بإنتظار مهرجان دمشق المسرحي
ليس اكتشافاً أن فرادة فن المسرح في كونه فن الآن وهنا. ليس في ذلك أي نوع من المجاز، حيث الآن وهنا كثيراً ما تستعار لوصف أصناف إبداعية أخرى، الآن وهنا تعني أن ذلك الشيء الذي يجري على الخشبة إنما يجري الآن، بيننا، وفي زماننا، وليس الفاصل بيننا وبين ما يجري سوى جدار الوهم الرابع. ولعل ذلك يفترض أن نرى على الخشبة صوراً، كلاماً، حواراً، أحداثاً طازجة، حارة حرارة يومياتنا، وإشكالية على قدر ما تخبئ حواراتنا صخباً وعواصف تحوم بلا نهاية.
لذلك كان المسرح من أكثر الفنون التي يمكنها أن تكون تعبيراً وشاهداً على عصرها، هكذا كانت مسرحيات الإغريق شاهداً حياً على عصر الديمقراطية الأثينية، وبإمكاننا أن نتقصى ذلك حتى على مستوى الشكل؛ لننظر كيف تحول الصوت الواحد في الجوقة اليونانية إلى أصوات عديدة تتنافر وتتحاور في طلائع المسرح الإغريقي. كانت البداية مع نشيد تقدمه الجوقة، وكان التطور الأول هو خروج أحد الممثلين في محاورة معها، وما تاريخ المسرح سوى تأريخ ذلك التفرد والتعدد بصوت ثم باثنين وأكثر. ثم لننظر في مسرحيات عصر النهضة في أوروبا وكيف كانت مسرحيات شكسبير معبّراً آخر، وتكفي أسماء مسرحياته دلالة على نزعة التفرد والذاتية التي هي واحدة من أبرز ملامح العصر، نزعة التفرد التي ظهرت بأسماء مسرحياته كهاملت، وماكبث والملك لير وعطيل، وريتشارد الثالث.
وفي القرن العشرين كان لدينا علامة أخرى كبرى؛ ألم يكن مسرح العبث واللا معقول نتيجة فظاعة حربين عالميتين باهظتي الكلفة؟ ألم تكن في انتظار غودو، مسرحية بيكيت الشهيرة، علامة ومرآة وسؤالاً كبيراً لقرن افتُتح بالرعب، هي المسرحية التي جاءت بيكيت وهو حارس يتخندق في انتظار جيوش الغزاة على الحدود؟
بعد كل ذلك لا مفرّ من السؤال؛ وماذا عن مسرح القرن الحادي والعشرين؟ ماذا عن مسرح بداية الألفية الثالثة؟ أية هواجس ورؤى وأشكال يحمل؟ بل وأي ضرورة في الأساس لهذا الفن القديم في خضم ثورة المعلومات والاتصالات وتغيّر أشكال الفرجة؟ وإذا أردنا أن تكون أسئلتنا أكثر جدوى وراهنية علينا أن نضعها إزاء مهرجان المسرح الذي تحتضنه دمشق؛ أي أفكار ستطرحها مسرحيات جاءت من جحيم بغداد، وفقر القاهرة، ودم غزة المهدور؟ هل يمكن العثور على أسئلتنا اليومية الصعبة والشائكة في عروض بيروت وتونس وعمّان وسواها من عواصم العرب المشتعلة بالقلق أو الخوف أو الموت أو الجوع أو التكفير؟ إذا صحّ أن المسرح صورة وشهادة على عصر فعلينا أن نتوقع مهرجاناً ساخناً، في مضامينه وأشكاله وابتكاراته، وفي أقل الأحوال؛ في الجدل والنقاش بين الضيوف من المسرحيين والمثقفين والإعلاميين.. إذا صحّ ذلك علينا أن نؤجل السياحة قليلاً، علّنا نفسح حيزاً أكبر للأسئلة.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد