تحديات الاقتصاد السوري تتطلب (محمية) للطبقة الوسطى
تواجه سورية، كغيرها من الدول النامية، مجموعة من التحديات الاقتصادية التي يمكن ان تؤثر في الاستقرار الامني والاجتماعي والسياسي. غير ان بعض هذه التحديات ربما يكون اكثر صعوبة اذا لم يعالج بطريقة شمولية وجوهرية.
هناك تحدٍ تقليدي له علاقة بالاعباء العسكرية الكبيرة التي يفرضها التهديد الاستراتيجي القادم من وجود اسرائيل، ما ادى الى ارتفاع حصة الانفاق العسكري من الموازنة العامة للدولة البالغة نحو 12 بليون دولار اميركي. وهناك تحديات استراتيجية، تتعلق بالتهديد القادم من وجود 158 الف جندي اميركي في العراق وتحول هذه القوات الى «قوات محتلة» تلهم مع اسباب اخرى، عدداً من الاسلاميين المعتدلين ليكونوا اكثر تشددا، والمتشددين كي يكونوا تكفيريين، والتكفيريين كي يكونوا مجاهدين، والمجاهدين كي يكونوا انتحاريين، وهؤلاء الآخيرين كي يكونوا ارهابيين.
لقد جرى في عملية الاصلاح القائمة منذ بضع سنوات، استبعاد الجانب السياسي عنها مع اعطاء اولوية لـ «الاستقرار الامني» في الخطاب الرسمي السوري، وبقي تركيز الجهد الرسمي فيها قائماً على الاصلاح الاقتصادي.
لكن المؤشرات تفيد بأن هذه العملية الاصلاحية في المجال الاقتصادي، تجد في طريقها تحديات جديدة لا تزداد تعقيداً عن التحديات السابقة خلال مرحلة التحول من اقتصاد مركزي التخطيط الى «اقتصاد السوق الاجتماعي» التي لا تزال في بداياتها اذا نظرنا اليها بمنظور تاريخي.
يسجل ان السنوات الاخيرة شهدت بعض المؤشرات الايجابية مثل ارتفاع معدل النمو في الناتج المحلي من 2.6 في المئة عام 2003 عندما بلغ عشرين بليون دولار اميركي الى 5.6 عام 2006 بعدما كان بلغ 8 في المئة في منتصف التسعينات.
لكن التحدي هو ان تستطيع الحكومة تحقيق نمو بنسبة 7 في المئة لمواجهة الكثافة السكانية التي لم يساهم انخفاضها من 3.3 في المئة عام 1990 الى 2.4 عام 2003، سوى في بقائها مرتفعة. لكن المشكلة الاهم، هي ان الذين ولدوا في «طفرة الزيادة السكانية» دخلوا الآن الى سوق العمل، حيث تقدر الاحصاءات الرسمية عدد القوة العاملة الجديدة بنحو 220 الف شخض.
وفي هذا السياق، يطرح تحد آخر له علاقة بتدني المستوى التعليمي للقوة العاملة التي تشكل 33 في المئة من السكان، حيث ان 26 في المئة من القوة العاملة هي في القطاع العام، بينما يستوعب القطاع الخاص المنظم وغير المنظم 74 في المئة.
غير ان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري يرى الامر من زاوية مختلفة. اذ يقول لـ «الحياة» ان «البطالة تحد كبير» لكنها انخفضت من 12.5 الى 8.1 في المئة من اجمالي قوة العمل بين 2004 و2007 وان كان يشير الى ان المقلق هو ان البطالة في الفئة العمرية بين 16 و24 ما زالت عالية، وهي فوق 18.4 في المئة.
هناك معلومات تفيد بأن نسبة البطالة تصل الى نحو 20 في المئة. ويمكن النظر بمزيد من القلق الى المشكلة اذا علمنا ان الذين يشتغلون اقل من 30 ساعة اسبوعياً من اصل اجمالي قوة العمل البالغة 4.879 مليون.
يضاف الى ذلك، تحدٍ له علاقة بمستويات الفقر. حيث ان تقريراً اعده البرنامج الانمائي للامم المتحدة بالتعاون مع الحكومة السورية اظهر ان نحو 11 في المئة من السوريين يعيشون تحت مستويات «خط الفقر» بالمعايير الدولية وان النسبة تصل في بعض المناطق الى 60 في المئة.
غير ان الدردري لا يوافق على هذا التقويم. ويقول ان «مشكلة الفقر ليست ظاهرة شديدة او عميقة بالمقارنات الدولية»، مشيراً الى ان من يعيش من السوريين بأقل من دولار اميركي في اليوم لا تتجاوز نسبتهم 0.6 في المئة من السكان وان عدد الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم هم اقل من 10 في المئة من عدد السكان. وهو لا يتفق مع القول ان الطبقة الوسطى تتآكل، بدليل ارتفاع سلة السلع المستهلكة من 250 الى 750 سلعة. ويقول: «صحيح ان الطبقة الوسطى العاملة في الدولة ثبتت عند نسبة 28 في المئة من إجمالي قوة العمل، ولكن نسبة من يعملون لحسابهم ترتفع ارتفاعاً شديداً. فارتفعت نسبتها بنحو 10 في المئة بين عام 2006 و2007، اي من 26 الى 29 في المئة». والأهم، هو عودة «روح المبادرة» الى هذه الشريحة بالاقدام على تأسيس مشاريع صغيرة لها، اذ زاد دخل المنشآت صغيرة الحجم من 217 الى 382 بليون ليرة بين 2004 و2006.
لكن عملياً، يبدو ان الحكومة مدركة لهذه المخاطر الاجتماعية بحيث ان ترددت كثيراً في السير سريعاً في سياستها لرفع الدعم عن المشتقات النفطية التي تكلف الدولة نحو سبعة بلايين دولار اميركي، وهي تسير حالياً باتجاه اقامة حزمة من القرارات لتحقيق «الامن الاجتماعي».
وفي هذا السياق، انشئ «صندوق المعونة الاجتماعية» برأسمال لا يقل عن ستة بلايين ليرة في السنة، وهناك «البرنامج الوطني لمكافحة الفقر وتمكين المرأة» الذي بدأ برأسمال قدره 500 مليون ليرة وارتفع الى بليون سنوياً ويركز الى تمكين النساء في الريف عبر الاقراض الصغيرة وتحسين البنية التحتية في القرى.
كما يجري الآ اصلاح منظومة التأمينات الاجتماعية بهدف العاملين في القطاعين العام والخاص. كما تدرس الحكومة تأسيس «صندوق البطالة» قبل اصدار قانون جديد للعمل يعطي مرونة في سوق العمل وانه تم تشميل 650 الف عامل في القطاع الادراي وعائلاتهم بالضمان الصحي بتكلفة سنوية لا تقل عن ستة بلايين ليرة، ذلك تمهيداً لتأسيس المنظومة الوطنية للضمان الصحي.
من المشكلات الجديدة التي تواجه الاقتصاد السوري، هو تحدي الطاقة. اذ النفط الذي كان يشكل 44 في المئة من الايرادات العامة للدولة عام 2003، مهدد بالنضوب مع تراجع الانتاج من 600 الى اقل من 400 الف برميل يومياً. غير ان ارتفاع الاسعار لا يزال يعوض حالياً العجز.
وبحسب الارقام الرسمية، فإن اجمالي قيمة الصادرات السورية ارتفع من تسعة بلايين الى 14.4 بليون دولار اميركي في السنوات السبع الماضية. غير ان «الاهم ايجابياً» ان حصة الصادرات غير النفطية ارتفعت من بليون من اصل اربعة بلايين دولار الى 12.5 بليون عام 2007.
ومن سوء حظ الحكومة السورية ان تحدياً جدياً له علاقة بالطاقة فرض نفسه على الاجندة الرسمية كغيرها من الدول النامية. اذ ان معدل نمو استهلاك الطاقة اعلى من معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي في سورية. ان الطلب على الطاقة ينمو بين 10 و11 في المئة سنوياً، في حين ينمو الاقتصاد بنسبة تترواح بين 5 و6 في المئة. ويقول الدردري: «مهما ركضت لن استطيع ان اؤمن حاجات البلد من الطاقة».
وبحسب الارقام، سورية في حاجة الى الف ميغاواط جديد سنوياً. لكن الامر الثقيل ان كانت الكلفة التأسيسية للكيلوواط الساعي كانت قبل سنتين نحو 450 دولاراً لكنها ارتفعت حالياً 1300 يورو لأن سعر الحديد والنحاس ارتفع بنسبة عشرة اضعاف. اي، اذا ارادت سورية ان تؤسس محطة لانتاج طاقة 750 ميغاواط، ستبلغ كلفتها بليون يورو بينما كانت كلفتها 600 مليون دولار قبل سنتين. للعلم فقط، تحتاج سورية الى الف ميغاواط سنوياً.
وتتعلق الاشكالية الجديدة بالزراعة لأن موازين الامن الغذائي اختلفت. ذلك انها المرة الاولى التي ترتبط اسعار النفط باسعار الغذاء في هذا الشكل. وبحسب الارقام الرسمية، فإن ربع انتاج العالم من القمح سيذهب الى انتاج الـ «بايو ديزل» على خلفية ارتفاع اسعار النفط الى اكثر من مئة دولار للبرميل. فتضاعفت اسعار القمح والمواد الغذائية بسنة واحدة. وارتفع سعر طن القمح من 200 الى 450 دولاراً. لكن ما هي السياسة المناسبة لحفاظ سورية على «الامن العذائي» وتوفير مخزون كبير من الحبوب الذي يجب الا يقل عن خمسة ملايين طن. (استهلاك سورية من القمح 2.4 مليون طن، وصدرت عام الماضي 1.2 مليون طن) وفق قناعة رسمية ان هذا «يوفر استقلالية في القرار السياسي»، طالما ان بإمكان الناس ان تأكل لا يمكن الرضوخ للضغوط.
الآن بعد اقرار القيادة القطرية لحزب «البعث» الحاكم في حزيران (يونيو) عام 2005 الخطط الاقتصادية ومفهوم التحول الى «اقتصاد السوق الاجتماعي» وبعد سنة ونصف سنة على اقرار مشروع الاصلاح في الخطة الخمسية العاشرة التي تنتهي بعد سنتين، فان الخيارات ليست سهلة.
وعلى رغم كل هذه التحديات القديمة والناتجة من التحول والمستجدة، ليس هناك خيار، سوى «تعميق الاصلاح الاقتصادي الهيكلي وتسريعه ومزيد من التحرير» بحسب الدردري.
إبراهيم حميدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد