الخطة الزراعية السورية في ظل الظروف الجوية الاستثنائية
تزداد يوماً بعد يوم الآثار الضارة الناجمة عن الانحباس الحراري، ويحذر العلماء من الكوارث التي ستلحق بالكرة الأرضية بسبب ذلك، فتغيرات المناخ التي تتعرض لها الأرض حالياً تدخل ضمن الأخطار المحدقة بالبيئة والأرض والحياة على سطح الأرض...
وتدخل أيضاً ضمن ذلك الظروف الجوية التي جعلت الأمطار تنحبس وتؤثر على تنفيذ الخطط الزراعية.. ففي قطرنا كباقي المناطق في العالم طالها هذا التأثير، من حيث ارتفاع الحرارة وانخفاض كمية الأمطار..
وقد أوضحت مديرية الإحصاء والتخطيط في وزارة الزراعة ان الخطة الإنتاجية الزراعية لهذا الموسم واجهتها ظروف جوية استثنائية، تمثلت في ارتفاع الحرارة في بداية فصل الخريف موعد زراعة المحاصيل الشتوية، وترافقها مع انخفاض كمية الأمطار الهاطلة مع ما يقابلها من العام الماضي في معظم المناطق، وعدم هطول الأمطار نهائياً في البادية ومعظم المناطق بمحافظات الحسكة ودير الزور، ورافق ذلك أيضاً انخفاض معدلات هطول الأمطار، وانخفاض شديد بدرجات الحرارة الدنيا وصلت إلى (-16 مْ) في بعض المناطق، كما وصلت في معظم محافظات سورية إلى (-6 مْ)، وما زاد التأثير على الخطة استمرار انخفاض درجات الحرارة الصغرى إلى حدود الصفر المئوي لفترة وصلت إلى أربعين يوماً متواصلة في بعض المناطق.. هذا كله ترك أثراً على الخطة الإنتاجية المقررة لموسم 2007 - 2008، من حيث المساحة المخططة والمنفذة والإنتاج المخطط لأهم المحاصيل والخضار الشتوية والصيفية، فالمساحة المخططة للقمح /1649252/ هكتاراً نفذ منها /1566411/ هكتاراً، والشعير /1454904/ هكتارات نفذ منها /1313141/ هكتاراً، أما محصول الشوندر السكري فبلغت المساحة المنفذة للمحصول بالعروة الخريفية /16.4/ ألف هكتار تضرر منها /6280/ هكتاراً وتشكل نسبة 38٪ من المساحة المنفذة.. وعملت الوزارة على تأمين البذار بإعادة زراعتها بالقمح والخضار الشتوية، وبلغت كميات الشوندر المقرر إنتاجها /1.69/ مليون طن سوف تنخفض إلى /1.5/ مليون طن.
أما المحاصيل والخضار الشتوية فبلغت المساحة المنفذة /319.7/ ألف هكتار لإنتاج /1650/ ألف طن، تضرر منها /13186/ هكتاراً بإنتاج متضرر إجمالي /52.567/ ألف طن.
وفي الزراعات المحمية بلغ عدد البيوت البلاستيكية المستخدمة /106/ آلاف بيت بلاستيكي يزرع منها /92/ ألف بيت بالبندورة والباقي بالخيار والفليفلة والباذنجان والفريز ونباتات الزينة، وتضرر منها نتيجة للظروف الجوية خلال الموسم الحالي /20.6/ ألف بيت بلاستيكي، وانتهاء المجموع الخضري لـ /16.5/ ألف بيت بلاستيكي نهائياً في محافظة طرطوس، وقد بلغت كمية الإنتاج المتضررة /36/ ألف طن عدا انخفاض الإنتاج الناتج عن توقف النبات خلال فترة الصقيع وخسارة حوالي 5٪ من المردود، والذي يعادل /25/ ألف طن، وبالتالي فإن إجمالي الأضرار على البيوت المحمية بلغ حوالي /61/ ألف طن.. في حين لم تحدث أضرار على الأشجار المثمرة متساقطة الأوراق، أما الأشجار المثمرة مستديمة الخضرة (زيتون - حمضيات) فقد تأثر بعضها بحروق أطراف النموات الحديثة مع تضرر إنتاج /584/ هكتاراً مزروعة بالحمضيات إنتاجها المتضرر حوالي /6.5/ ألف طن.
والبادية تأثرت أيضاً بالظروف الجوية، وخاصة عدم هطول الأمطار فيها، والتي ترافقت مع هبوب رياح شديدة وعواصف غبارية، مما أدى إلى جفاف ويباس الغراس الرعوية المزروعة حديثاً في المحميات الرعوية وجفاف النموات الحديثة للغراس الرعوية في المشاتل الرعوية بنسبة كبيرة، كما تأثرت النموات الحديثة في النخيل الثمري والبذري، إضافة إلى تردي حالة المراعي وعدم نمو الغطاء النباتي الذي يعتبر الأساس في تغذية الثروة الحيوانية، كما أدى هذا الأمر إلى نفوق عدد قليل من المواليد الحديثة وبعض الأغنام الهزيلة، وترافق ذلك مع الارتفاع العالمي لأسعار الأعلاف وعدم قدرة المربين على شرائها.
لم تكتف الأضرار الناجمة عن الانحباس الحراري بإتلاف المحاصيل الزراعية بل تعدتها إلى مضاعفة الحشرات الضارة، التي تتغذى بالمحاصيل والتي تسبب أضراراً كبيرة.
لقد اكتشف الباحثون ان أعداد الحشرات آكلة النباتات الورقية يمكن ان تتزايد بكثرة نتيجة المستويات المرتفعة لغاز ثاني أكسيد الكربون في وقت يحتاج فيه العالم إلى زيادة المحاصيل لإطعام ثلاثة مليارات شخص سيولدون في نهاية القرن الحادي والعشرين.. فقد وجد العلماء ان هناك زيادة ملحوظة في كم الأضرار الناجمة عن هذه الحشرات وتنوع الإصابات، التي تخلفها على النباتات خلال واحدة من آخر الحوادث الكبيرة في مسلسل الانحباس الحراري منذ 55.8 مليون سنة.
ويعتقد العلماء ان ارتفاع الحرارة عالمياً بخمس درجات، الذي سببته الزيادة الثلاثية في مستويات ثاني أكسيد الكربون خلال حقبة ما يعرف بأقصى ارتفاع حراري في العصر الحديث السابق منذ حوالي 50 مليون سنة، هو الذي فجر هذه الأعداد الهائلة من الحشرات وترك أثراً دائماً على الأوراق المتحجرة المحفوظة منذ ذلك الوقت.. وحذر العلماء من ان التأثير نفسه يمكن ان يشاهد خلال الحقبة الحالية من الانحباس الحراري الناجم عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصناعية، التي يمكن ان تضاعف التركيز ما قبل الصناعي للغازات مع نهاية القرن الحالي.
وكشفت الدراسة ان تلف أوراق النباتات المدون في نحو خمسة آلاف ورقة متحجرة قفز ما بين 15 و38٪ قبل الحقبة الجيولوجية المذكورة إلى 57٪ خلال فترة الانحباس الحراري، ثم عاد تلف الأوراق إلى نحو 33٪ بعد الانخفاض في درجات الحرارة، الأمر الذي جعل العلماء يعتقدون ان هذا الدفء سمح لأجناس من الحشرات من المناطق الاستوائية بالهجرة شمالاً، وبالإضافة إلى الهجرة من المناطق الاستوائية، يعتقد العلماء ان الحشرات زادت شراهتها لأن ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الجو جعل الأوراق أقل تغذية لأنها احتوت على تركيزات أصغر نسبياً من النتروجين، وبالتالي فعندما يزيد ثاني أكسيد الكربون يصبح البروتين أقل في أوراق النباتات، وتحتاج الحشرات لأكل المزيد للحصول على مغذياتها، كما ان النباتات يمكن ان تنمو أسرع عندما ترتفع مستويات ثاني أكسيد الكربون، وما زال الجدل قائماً حول ما الذي سبب الانحباس الحراري في الحقبة الجيولوجية القديمة، حيث تقول إحدى النظريات: انها نتجت عن إطلاق هائل لغاز الميتان من الترسبات المتجمدة تحت قاع البحر، والنظرية الثانية: هي انها نجمت عن تراكمات ضخمة لغاز ثاني أكسيد الكربون.
محمود شبلي
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد