القــــيــامـــة في الأنــاجــيــل

22-04-2009

القــــيــامـــة في الأنــاجــيــل

يجد كل انجيل ذروته في اعلان قيامة المسيح بشكل اخبار يروي زيارة النسوة الى القبر، وظهورات لبعض النسوة وللتلاميذ وخصوصاً جماعة الرسل (متى 28، مرقس 16، لوقا 24، يوحنا،). لذا هذه الاخبار نجدها في الكتاب المقدس (العهد الجديد). الا اننا نجد بعض الاختلافات البسيطة مثلا انجيل مرقس لم يتضمن في فترة اولى (قبل ان يزاد عليه 17: 9-2) اكتشاف القبر الفارغ. وتفرد متى ويوحنا بذكر لقاء يسوع مع النسوة (مريم المجدلية ومريم الاخرى بحسب متى 9: 28-1، مريم المجدلية وحدها بحسب يوحنا 2.: 11-18). وايضاً جعل متى لقاء الرب مع التلاميذ في الجليل. اما لوقا ويوحنا اللقاء يتم في اورشليم اما إعطاء الروح القدس فقد جعله يوحنا يتم يوم الفصح (يوحنا 2.-22) اما لوقا فجعله يتم يوم العنصرة (أعمال الرسل 2: 1-41).
النساء عند قبر يسوع (مرقس  16 :1-8): بدأن عملهن منذ نهاية السبت، اي منذ السبت فاشترين طيوباً ليطيّبن جسد يسوع وتوجهن يوم الاحد عند طلوع الشمس الى القبر، النسوة يعملن كل شيء ليحققن ما في قلوبهن. هيأن مشروعهن وفكّرن في كل شيء ويتعجب القارئ حين يتساءلن في الطريق: "من تراه يدحرج لنا الحجر عن باب القبر"؟ ويتساءل: لماذا لم يأخذن معهن احدا؟ الخبر لا يهتم بهذا الامر وهذا ما يبرهن على اننا لسنا في منطق تاريخي بل في منطق آخر. ماذا يهم الراوي؟ ان يظهر دهشة النسوة: "من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر"؟ والقارئ متشوّق ليعرف فاذا بالنبأ يصل اليه ان القبر فتح والحجر دحرج مع انه كان كبيراً جداً يحتاج الى قوة ليتحرك من مكانه.
وتنتقل النسوة من دهشة الى دهشة: "دخلن القبر فابصرن شاباً جالساً عن اليمين عليه حلة بيضاء فارتعبن" ولكنه قال لهن: لا ترتعبن انتن تطلبن يسوع الناصري الذي صلب انه قام وليس هنا". لقد تجاوز الحدث عملهن فكرن في كل شيء ما عدا ذلك الذي حصل مكثن في ساعة موت يسوع ولم يخرجن منه: ولكنه قام لم يبق لهن عمل هنا، ان عمل الله يحير الانسان. سبقهن الحدث فارتعبن، لان منطقهن البشري اخطأ. ولكن كلام الملاك وجههن الى مكان آخر: اذا كان يسوع قام، فهذا ليس ليدهشكن هناك شيء لا بد من عمله في الجليل. حسبن ان كل شيء قد انتهى ولكن القضية يسوع لم تنته. فبعد ان قام يسوع سيعيد جمع التلاميذ في الجليل من اجل انطلاقة جديدة.
جاء خبر القيامة عبارة عن عناوين تحكي عن زيارة النسوة للقبر فجر الاحد فوجدن القبر فارغاً، مع شهادة من الملاك ان المسيح الذي صلب ووضع في هذا القبر قد قام وهو ليس هنا، ويؤكد مرقس في الاعداد القليلة (1-8) بشهادة الملاك ان "المسيح قام". ثم يعطي الملاك للنسوة رسالة من فم المسيح ان يذهبن ويقلن لتلاميذه انه يسبقكم الى الجليل هناك ترونه كما قال لكم وانتهت الزيارة بوصف حالة الخوف والرعدة التي اصابتهن وخروجهن سريعاً من القبر. ايضا ان خبر الظهورات يسوع القائم من الموت في لوقا: 24: 13 – 48) يحيط بها خبر اكتشاف القبر الفارغ وخبر الصعود، هدفهما: تقديم البراهين على القيامة وبالتالي تأسيس ايمان التلاميذ، هذا من جهة، ومن جهة اخرى تسليم الرسل مهمة الشهادة وبالتالي حمل الانجيل الى جميع الامم.
خبر تلميذي عماوس: (لوقا 24/ 13 – 25): انها طريقة تربوية في الايمان بالمسيح القائم من الموت وهي تحمل التلاميذ على تجاوز عثار الصليب بالعودة الى الكتب المقدسة اي الى تفهم شريعة الخلاص عن طريق المحنة وتعلم اعضاء الكنيسة انهم يستطيعون في جميع الاوقات ان يلتقوا معلهم القائم من الموت في الكتب المقدسة وفي كسر الخبز. اذا المعجزة هي فهم النصوص التي تتعلق بالمسيح في الاسفار المقدسة وبهذه الطريقة سار ايمان الرسل ورفاقهم حين ظهر لهم يسوع. اشار لوقا الى عدم ايمان الرسل حين اعلن لهم عن القبر الفارغ ولاحظ دهشتهم ورعبهم وقلقهم وتساؤلاتهم حين ظهر يسوع لهم.
اذ اراد يسوع ان يقنعهم، جعلهم يرونه، يسمعونه يلمسونه، ولكنهم ظلوا على قلة ايمانهم وعلى دهشتهم. فيجب بعد ذلك ان يأكل يسوع امامهم وخصوصا انه انبأ بالسر وفتح اذهانهم ليفهموا الكتب وفي النهاية بلغوا الى الايمان. حينئذ سلم اليهم يسوع بلاغ الفصح والقيامة. اراد لوقا ان يثبت ويشدد على حقيقة الجسد المسيح القائم وعلى واقعية القيامة ليقود المؤمنين الى فهم السر الذي يكشفه وهو ان المسيح القائم هو الرب الاله غير المنظور والحاضر للابد في كنيسته فهو المسيح الذي تنبأ به الانبياء.
في انجيل يوحنا (2: 1 – 29) نرى وصول مريم الى القبر اذ رأت الحجر ازيل. القبر إذاً فارغ. وبدون ابطاء، حثت مريم السير الى سمعان بطرس والتلميذ الآخر الذي احبه يسوع واطلعتهما على اضطرابهما: "اخذوا الرب من القبر..." فبدأ مشهد مثير: خرج بطرس والتلميذ الآخر الى القبر يسرعان السير معا غير ان بطرس كان ابطأ من التلميذ فسبقه الى القبر فانحنى فرأى الاكفان على الارض ولكنه لم يدخل ثم وصل بطرس فدخل القبر فابصر الاكفان والمنديل الذي كان على رأس يسوع فتأكد له فراغ القبر عندئذ دخل التلميذ الآخر، فرأى وآمن. نلاحظ علاقة الصداقة التي تربط بطرس بالتلميذ الذي يحبه يسوع، غير ان التلميذ الآخر وهو يوحنا، هو صاحب الحدس الثابت فقد رأى داخل القبر مثل بطرس ولكن الفرق بينه وبين بطرس انه هو فهم فورا لغة القبر الفارغ والاكفان على الارض والمنديل ملفوفا على حدة فكل ذلك ينفي سرقة الجسد، فرأى وآمن بقيامة الرب لذلك هو التلميذ الحبيب.
يلاحظ ان هناك تقاربا بين فعلين "رأى" و"آمن" اذ يميزان لغة يوحنا اذ يشدد على ان الايمان بالمسيح يلد من المشاهدة من اللقاء بالمسيح لقاء اختياريا. لذا يرتدي فعل "شهد" اهمية كبرى في لغة واسلوب يوحنا. فالمسيحية في نظره تنطلق من وقائع تاريخية نستطيع ان نلاحظها ونتحقق منها ونتثبتها، وقائع شهد لها شهود مختارون، ان مسيح الايمان يفترض يسوع الذي عاش في التاريخ.
لقد اختبر بولس الرسول قيامة يسوع ويظهر ذلك في ثلاث رسائل: في غلاطية (12: 1 – 17 و22 – 23): اذ يسوع يكشف نفسه لبولس قائما من الموت وفي هذا النص دعوة نبوية واضحة من الله لبولس، كما دعا الانبياء ولا سيما اشعيا. ايضا في فليبي (7: 3 – 14) اذ عرف بولس الرسول المسيح وقوة قيامته وشاركه في آلامه (الآية 1) وهذه المعرفة اسكاتولوجية ووجودية في آن واحد. ثم ان المسيح استولى عليه (الآية 12) وبولس يسعى للاستيلاء عليه وهذا نتيجة حدث طريق دمشق حيث اصبح خلقا جديدا. ايضا في 1 كورنثوس (9: 1 – 2 و15: 8 – 1) يؤكد بولس الرسول ان يسوع "ارى نفسه له" وفي ذلك مبادرة من المسيح القائم كما بادر في اظهار نفسه للتلاميذ بعد قيامته وهو يقول ايضا "رأيت ربنا يسوع" (9-1) مدافعا عن نفسه اذ كان البعض يشك في رسوليته وظهور المسيح له كسائر الرسل.
اذا بولس اختبر حقا يسوع المسيح القائم الممجد. فايمانه بقيامة المسيح اعتمد على ايمان الجماعة المسيحية اذ ان بولس استخدم تعبيرين للدلالة على قيامة المسيح: "الله اقامه من بين الاموات حيث استخدم هذا التعبير في خطب اعمال الرسل ورسائل بولس الى (رومية: 1 – 4 و1 -9 و4 -24 و8 -11 و6 – 4) و(1 كورنثوس 15). اما التعبير الثاني "المسيح قام" فهو وارد في (1 كورنثوس 15 ويعتبر هذا التعبير تعمقا في لاهوت يسوع المسيح فليست القيامة من فعل الآب فقط بل من ذات فعله ايضا لأنه اله كالآب.
نحن نعيد عيد القيامة حين نتعلم من جديد ان نرى يسوع. قال الملاك: ليس يسوع في القبر، ليس بين الاموات، بل بين الاحياء ونحن نراه  حيث يعيش البشر بصعوباتهم ومشاكلهم وآلامهم واحزانهم وافراحهم.
اجل، المسيح قام
يا فرحي حقاً قام
ونحن سنقوم معه الى الحياة الجديدة.

 

الأب باسيليوس محفوض 

المصدر: النهار

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...