تقدم «داعش» واستثناء «النصرة» قد يفشلان الهدنة
بينما تتجه الأنظار نحو المواقف التي ستصدر عن الفصائل الكبرى، مثل «أحرار الشام» و «جيش الإسلام»، بخصوص مشروع الهدنة في سوريا، نظراً لثقل هذه الفصائل وتأثيرها على الأرض، سارعت بعض القيادات في فصائل أخرى إلى إعلان رفضها للهدنة بسبب استثناء «جبهة النصرة» منها. فيما أصبح شبه مؤكد أن تعقيدات المشهد الميداني، خصوصاً بعد تمكن «داعش» من قطع شريان حلب، سيدفع العديد من الفصائل إلى اتخاذ مواقف سلبية من الهدنة.
وكانت «هيئة التفاوض العليا» قد أعلنت، مساء أمس الأول، عن «التجاوب مع الجهود الدولية، للتوصل إلى اتفاق هدنة وفق وساطة دولية بموجب ضمانات أممية»، مشددة على أن «الالتزام بالهدنة سيكون مرهوناً بتحقيق التعهدات الأممية، والتزامات مجموعة العمل الدولية الخاصة بفك الحصار عن بعض المدن، وإطلاق المعتقلين وإيصال المساعدات الإنسانية».
وأكدت الهيئة، في البيان الصادر عنها، أن الموقف الذي اتخذته جاء بعد مباحثات أجراها منسقها رياض حجاب مع «فصائل المعارضة في كل الجبهات»، لكن سرعان ما تبين أن حجاب كان يغرد خارج سرب غالبية الفصائل المعنية بالهدنة، التي لم يُخف بعضها أنها تفاجأت بإعلان الهدنة، وعدم امتلاكها أي معلومات حولها. وقال أحمد السعود، قائد «الفرقة 13» المدعومة أميركياً في حديث متلفز، مساء أمس، إنه «فوجئ بإعلان الهدنة، وينتظر تزويده بالمعلومات عنها»، لكنه أكد أنه من حيث المبدأ مع «مبدأ الهدنة بشرط تحقيق الشروط الإنسانية».
ولكن هذا لم يكن موقف محمد الخطيب، قائد «ألوية الفرقان» الناشطة في ريف دمشق والقنيطرة، الذي لم يتردد في إعلان رفضه للهدنة. وقال «لن نقبل بأي هدنة تستثني جبهة النصرة»، مشدداً على أن «معاركنا مفتوحة لن تتوقف، حتى نصل مع إخواننا في الهيئة التفاوضية إلى حلول تضمن حقوق هذه الثورة». وبالرغم من تأكيده «استمرار دعمه لهيئة التفاوض شريطة تحقيقها طموحات شعبنا»، استدرك قائلاً إن «جبهة النصرة تنتشر في بقاع شتى من الأراضي المحررة في سوريا، فاستثناؤها من وقف إطلاق النار لا ينم إلا عن خبث ومكر دبّر بليل». وحذر الخطيب من أن «هدنة بهذا الشكل تدفع جبهة النصرة للالتحاق بتنظيم داعش». وطالب «جبهة النصرة بإعادة النظر في موضوع فك الارتباط مع القاعدة لترحم أهل الشام».
وبالرغم من عدم صدور موقف رسمي عن «أحرار الشام» حول الهدنة، فقد سارع أبو البراء معرشمارين، عضو «مجلس الشورى» وممثلها في قيادة «جيش الفتح»، إلى إعلان رفضه الهدنة، مؤكداً أنه «لا هدنة من دون جبهة النصرة، لأنها من الفصائل الصادقة والفاعلة على الأرض». واعتبر أن هذه الهدنة «ما هي إلا أول خطوة لتصفية الفصائل الصادقة الواحد تلو الآخر»، وفي هذا إشارة واضحة إلى تخوفه من أن تكون «أحرار الشام» هي المستهدفة بعد ذلك.
أما القيادي الملقب بـ «أبو حمزة أحرار الشام» فقد كان أكثر تشدداً من سابقه، إذ لم يكتف برفض الهدنة «لأن جبهة النصرة منا ونحن منها»، بل وضع طرح مشروع الهدنة في سياق مختلف تماماً، معتبراً أن «راعي الهدنة (روسيا وأميركا) من اليهود والنصارى» وبالتالي «لن يرضوا حتى تتبع ملّتهم»، في تحريض واضح على رفض الهدنة لمجرد صدورها ممن يعتبرهم «كفاراً».
ولكن في ظل الانقسام داخل «أحرار الشام» بين جناحها العسكري ذي القيادات المتشددة وجناحها السياسي الأكثر مرونة، من غير المستبعد أن يأتي الموقف الرسمي للحركة مخالفاً لتخوفات أبي البراء، ومنسجماً أكثر مع توجهات بعض الدول الإقليمية، التي أعلنت عن ترحيبها بالهدنة، وعلى رأس هذه الدول تركيا، صاحبة النفوذ القوي على قيادة الحركة. كذلك الأمر بالنسبة إلى «جيش الإسلام» المدعوم سعودياً، إذ من المتوقع ألا تخاطر الرياض بوضع فصيلها المفضل على قائمة الاستهداف الدولية.
غير أن المستجدات التي طرأت على الميدان السوري مؤخراً قد تفرض نفسها بقوة على الهدنة ومصيرها، خصوصاً بعد سيطرة تنظيم «داعش» على بلدة خناصر الإستراتيجية بريف حلب الجنوبي ونجاحه في قطع خط الإمداد الوحيد للجيش السوري باتجاه محافظة حلب. لأن من شأن هذا التطور الخطير الذي يعكس مبدئياً مفاعيل تقدم الجيش السوري في ريف حلب الشمالي ويقلب معادلة الحصار، أن يدفع العديد من الفصائل المسلحة إلى استثمار إنجاز «داعش» والعمل على إحداث تغييرات في خريطة السيطرة، لا سيما في محاذاة الحدود التركية. وهنا ستجد الفصائل نفسها في سباق مع الوقت، قبل أن تنتهي مهلة الرد على الهدنة منتصف ليل الجمعة السبت، فإذا تمكنت من إحداث تغيير لمصلحتها قبل ذلك، فقد تسارع إلى قبول الهدنة للمحافظة على مكاسبها من خلال فرض الأمر الواقع، أما إذا فشلت، وتمكن الجيش السوري من استعادة خناصر قبل ذلك، فقد يدفعها ذلك إلى التصلب أكثر وبالتالي رفض الهدنة أو العمل حثيثاً على إفشالها.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد