بضاعتنا ردت إلينا: عقدة الفرنجي عند المستهلك السوري
لا يزال التسوق المفتوح يلقي ظلاله على حياتنا ومعيشتنا لجهة تحوله إلى سوق استهلاكية بامتياز تتزاحم فيها بضائع الشرق والغرب، في تجاهل واضح للمنتج المحلي الذي «شمت» به المواطن عند السماح بالاستيراد بعد سنوات من الإنتاج المحمي باعتباره الوحيد أمام أعيننا وبين أيدينا، وتلتها مرحلة تأنيب الضمير فبتنا إن صادفنا المنتج المحلي (سواء من إنتاج القطاع العام أم الخاص) أخذناه وإن لم نصادفه لم نسأل عنه، وكانت ثالثة الأثافي عودة المستهلك السوري إلى منتج بلده، بعد أن أصابت السلع المستوردة حمى الأسعار وتدني الجودة، فكان أن بحث المواطن السوري عن المنتج المحلي من مبدأ «ظلم الأهل ولا ظلم الغريب».
الكارثة الحقيقية التي نعيشها اليوم هي أساليب الترويج التي بات باعتنا «أساتذة» فيها، حيث ترى أحدهم يزج في واجهة محله مختلف أنواع السلع، والجواب على كل سؤال جاهز، فالبنطال من بلاد الشرق والقميص من الغرب وسواها من العبارات التي لا تكتشف أنها أكاذيب، إلا حينما تقع في يدك لصاقة نسي البائع إزالتها تشير إلى أن الصناعة سورية..!
د. حسام الدوخي (طبيب أسنان) يقول: كنا سابقاً نرغب فعلاً بالسلعة الأجنبية لأننا لم نعتد التعامل معها أصلاً، واكتشفنا لاحقاً أنها أقل جودة من بعض المنتجات المحلية، أو على الأقل تحولت إلى الجودة الأقل، وإنني أحمل عتباً ولوماً على أسواقنا المحلية، فما فائدة الترويج للسلعة الأجنبية إن كانت قرينتها السورية أكثر جودة وأقل سعراً؟! أم إن الأمر مجرد عقدة الأجنبي.. في الوقت الذي نرغب فيه حقاً بالسلعة السورية لو تقاربت مع الأجنبية جودة وسعراً، فأين مصلحتي بسلعة أجنبية مرتفعة السعر؟! بل أكاد أجزم أن هذه الثقافة التي تكاد تترسخ إنما تشق طريقها إلى الزوال، لأن المواطن فهم أن المعادلة باتت استغلالاً حقيقياً تحت اسم السلعة الأجنبية.
عمر شعبان (حلاق) قال: شبعنا من اقتناء واستهلاك السلع الأجنبية وبتنا نبحث حقاً عن الوطنية منها، لأن البضاعة الأجنبية أصبحت أقل جودة وأعلى سعراً على اعتبار أن الماركة وحدها ستغري المشتري وتجعله مستهلكاً لها، وعلى الرغم من أنني لست في معرض الدفاع عن أي كان، إلا أن أجورنا ومداخيلنا لا تحتمل أسعار السلع التي يقال لنا إنها أجنبية.
وعلى الطرف الآخر من الموضوع نجد أن بعض الباعة يعترفون بأن السلعة السورية أصبحت أكثر رواجاً من ذي قبل لأن الأجنبية منها دخلت الأسواق بجودة عالية وبأسعار مرتفعة بعض الشيء وبسبب إقبال المواطنين الذين لم يعتادوا سابقاً التعامل مع البضائع الأجنبية، ارتفعت أسعار هذه الأخيرة لأسباب لانزال نجهلها وهي ضائعة بين ذمم المستورد ووزارتي الاقتصاد والتجارة والمالية من جهة، والمصدر الرئيسي لها من جهة أخرى، وترافق ارتفاع الأسعار مع تدني الجودة تدريجياً من مبدأ أن راغب الاقتناء سيشتري مهما كان الوضع، على خلفية أن الماركة وحدها تدعم المبيع وتقنع المواطن..!
محمد شرف (صاحب بقالية) يقول: مع بداية الانفتاح الذي شهدته الأسواق السورية،تدفقت البضائع العربية والأجنبية على محالنا وباتت سيدة الموقف وسريعة النفاد، والطلب عليها كثيف، إلا أنها تراجعت حالياً إلى المرتبة الثانية لعودة المواطن إلى المنتج السوري معتدل السعر ومقبول الجودة مع شكاوى عديدة ترد إلينا، نوصلها بدورنا إلى الموزعين وأصحاب الوكالات، فتارة تاريخ الصلاحية هو المشكلة وتارة أخرى المادة المعلبة،وسواها الكثير من التفاصيل التي يضيق المقام عن ذكرها وتصب بمجملها في عودة البضاعة السورية لتوازي الأجنبية لجهة الطلب عليها.
عصام سنقر (صاحب محل ألبسة) قال: شهدت البضائع السورية تراجعاً في مبيعاتها لجهة النسيج والألبسة بمختلف أنواعها مع دخول قريناتها الأجنبية، إلا أنها وبسبب العديد من العوامل عادت لتنافس وبقوة في الأسواق المحلية، فارتفاع سعر الملابس ذات الماركات وتراجع جودتها عما كانت عليه من قبل قدم خدمة غير مقصودة لمنتجاتنا التي بدأت تسترد عافيتها في الأسواق المحلية، وذلك كله ليس نتيجة أية مبادرة، إنما نتيجة تراجع مقومات السلع الأجنبية التي اعتدنا عليها عند بداية تدفقها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن دخل المواطن السوري ومعاشه هو اسم اللعبة ومقوماتها وقواعدها التي يسير عليها كل من يطرح منتجاً ما سواء أكان صناعة محلية أم صناعة أجنبية مستوردة.
وبجولة سريعة في الأسواق نجد أن الواجهات ما زالت تزدحم بالبضائع الأجنبية ذات الأسعار المرتفعة (ونحن هنا لا نتحدث عن الماركات بل عن البضائع العادية) على الرغم من عدم احتمال أجر المواطن لها، فالبنطال متوسط الجودة لا يقل سعره عن 1000-1200 ليرة سورية، والسترة تتراوح بين 2500-3000 ليرة، أما الحذاء متوسط الجودة فلا يقل عن 1200-1500 ليرة سورية، أما على صعيد المواد الغذائية فنجد أن علبة المرتديلا من القياس العائلي لا تقل عن 140 ليرة سورية وتصل بعض الأنواع منها إلى 180 ليرة، كما هو حال المربيات والمعلبات والعصائر وسواها من المشروبات، فهل تتنبه الجهات المعنية والفعاليات الاقتصادية إلى مخاطر هذه العادة الاستهلاكية، وتعمل على التدخل لمصلحة المواطن بتقديم الجودة المقرونة بالسعر المقبول، رفقاً به وبأجره المتواضع ودعماً لما ينتجه القطاع الاقتصادي الوطني من عام وخاص.
مازن خير بك
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد