تبريد على خطّ المواجهة المصرية ـــ التركية
دخل الخلاف التركي ــ المصري على ليبيا مرحلة هدوء نسبي جراء المساعي الدولية لتهدئة الأوضاع على الأرض، مع بقاء الحالة الميدانية كما هي، لكن هذا لم يلغِ الاستنفار المصري على الشريط الحدودي، ولا تواصل وصول المسلحين من سوريا وتركيا إلى طرابلس. سياسياً، تراجعت اللهجة التركية التصعيدية منذ اللقاء الذي جمع رئيس حكومة «الوفاق الوطني»، فائز السراج، والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أول من أمس، في إسطنبول، وهو اجتماع بقيت بعض تفاصيله غامضة، ولا سيما لجهة الاتفاقات التي تم توقيعها بين السراج وشركات التنقيب التركية عن النفط والغاز، بجانب الاتفاقات العسكرية. ويحظى السراج في الوقت الراهن بدعم تركي قوي وغير مسبوق من أجل الحفاظ على مكانته، مقابل تأكيدات مصرية بمنع الشركات التركية من التنقيب في البحر المتوسط دون أن يكون جزءاً من تسوية شاملة للأزمة الليبية، بدعوى أن «الوفاق» ليست لديها شرعية «لتوقيع اتفاقات مع جهات دولية».
ضمن تراجع لهجة التصعيد التركي، أعلنت أنقرة إلغاء المناورات البحرية التي كان يفترض إجراؤها في ثلاث مناطق في المياه الدولية بالقرب من ليبيا رداً على المناورة المصرية «حسم 2020» التي استمرت عشرة أيام وتضمنت تدريبات على التدخل العسكري في ليبيا جواً وبراً وبحراً. مع هذا، أُعلنت مناورة عسكرية مصرية ــ فرنسية في المتوسط لتعزيز المواقف المشتركة تجاه ليبيا في مواجهة التحركات التركية. بجانب ذلك، تسعى القاهرة إلى تقويض أي تحركات تركية عسكرية وعلى رأسها منع أي غطاء جوي محتمل للعمليات التي قد تنفذها الميليشيات المدعومة منها، كما تقول مصادر عسكرية مصرية، شدّدت على أنه لن يُسمح بنشر نظم دفاع جوي هناك، علماً بأنه وصلت مجدداً أنظمة دفاع أميركية، من نوع «هوك»، بعد تدمير جزء كبير منها في الغارات على قاعدة «الوطية» قبل أسابيع.
هذه المعطيات تجعل الجيش المصري مطمئناً إلى أن الوضع الحالي لن يمكّن نظيره التركي من تنفيذ أي هجوم على محور سرت ــ الجفرة الذي وضعه كخط أحمر، على أن يراقب بحذر ما يصل من أسلحة ومقاتلين باستمرار. وسط ذلك، يقدر الجيش أن الوقت اللازم لقدرة أنقرة على قيادة هجوم يمكنها من السيطرة على محور سرت ــ الجفرة زاد إلى نحو أسابيع وليس أياماً، مع تسجيل تراجعٍ في الأسلحة والمقاتلين خلال المدة الماضية، والموجود حالياً لا يكفي لمواجهة تدرك أنقرة أنها لن تكون سهلة، ولا سيما مع إعلان الجيش المصري نيته التدخل بإمكاناته وعديده بصورة كبيرة. لكن التقارير الاستخباراتية المصرية تشير إلى أن أي هجوم يتوقع أن يكون في نهاية تشرين الأول/أكتوبر المقبل إذا استمرت معدلات التدفق على وضعها الحالي، لكن مع مراعاة الأبعاد الدولية المرتبطة في المقام الأول بموعد الانتخابات الأميركية، وخاصة أن حتى الحديث عن حل سياسي وضغط من واشنطن لتحقيقه لن يكون قبل تشرين الثاني/ نوفمبر، وهو ما سيجعل الوضع العسكري متوتراً على الحدود.
لذلك، لا تزال المؤسسة العسكرية مستنفرة كلياً رغم تراجع احتمالات المواجهة المباشرة، وخاصة أن التواصل الأمني مع تونس والجزائر يكشف عن بداية تشرذم في بعض الميليشيات التي وصلت من تركيا، واحتمالية انتقال عناصرها سريعاً إلى البلدان المجاورة، وهو ما يمثل تهديداً للأمن القومي المصري ونذيراً لمواجهات جديدة مع جماعات إرهابية ترغب القاهرة في تجنبها على الحدود الغربية، تضيف المصادر. وهذا ما رفع وتيرة التنسيق بين القاهرة وتونس والجزائر في الملف الأمني والاستخباري على وجه التحديد، وهو ما دفع مصر إلى المطالبة بمعرفة نتائج التحقيقات مع الخلية التي ضُبطت قادمة من ليبيا قبل أيام في تونس. بجانب ما سبق، وصلت الرهانات المصرية على تدخل أميركي أو وساطة روسية للضغط من أجل العودة إلى حل سياسي إلى حائط مسدود، جراء إصرار إردوغان على المزيد من التصعيد مع أنه مقيّد بالوضع على الأرض، في وقت لا يزال فيه الموقف الأوروبي غير الموحّد عائقاً أمام التحرك المنظم للضغط على أنقرة.
الأخبار
إضافة تعليق جديد