المقداد يبدأ محادثاته اليوم في واشنطن

يعكس توقيت زيارة نائب الرئيس السوري فيصل المقداد إلى واشنطن ومستواها، طبيعة العلاقات الثنائية بين واشنطن ودمشق في هذه المرحلة، وعدم نضوج الظروف الإقليمية التي تسمح بتطبيعها أو تدهورها على أبواب مخاض الحوار النووي الأميركي الإيراني.
ووضع مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية زيارة المقداد في سياق «الحوار المستمر مع السوريين» الذي بدأ في آذار الماضي مع زيارة كل من مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض دان شابيرو ومساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان إلى دمشق، وتبعتها زيارتان للمبعوث الأميركي الخاص إلى المنطقة جورج ميتشل بالتزامن مع اجتماعات أمنية - سياسية حول العراق في حزيران الماضي. وكانت هناك خطط لمتابعة هذه الاجتماعات ووضع آليات عملية لهذا الحوار، لكن هذه الوتيرة تباطأت في وقت لم يتوقع أي مراقب في الأصل أن تتحسن بسرعة نظراً لتشابك القضايا الإقليمية بين البلدين.
ويرتبط هذا الجمود قبل كل شيء باللعبة الإعلامية والسياسية بين واشنطن وطهران، واتضاح ملامح المفاوضات حول الملف النووي وتأثيرها في نهاية المطاف على دور سوريا في المنطقة، وتفاعل الإدارة الأميركية مع دمشق التي يبدو أنها لن تتجاوب مع واشنطن قبل أن تحصل على تنازلات مسبقة، في وقت تنعكس طبيعة إدارة الرئيس باراك اوباما المترددة في حسم خياراتها داخلياً وخارجياً على دور أميركي حائر حول قضايا تجميد الاستيطان والحوار مع طهران ومدى الانخراط في الحرب على أفغانستان.
ويلتقي المقداد اليوم خلال زيارته إلى واشنطن نائب وزير الخارجية الأميركية جاكوب لو، ويشارك في اجتماع مع مسؤولين في وزارتي التجارة والخزانة برئاسة كل من شابيرو وفيلتمان، قبل أن يختتم زيارته إلى واشنطن غداً الأربعاء.
المسؤولون الأميركيون الذين تحدثنا إليهم نفوا صحة التقارير الإعلامية حول استدعاء فيلتمان للسفير السوري لدى واشنطن عماد مصطفى إلى وزارة الخارجية لإبلاغه أن أي مسؤول أميركي لن يزور سوريا طالما دمشق تعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية. واعتبروا أن هذا ليس أسلوب واشنطن في إيصال رسائل من هذا النوع.
على أي حال، تتعارض هذه الخطوة مع المؤتمر الصحافي الذي عقده فيلتمان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال إن واشنطن لن تتدخل في تشكيل الحكومة اللبنانية وان النائب سعد الحريري أبلغه في اجتماعاته معه انه يسعى لعلاقات جيدة مع سوريا.
وأكد مسؤول سوري مطلع أن فيلتمان طلب بالفعل لقاء مصطفى قبل أسبوعين، حيث طلب منه شرح وجهة نظر دمشق من التشنج في العلاقات السورية والعراقية وكيفية إيجاد سبل لتجاوزها بحيث اقتصر اللقاء على هذه النقطة. ورأى المسؤول السوري أن العلاقة مع واشنطن ما تزال تتحسن تدريجياً، لكن وتيرتها خفت بشكل مؤقت حتى ينتهي التباين بين دمشق وبغداد.
ويركز الاجتماع الذي يحضره المقداد على شرح قرار إدارة اوباما في تموز الماضي تسريع معاملات ترخيص تصدير المعدات المتعلقة بمجال المعلوماتية والاتصالات وقطع غيار متعلقة بسلامة الطيران المدني إلى سوريا من دون إجراء أي تعديل على «قانون محاسبة سوريا» والقرارات التنفيذية الصادرة عن البيت الأبيض منذ العام 2004.
الشرح الأميركي الذي سيسمعه المقداد يأتي بعد شرح مفصل تولاه ميتشل خلال الاجتماع الأخير له مع الرئيس بشار الأسد في دمشق. هذا الدوران في فلك شرح تراخيص التصدير يعكس جمود هذه العلاقة مع عدم وجود رغبة بتراجعها، ما يعني دخولها في تفاصيل بيروقراطية حتى تسمح الظروف الإقليمية بتقدم هذه العلاقات، أو ربما تبقى على ما هي، لكنها لم تصل بعد، ومن غير المتوقع أن تصل، إلى حد القطيعة أو النمط الذي ساد في عهد إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش.
وينعكس هذا الجمود في العلاقات الأميركية السورية لبنانياً وفلسطينياً، وصمت واشنطن هذه الأيام حول علاقتها مع دمشق يأتي ضمن لعبة الأوراق المستورة بينها وبين دمشق، بحيث تبقي سوريا في موقع دفاعي ومترقب، لان سوريا ليست من أولويات الإدارة الأميركية الآن، ولا حتى لبنان بطبيعة الحال، لكن هذا الصمت تفسره آراء لبنانية من واشنطن بطريقة بعيدة عن الواقع وتضخم أهمية لبنان في الإستراتيجية الأميركية وتتقاطع مع مواقع قرار أميركية لها أفكار عن لبنان لا تنسجم حتى الآن على الأقل مع مركز القرار الأساسي في البيت الأبيض.

جو معكرون

المصدر: السفير