:
• الرأي الأول: تدور الحرب بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ حقيقي بين خصمين يسعى كل واحد منهما إلى القضاء على الآخر واستئصاله، وحالياً يوجد عدد قليل من الذين يتمسكون بهذا الرأي.
• الرأي الثاني: تدور الحرب بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ وإن كان من الناحية الظاهرية حقيقي، فإنه من الناحية الأخرى غير الظاهرة هو غير حقيقي، وذلك لأن كل طرفٍ يسعى لإطالة أمد الصراع بما يتيح له البقاء وتوطيد النفوذ.
• الرأي الثالث: تدور الحرب بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة وفقاً لمعطيات نظرية المؤامرة، فأمريكا هي التي صنعت تنظيم القاعدة وحالياً تقوم بتوجيه وإدارة تنظيم القاعدة بحيث يبدو الأمر وكأنما القاعدة تستهدف واشنطن، بما يتيح لواشنطن بالمقابل توفير المبررات والذرائع التي تعزز قدرة أمريكا لجهة ابتزاز النظام الدولي الحالي.
هذا، ونلاحظ أن أغلبية وجهات النظر تجمع بين الرأيين الثاني والثالث، وذلك على أساس اعتبارات أن زعماء القاعدة الحاليين كانوا بالأساس حلفاء واشنطن خلال فترة الحرب الأفغانية ضد القوات السوفيتية ثم بعد خروج القوات السوفييتية وانهيار الاتحاد السوفييتي، ظهرت مرحلةٌ غامضة، وذلك لأن العلاقات الظاهرية بين زعماء القاعدة وأمريكا لم تعد موجودة، ولكن ما أصبح موجوداً هو العلاقات بين زعماء تنظيم القاعدة ورموز جهاز المخبرات الباكستانية المرتبطين بشكلٍ واضح بالأجهزة الأمريكية، الأمر الذي خلق شكوكاً تقول بأن جهاز المخابرات الباكستانية هو جهاز "الريموت كونترول" الذي تستخدمه واشنطن في إدارة وتوجيه تنظيم القاعدة وغيره من الفعاليات الأصولية الإسلامية المسلحة الناشطة في المسرح الباكستاني والأفغاني والكشميري والهندي.
* مسرح المواجهة المتجددة: إلى أين يمضي صراع واشنطن-تنظيم القاعدة؟
بدأت القاعدة نشاطها في المسرح الأفغاني، ثم سعت إلى تنفيذ المزيد من العمليات المسلحة العابرة للحدود: تفجيرات نيروبي دار السلام التي استهدفت السفارات الأمريكية، ثم هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 ضد أبراج التجارة العالمية في نيويورك إضافةً إلى العديد من العمليات الأخرى الصغيرة.
أدت هجمات تنظيم القاعدة إلى تقديم المبررات والذرائع لجهة قيام أمريكا بغزو واحتلال أفغانستان بما عزز طموحات أمريكا لجهة القيام بغزو واحتلال العراق الذي جعلت منه ضغوط العقوبات الطويلة جسداً منهكاً غير قادر على المقاومة وصد الاحتلال العسكري الأمريكي والذي حدث بالفعل في نيسان (أبريل) 2003.
سعى تنظيم القاعدة إلى المقاومة المسلحة في المسرح الأفغاني والمسرح العراقي إضافةً إلى المسرح الباكستاني ثم العمل باتجاه تنفيذ العمليات العسكرية في منطقة المغرب العربي إضافةً إلى الصومال والسعودية واليمن، وما هو جدير بالملاحظة يتمثل في أن اتساع نطاق نشاط تنظيم القاعدة قد أدى بدوره إلى ظهور ما يمكن أن نطلق عليه تسمية «عائلة القاعدة» والمكونة من تنظيمات القاعدة الفرعية التي ظهرت للوجود حاملةً تسميات: القاعدة في بلاد الرافدين- القاعدة في المغرب العربي- القاعدة في الجزيرة العربية، وتقول التسريبات بوجود تنظيم للقاعدة في تركيا والقرن الأفريقي (بلاد الحبشة)، وفي نيجيريا ظهر تنظيم أصولي إسلامي مسلح يحمل اسم «بوكو حرام» أي «العلمانية حرام» والذي تقول التسريبات بأنه فرع القاعدة في نيجيريا.
* المسرح العراقي خيار القاعدة المحتمل
تحدثت بعض التحليلات قائلةً بأن رصد التطورات الجارية على مستوى الوضع الكلي للصراع بين أمريكا وتنظيم القاعدة يشير إلى الآتي:
- سعي واشنطن إلى إخراج تنظيم القاعدة من أفغانستان وباكستان والذي بدأ منذ بضعة سنوات، وفي هذا الخصوص فقد فشلت محاولة توطين تنظيم القاعدة في الساحة اللبنانية ولكنها نجحت في الساحة اليمنية.
- سعي واشنطن إلى إخراج تنظيم القاعدة من اليمن بعد فترة ودفعه للتحرك باتجاه المسرح العراقي وربما الصومالي.
تقول بعض التسريبات الأمريكية بأن أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين المعنيين بشؤون مكافحة التمرد المسلح، قد تحدث قائلاً بأن حرب أمريكا ضد تنظيم القاعدة وبقية الحركات الأصولية الإسلامية المسلحة هي أشبه بمحاولات السعي من أجل السيطرة على حركة «قطيع من القطط» بحيث إذا أراد المرء أن يدفع القطط باتجاه مكان محدد فما عليه إلا أن يضع بعض الطعام في ذلك المكان يقوم بإغلاق المنافذ الأخرى، ثم يتحرش بالقطط، وبعد أن تنتقل إلى المكان المحدد فبإمكانه بنفس الطريقة نقلها إلى مكانٍ آخر، وفي هذا الخصوص هناك شكوك تفيد لجهة أن الأجهزة الأمريكية قد سعت خلال الثلاثة أعوام الماضية إلى تسهيل خروج عناصر القاعدة من أفغانستان وباكستان باتجاه اليمن وأيضاً من السعودية باتجاه اليمن، والآن تشدد واشنطن ضغوطها على رموز القاعدة في اليمن، فهل المطلوب تحريكها باتجاه المسرح العراقي أم الصومالي أم مسرحٍ آخر، وكما يقول المثل الإنكليزي "دعنا ننتظر ونرى!".
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد