النفايات الإلكترونية: تصدير منظم للموت من الدول الغنية إلى الفقيرة
«ويي مان» WEE Man عملاق بريطاني نصبته جماعات حماية البيئة البريطانية قرب نهر التايمز في لندن تتكون أجزاؤه من مخلفات الكمبيوتر والتلفزيون والإنترنت والخلوي وهو يعبر عن أحدث الأخطار التي تتهدد البيئة وهي النفايات الإلكترونية. الجهود الساعية إلى لفت الأنظار حول مخاطر النفايات الإلكترونية لم تتوقف عند ويي مان فقد بدأت في بالي بإندونيسيا فعاليات مؤتمر يبحث في طرق التخلص من النفايات الإلكترونية حيث ناقش وزراء حكومات نحو 170 بلداً مسألة إنشاء هيئة متخصصة في المخلفات الإلكترونية.
والنفايات الإلكترونية مصطلح يستخدم عالمياً في تصنيف المعدات الإلكترونية التي وصلت إلى نهاية العمر «الافتراضي للاستخدام» وتعد هذه الأجهزة سامة عندما يتم حرقها أو تفكيكها.
وهي أسرع النفايات نمواً في العالم، فالتقدم السريع في مجال التكنولوجيا هو ما يؤدي إلى تزايدها، حتى إن كثيراً من الدول أصبحت أكبر المشكلات البيئية لديها ناتجاً عن تدمير أجهزة الحاسب لأن مكونات بعض المنتجات الإلكترونية تتضمن مواد سامة مسببة للسرطان مثل الرصاص.
- ففي دراسة أسترالية عن النفايات الإلكترونية وجد أنها تشكل الجزء الأكبر في تلوث المياه الجوفية في كاليفورنيا واليابان ما جعلها تتخذ إجراءات سريعة بوضع قوانين للحد من كمية النفايات الإلكترونية. وتبرز دراسة للأمم المتحدة للأخطار البيئية الناجمة عن أجهزة الحاسب الآلي بأن ثلاثة عشر بلداً معظمها في أوروبا أصدرت قوانين وتشريعات لتدوير أجهزة الحاسب القديمة.
وتقول الأرقام: إن أكثر من مليوني جهاز كمبيوتر تباع سنوياً في كاليفورنيا وأكثر من ستة آلاف جهاز تتلف يومياً في المدينة نفسها.
كما بينت دراسة أعدها كل من «جيم بوكيت» و«لسلي بايستر» عن «شبكة إحداث باسيل» إضافة إلى رابطة السميات بوادي السيليكون بالهند وبالمشاركة مع منظمة «اسكوب» المعنية بشؤون البيئة في باكستان ومنظمة «السلام الأخضر» بالصين بينت أن النفايات الإلكترونية تعد أكبر مشكلة نفايات متعاظمة بالعالم ولا تكمن مشكلتها في كميتها فقط بل في مكوناتها السامة المتمثلة في عناصر البرليوم والزئبق والكادميوم فضلاً عن غاز البروم ورغم هذه المخاطر نرى أن الخطوات الحكومية والصناعية التي اتخذت لمواجهة هذه المخاطر تعد متواضعة مقارنة بحجم التهديد.
ويظهر هذا التقرير أسباب القصور التي تتخذ من الولايات المتحدة على وجه الخصوص بجانب الدول الاقتصادية الكبرى الأخرى في تعاملها مع هذه الكارثة رغم أنها تسهم بقدر كبير في تصدير هذه النفايات إلى الدول الآسيوية النامية.
- تحتوي النفايات الإلكترونية على كميات كبيرة من المكونات السامة والضارة كالرصاص والكادميوم المكون الأساسي للوحات الدوائر فضلاً عن أكسيد الرصاص وأنابيب أشعة الكاثود بالشاشات وبطاريات الكمبيوتر كما نجد الزئبق في لوحة المفاتيح والشاشات المسطحة وكلوريدات البيفنيل التي تحتويها كل من المكثفات والمحولات إضافة إلى اللهب البرومي الذي ينتج عن حرق لوحات دوائر الطابعات والأغطية البلاستيكية وكلوريدات البيفنيل.
إضافة إلى الأضرار العامة المتمثلة في تلوث المياه والهواء هناك أضرار خطرة تتخلل عملية إعادة التصنيع وتنتج عن النفايات الإلكترونية وخاصة إذا كانت سعياً وراء الربح المادي فقط. ومن بين هذه الأضرار المخاطر تلك التي توجد بشكل كبير في مكونات الأجهزة الإلكترونية:
- الرصاص: بسبب مكوناته الخطرة تم إصدار قرار عام 1970م بوجوب تنقيته من الوقود نسبة لتأثيره المباشر والخطر على الجهاز العصبي والدورة الدموية والكلى وجهاز المناعة لدى الجسم البشري فضلاً عن أثره السلبي على النمو العقلي للأطفال. ويتركز الرصاص في الأجهزة الإلكترونية على كل من لوحات التحكم والشاشات وبطاريات الكومبيوتر ولوحات الطابعات.
كما أن عنصر الكادميوم من العناصر الفلزية ذات التأثير الخطر على جسم الإنسان عند ترسبه على الكلى والجهاز البولي. ويتركز هذا العنصر على مقاومات الشرائح وعلى المكثفات وعلى رقائق التوصيل الصغيرة. ويوجد الكادميوم بشكل كبير على أنابيب أشعة الكاثود.
- الزئبق: يعمل على تحطيم الأعضاء الداخلية وخاصة الدماغ والكلى ويؤثر سلبياً في تكوين الجنين. وينتج عن اختلاط الزئبق بالماء ميثالين الزئبق الذي يترسب داخل الأعضاء الحية بكل سهولة ويتركز على السلسلة الغذائية وخاصة الأسماك.
وتشير الدراسات إلى أن 22% من الاستهلاك السنوي للزئبق يتم عبر المعدات الكهربائية والإلكترونية والأجهزة الطبية والهواتف المحمولة وأجهزة الاستشعار. وازداد استعمال الزئبق بصورة كبيرة مؤخراً بعد تطوير شاشات العرض الحديثة والمسطحة التي ظهرت لتحل محل أنابيب الكاثود التقليدية.
كما يقوم عنصر الكروم باختراق الخلايا بسهولة لسهولة تشربه ويعمل على تحطيم الحمض النووي. ويعد من أكثر العناصر تهديداً للبيئة، وتزن الأدوات البلاستيكية التي تحتوي على عنصر الكروم نحو 8.13 أرطال في الكومبيوتر. و26% من هذه المواد البلاستيكية تحتوي على كلوريد البوليفنيل.
- عنصر الباريوم: ويستخدم لحماية مستخدمي الحاسبات الآلية من الإشعاعات. وأشارت الدراسات إلى أن التعرض للباريوم لفترة قصيرة يؤدي إلى أورام المخ وضعف عضلات الجسم ويعمل على إصابة القلب والكبد والطحال بأمراض مزمنة.
البيرليوم: وهو عنصر فلزي نادر وموصل جيد للحرارة والكهرباء لذا يدخل في مكونات الحاسب الآلي وخاصة في اللوحة الأم «Motherboard» والمقابض. وتم تصنيف البيرليوم مؤخراً ضمن مسببات سرطان الرئة.
- الأحبار: تحتوي على النفايات الإلكترونية على حاويات بلاستيكية مملوءة بالأحبار الملونة والسوداء. تتكون هذه الأحبار من أخطر العناصر وهو الكربون المسبب الرئيسي لأمراض الجهاز التنفسي والسرطان حسب تصنيف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان. كما تحتوي هذه الأحبار على معادن ثقيلة.
الفوسفور وملحقاته: وهي مكونات عضوية كيميائية ومعلومات أضرارها ليست معروفة بشكل شائع إلا أن سلاح البحرية الأميركي أبان بعض الأضرار التي يسببها الفوسفور وحذر من المساس بحطام ألواح الفوسفور نظراً إلى ما تحتويه من سميات.
- أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الولايات المتحدة تغض الطرف عن تصدير النفايات الإلكترونية هي وبعض الدول الصناعية الغنية أنها استفادت من هذا الأمر كثيراً. وما زال حتى هذه اللحظة الوجهة الوحيدة لهذه النفايات هي دول آسيا النامية رغم أن القدر الكبير لهذه النفايات السامة يصدر عن الدول الغنية اقتصادياً.
ويعد تصدير هذه النفايات إلى الدول النامية إحدى الطرق التي انتهجتها الدول المتقدمة في التعامل مع هذه المشكلة المكلفة داخلياً.
وازدادت في الآونة الأخيرة موجات النفايات الإلكترونية المسماة تجارة النفايات بما تحتويه من مكونات سامة إلى دول جنوب آسيا وسيظل هذا الأمر ما دام العالم يحكم بوحشية القوة الاقتصادية وما دامت لا ضوابط لهذه الممارسة. وستظل وجهة هذه النفايات هي الدول الفقيرة تحت غطاء إعادة التصنيع.
ونتيجة الجهود المتواصلة في مواجهة حرية الاتجار بالنفايات الإلكترونية السامة كان الخروج بمعاهدة «باسيل» عام1989م.
ولهذا السبب أيضاً تم الاتفاق عام 1994م على أن تتبنى معاهدة «باسيل» التحريم التام لتصدير جميع أنواع النفايات السامة من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة أياً كان السبب.
- أهم الأسباب التي أدت إلى منع الاتجار بالنفايات السامة هي: لكونها تستهدف الشريحة الفقيرة. وترهقهم ببيئتها السيئة. كما يكون الأمر أسوأ عندما يكون نصيب الضحية هزيلاً من الفوائد والدوافع.
كما أن تجارة النفايات السامة تسمح لمسببي هذه الكارثة بإيجاد مخرج خارجي لما ارتكبوه من جرم. وما دام هناك مخرج رخيص التكلفة لمشكلة هذه النفايات متمثلة في المجتمعات الفقيرة لن تسعى مصادر هذه النفايات إلى تقليل الحجم والكمية.
- ومن المتوقع أن ترتفع نسبة إعادة التصنيع إلى 18% بالعام كما سترتفع نسبة تصدير هذه النفايات بالنسبة نفسها سنوياً. وسيعمل ذلك على ارتفاع نسبة تداول هذه التجارة وخاصة أنها تحتوي على نسبة لابأس بها من المعادن النفيسة كالذهب والفضة والبلاديوم والبلتونيوم. ويتفق وسطاء هذا النوع من التجارة في الولايات المتحدة على أن تصدير هذه النفايات يعود بأرباح تضاعف إعادة تصنيعها محلياً فضلاً عن قلة المجهود المبذول الذي يتخلل عملية التصدير لكونه يحصل على تسهيلات واسعة.
ويجني مصدرو النفايات الإلكترونية الثمن ثلاث مرات. الأول من المستخدمين والمجلس البلدي كأجر على خدمات نقل النفايات. والثاني ثمن بيع هذه النفايات للوسطاء.
والثالث وهو الأهم ثمن التخلص من هذا النوع من النفايات من الدولة.
- ويجب التذكير هنا أنه في ظل وجود أسواق رخيصة لإعادة تصنيع النفايات الإلكترونية آسيوياً مقارنة بالسوق الأميركي لن تكون هناك خطوات جادة تهدف إلى تنظيم هذا النوع من العمل بفرض قيود حازمة من أجل مناخ عملي آمن لسلامة العامل والبيئة.
وقد دار نقاش على مستوى عالمي مع بعض الجهات الأميركية المسؤولة كشف عن الوجه الحقيقي وراء إصرار الولايات المتحدة على تصدير النفايات.
وكان هدف أميركا المعلن لم يكن سوى تسويغ واه لتصدير هذه النفايات إلى الدول النامية هو الارتقاء بمستوى هذه الدول في مجال الصناعة والخدمات.
إلا أن القليل من التساؤل يؤكد هشاشة هذا الادعاء وهي: هل تملك الدول النامية البنية التحتية التي تمكنها من مضاهاة الدول المتقدمة في مجال التقنية؟
هل تصلح البنية التحتية لحماية حقوق العمال والبيئة في الدول النامية؟ هل هناك في الدول النامية حماية كافية لحقوق المواطن الصحية والبيئية والملكية تؤكد حمايتها من الأضرار؟
وتوظف الحكومة الأميركية جميع أنظمتها وتقنيتها الحديثة لرصد ملايين تعاملات الاستيراد والتصدير التي تمر عبر حدودها وفقاً لنظم التنسيق العالمي التي تضم نحو 8000 فئة منتجة ولكن ليس من بينها واحدة تضم النفايات الإلكترونية أو مخلفات حاسب آلي. ليظل سيل جريان النفايات الإلكترونية في اتجاه واحد وذلك بسبب الصمام القوي المدعوم من قبل القوة الشرائية العكسية.
وأشارت الدراسات إلى أن أعداد الحاسبات الآلية التي وجدت طريقها إلى إعادة التصنيع في العام 2002م بالولايات المتحدة بلغ حجمها 12.75 مليون جهاز توجهت 10.2 ملايين منها إلى آسيا أي 85% من إجمالي العدد. والغريب في الأمر أن جهات الاختصاص والحكومة الأميركية لا تعلم شيئاً عن هذه التفاصيل ولم تعر الأمر اهتماماً بإجراء أي دراسة فيما يتعلق بهذا النوع من التجارة والتصدير الضار.
ميس العاني
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد