الدردري ماضٍ في عملية تحرير الاقتصاد السوري
أعلن نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري، أن الاقتصاد السوري يواجه تحديات جديدة بارتفاع الطلب على الطاقة وضرورة توفير بليون يورو من إنتاج الكهرباء سنوياً، وتضاعف أسعار المحاصيل الزراعية وعلاقتها بـ «الأمن الغذائي» على خلفية ارتفاع أسعار النفط، مؤكداً أن لا خيار أمام سورية «سوى تعميق الإصلاح الاقتصادي الهيكلي، ولمزيد من تحرير قطاعات الاقتصاد من القيود التي تكبّلها».
ولفت الى أن الأغنياء في سورية «يزدادون غنى والفقراء يتحسن دخلهم، وأن «ظاهرة التفاوت بين الطبقات باتت أكثر بروزاً»، من دون أن يعني ذلك أن «الطبقة الوسطى تتآكل»، وأن الفقر «ظاهرة شديدة وعميقة». لكنه أشار الى أن الحكومة السورية في صدد توفير «الأمن الاجتماعي».
وإذا باتت تحديات سورية الداخلية تتصل بالفقر والبطالة، أكد أنالإصلاح «تحد فكري وإداري وتنفيذي، وهو عملية ليست سهلة تقتصر على إصدار مجموعة من القوانين، بل هو موضوع صعب ويتعلق بتطور في العقليات والإدارة عموماً».وقال «إذا قارنا (الوضع السوري) بكل التجارب الإصلاحية في العالم، فإن اقصر عملية إصلاح استمرت 17 سنة، في حين لم يمرّ على الخطة الخمسية العاشرة في سورية سوى سنة ونصف السنة. وفي حال اعتبرنا أن البداية الفكرية للإصلاح كانت في المؤتمر القطري العاشر لحزب «البعث» في حزيران (يونيو) 2005، يعني أنها قيد التنفيذ منذ سنتين ونصف سنة.إذاً، لا نزال تاريخياً في بدايات مراحل الإصلاح».
ولفت الى أن معدل النمو الاقتصادي الكلي، «بلغ 5.1 في المئة في 2006 ، وهذا مثبت من صندوق النقد الدولي. لكن الأرقام الجديدة تفيد بأن النمو في حدود 5.5 في المئة، بينما بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 6.5 في المئة في 2007».
واعترف أن «لا مجال لتأمين الإفادة للجميع بالسوية ذاتها، فهذا مستحيل. الناس مختلفون بعلمهم وخبرتهم ومهارتهم وقدرتهم على الإفادة من الفرص». لكن سأل «هل النمو مستدام؟ ورأى أن «الأسئلة أكثر من الأجوبة في مرحلة أولى من الإصلاح. لا يستطيع أحد منا أن يدعي أنه يملك اليوم أجوبة عنها كلها». وقال: «عندما أذهب الى قريتي، يقول الناس: ماذا يعني النمو 9 في المئة؟ وكل ما نراه هو انقطاع المازوت وارتفاع أسعار السكر والأرز، هذا الذي يراه أهل الضيعة».
واعتبر أن سورية «تتجه اليوم نحو وضع متوازن وافضل في ما يسمى أساسيات اقتصادية، والنمو شرط لازم، لكنه غير كاف. فالشرط الكافي يقضي بأن يشمل النمو جميع السوريين».
وعن التحديات الاقتصادية او نقاط الضعف، أشار إلى أن التحدي الأول، «يتمثل باستكمال سياسات الإصلاح وتوسيعه وتحرير الاقتصاد السوري من قيود تكبله وهي كثيرة. صحيح أننا قطعنا شوطاً طويلاً لكن ما زال أمامنا شوط أطول بكثير». وافترض أن «أحداً يقول بإننا لا نعلن الحقيقة، وإن معدل النمو هو ثلاثة في المئة، فما هو الحل؟ إذاً تحتاج سورية في النتيجة، الى تعميق الإصلاح الاقتصادي الهيكلي وتسريعه، وإلى مزيد من تحرير قطاعات الاقتصاد. فهل هناك خيارات أخرى متاحة أمام البلد؟».
ويتمثل التحدي الثاني، بحسب ما أوضح الدردري، بـ «التأكد من القدرة التنافسية للاقتصاد السوري. فما هي التنافسية بمعناها المؤسساتي والتشريعي والإنتاجي والخدمي؟ أن يستطيع الاقتصاد السوري تقديم قيم مضافة عالية ذات ميزات تفاضلية عالية ويكون جاذباً للإستثمار الوطني والعربي والدولي. والتحدي المهم، هو خفض البطالة وتأمين سوق العمل وإيجاد سياسات سوق عمل فاعلة».
وأوضح أن البطالة «بمعناها الضيق المعرّف من «منظمة العمل الدولية»، أي كل من عمل ساعة واحدة خلال الأسبوع الذي سبق المسح لا يُعتبر عاطلاً عن العمل، انخفضت من 12.5 الى 8.1 في المئة من قوة العمل الإجمالية بين 2004 و2007. لكن، هل اكتفي بالقول إن البطالة انخفضت؟ لا، لأن المعدل لا يزال مرتفعاً». ولفت الى أنها في الفئة العمرية بين 16 و24 سنة تفوق 18.4 في المئة»، وتشـكّل «تحــدياً كبــيراً أمام سورية، وعلى إصلاحات سوق العمل أن تأخذ في الاعتبار حفظ حقوق كبار السن الذين يعملون، وأن تفسح المجال أيضاً أمام دخول صغار السن الذين يبحثون عن عمل».
وأعلن نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، أن عدد قوة العمل الإجمالية بلغ 4.879 مليون في 2006». وعن التحدي الناتج عن الطاقة، فهو يتمثل في «ارتفاع معدل نمو استهلاك الطاقة عن مستوى معدل نمو الناتج المحلي. فالطلب على الطاقة ينمو بين 10 و11 في المئة سنوياً، في حين ينمو الاقتصاد بين 5 و6 في المئة، وسيصل الى 7 في المئة نهاية الخطة الخمسية العاشرة». وذلك يعني «مهما ركضت فلن تستطيع تأمين حاجات البلد من الطاقة. إن العالم يتجه الى اعتماد الطاقة البديلة، وهي تحتاج الى استثمارات ولا تزال تكلفتها مرتفعة جداً».
وأعلن أن سورية «تحتاج سنوياً إلى ألف ميغاوات كهرباء، تكلفتها 1.5 بليون يورو. إذاً، لابد من الإحاطة بموضوع الطاقة في شكل شامل، وضمن نظرة استراتيجية إذ يجب العمل استراتيجياً». ورأى أن «قلب المعادلة تحد هائل على الأقل بحيث يكون معدل نمو الناتج يعادل أو يزيد معدل نمو الطلب على الطاقة، وهذا يحتاج الى 20 سنة من التنمية».
ويتمثل «التحدي الثالث بالنسبة الى الحكومة فيالزراعة، إذ اختلفت موازين الأمن الغذائي اليوم، ويذهب ربع إنتاج العالم من القمح إلى إنتاج الديزل الحيوي، ما ضاعف أسعار القمح والمواد الغذائية في سنة واحدة. وكان سعر طن القمح 200 دولار فبات 450 دولاراً. ولا توجد إضافة الى الشعير والأعلاف والحليب، فالقصة الاقتصادية اليوم معقدة جداً وإدارتها معقدة جداً أيضاً».
ويُترجم ذلك على الأمن الغذائي والسياسة الزراعية في سورية، «تحديات ناتجة عن ارتفاع أسعار النفط، وهي المرة الأولى في التاريخ التي ترتبط أسعار الغذاء بشدة بأسعار النفط. لكن ما يهمنا في السياسة الزراعية هو تأمين الأمن الغذائي أي احتياجات سورية من الغذاء الأساسي من دون الاعتماد على الخارج وهذا سيستمر».
وأكد أن «لا مفر من الدعم الزراعي»، مشيراً الى أن فنيين «يدرسون ذلك. لا نستطيع ان نقول فلنتركها مثل السنة الماضية، حيث كان سعر طن القمح 200 دولار بينما هو الآن 450 دولاراً. وكانت الأعلاف متوافرة أما اليوم فهي غير مؤمنة في العالم».وانطلاقاً من مفهومه لتعريف الطبقة الوسطى أشار الى أنها «الفئة القادرة على تأمين مستوى حياة كريمة، هي متعلمة ومثقفة تستطيع ان تعطي المبادرة والفكر المنفتح ذاتهما». ولفت إلى أن الأرقام «تشير الى ارتفاع كبير لمن يعمل لحسابه في سورية في السنوات الثلاث الماضية. صحيح ان الطبقة الوسطى العاملة في الدولة ثبتت على نسبة 28 في المئة من قوة العمل الإجمالية، لكن نسبة من يعملون لحسابهم ترتفع بشدة، بنحو 10 في المئة بين 2006 و2007، أي من 26 الى 29 في المئة. هذا أحد مؤشرات عودة الحياة إليها».
واعتبر أن ظاهرة الفقر «ليست اقتصادية، بل سوسيولوجية أيضاً، فالتفاوت في الدخل اليوم لا يعني ارتفاع الفقر، بل يتعلق بنمط الاستهلاك وظاهرته. يعني أن أغنياء سورية سابقاً لم يكونوا ينفقون في سورية، بل كانوا يخرجون الى بيروت وباريس ولندن. فكل ظاهرة ترف استهلاكي باتت متوافرة في سورية وأبرزت ظاهرة الغنى والتفاوت». وقاليجب عزل الظواهر وتحديد موقعها. هل هي نتيجة ام سبب؟ هل هي ظاهرة اجتماعية ام واقع اقتصادي حقيقي؟».
ولفت الى أن نتيجة قياس معدل الفقر في سورية، «تبيّن أن الذين يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً، يشكلون 0.6 في المئة من السكان. فكم سوري يعيش بخمسين ليرة في اليوم فقط ؟ عــددهم قليل جداً. وإذا لم يكن لديهم دخل فإن المجتمع يؤمن. ولا يجب أن ننسى حالة التكافل الاجتماعي في سورية فهي متميزة».
وأوضح أن عدد الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم «هم أدنى من 10 في المئة من عدد السكان».وأكد أن عدداً كبيراً من الأسر في سورية «يتلقى تحويلات من الخارج، فالمجتمع السوري متوازن ويملك آليات استيعاب وتوازن».
إبراهيم حميدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد