الحكومة «تنقّح» بيانها الوزاريّ: وعود أكثر... إحباط أكثر
زياد غصن:
تُقدِّم الحكومة السورية الجديدة، والتي حافظ فيها معظم الوزراء السابقين على حقائبهم، اليوم، بيانها الوزاري إلى مجلس الشعب، متضمّناً مروحة واسعة من «البرامج» التي حلّت محلّ «السياسات»، وإن كانت تكراراً لما دأبت الحكومات المتعاقبة على إعادة إنتاجه مرّةً تلوَ أخرى، من دون أن يُبصر أيّ من الوعود النور. وعلى رغم الإحباط الذي أشاعه التجديد للحكومة، يَعِد البيان الوزاري باتخاذ إجراءات من شأنها «تحسين مستوى معيشة المواطنين»، عبر الزيادة «المدروسة» للرواتب والأجور، و«عقلنة الدعم»، فضلاً عن «الإصلاح الإداري»، وهو ما يثير مخاوف إزاء طريقة التنفيذ، وخصوصاً لجهة «إعادة هيكلة الدعم» والجهات المستفيدة منه
ببيان مختلف هذه المرّة - من حيث الشكل فقط -، تحاول الحكومة السورية، برئاسة حسين عرنوس، مقاربة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة التي تواجهها البلاد، بالاعتماد على صيغة عمل جديدة قوامها إحلال مصطلح «البرامج»، المرتبط تنفيذ كل منها بمدّة زمنية لا تتجاوز الثلاث سنوات، محلَّ مصطلح «السياسات»، الذي طغى سابقاً على مضمون البيانات الحكومية. لكنّ ذلك لم يكن ليُخرج البيان الوزاري من دائرة الاستراتيجيات والأهداف «الطموحة جدّاً»، والتي مرّت سنوات وعقود على تكرار طرْحها، من دون أن ترى النور.
وتستهلّ الحكومة السابعة منذ بدء الحرب، بيانها المُقدَّم إلى مجلس الشعب، بإعلان التزامها مبادئ أساسية لطالما شكّلت محور الانتقادات الشعبية الموجّهة لأداء جميع الحكومات، ومن أبرزها: الحفاظ على حقوق المواطنين وأمنهم وكرامتهم وحرّيتهم الشخصية، ثم العدالة والنزاهة والشفافية ومواصلة مكافحة الفساد وحماية المال العام واستعادته، وأخيراً الانتقال إلى اقتصاد مبنيّ على تعزيز الإنتاج، ومعتمد على القدرات الإنتاجية.
سفارات جديدة
تُفرد الحكومة العتيدة، والتي أشاع التجديد لها حالةً من الإحباط العام، مروحةً واسعة من الأهداف والبرامج الموزّعة على مجالات رئيسة؛ فإلى جانب إعادة التأكيد على دعْم المؤسسة العسكرية لاستعادة ما تبقّى من مناطق خارج سيطرة النظام ومكافحة «الإرهاب»، وفرْض «هيبة الدولة»، والحدّ من معدّلات الجريمة المرتبطة بظروف الأزمة، أو تلك التي تمسّ الاقتصاد الوطني، يتضمّن بيان الحكومة العمل على أحد عشر بنداً في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، أهمّها: «إعادة فتح السفارات السورية أينما كان ذلك ممكناً، والنظر في فتح سفارات جديدة ضمن رؤية مدروسة في قارات أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأماكن أخرى، وكذلك مراجعة واقع السفارات المفتوحة حالياً، ودراسة جدوى عملها على المصالح المباشرة للدولة السورية»، إضافة إلى «تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، والعمل على إيجاد منافذ جديدة للمنتجات الوطنية في أسواق الدول الأخرى». وبدا لافتاً «الترحيب بالجهود التي تقوم بها بعض الدول العربية لدعم سوريا سياسياً واقتصادياً»، والتشديد على تمسّك سوريا «أكثر من أيّ وقت مضى بعمقها العربي»، وبمواصلة «دعم حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة على أرضه المحتلّة، وعاصمتها القدس».
في الملف الاقتصادي، والذي باتت تطوّراته تشكّل هاجس السوريين الأوّل، تَعِدُ الحكومة، في استعراضها للبرامج المُراد تنفيذها في مجال التنمية الاقتصادية، بالاستمرار في «اتّخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها تحسين مستوى معيشة المواطنين»، وذلك من خلال العمل على: الزيادات المدروسة للرواتب والأجور ومتمّماتها، الحدّ من غلاء المعيشة، تعزيز القوّة الشرائية للعملة الوطنية، ضبط الأسواق والأسعار، وعقلنة الدعم وإيصاله إلى مستحقّيه. ولتحقيق ذلك، تضع الوزارات الاقتصادية على جدول أعمالها تنفيذ 28 برنامجاً موزّعاً على قطاعات اقتصادية رئيسة، تبدأ بالإنتاج والاستثمار، مروراً بالسياستَين المالية والنقدية، وصولاً إلى السياحة. وعلى رغم أن غالبية تلك البرامج ليست سوى عناوين ردّدتها غالبية الحكومات السابقة، إلّا أن الإصرار على طرْح بعض البرامج، من شأنه إثارة المخاوف إزاء طريقة تنفيذها، ومنها برنامج إعادة هيكلة الدعم الذي يهدف، بحسب البيان، إلى «إيصال الدعم إلى مستحقّيه، وفق معايير توضع لهذا الغرض». عن ذلك، يقول الوزير السابق، نبيل الملّاح، لـ«الأخبار»، إن «المشكلة ليست في الدعم وشكله، وإنّما في انخفاض القوّة الشرائية للّيرة، وعجز الموازنة المتراكمة، والذي يزداد سنة بعد سنة». ويضيف: «علينا أن ندرك أن الدعم قامت به الدولة منذ البداية لتغطية جزء من انخفاض الرواتب والأجور، أي أنه ليس منحةً للناس».
وفي المجال الثاني المرتبط مباشرة بمعاناة السوريين راهناً، أي الخدمات والبنى التحتية، تضع الحكومة نصْب عينيها تنفيذ عشرة برامج خلال السنوات الثلاث المقبلة، أهمّها ما يتعلّق بقطاع الطاقة، والذي خُصّص له برنامجان: الأوّل هو البرنامج التنفيذي للطاقات المتجدّدة الممتدّ حتى عام 2025، والهادف إلى زيادة مساهمة الطاقات المتجدّدة في ميزان الطاقة، وخفض الطلب على الطاقة التقليدية. والثاني، يتعلّق بالتوسُّع في عمليات أتمتة ومكننة توزيع المشتقّات النفطية، بغية الحدّ من الفساد، وتقليل الخسائر أثناء عمليات التخزين، وإدارة توزيع المواد المدعومة بشكل فعّال.
إرث الحرب اجتماعياً
وعلى رغم الانتقادات المباشرة وغير المباشرة التي تُوجّه للآليات المتّبعة في تنفيذ مشروع «الإصلاح الإداري»، يؤكد بيان الحكومةالمضيّ قُدُماً في تنفيذه، مُحدداً إطاره المرحلي، خلال الفترة المقبلة، بثمانية برامج تنفيذية، يتصدّرها برنامج إعادة هيكلة البنية التنظيمية للجهاز الحكومي على مستوى الإدارات المركزية، ومكافحة الهدر في القوى البشرية وتنظيم العمالة، ثم تحديث التشريعات الناظمة للوظيفة العامة، فحوكمة الأداء الحكومي، وإعادة هيكلة القطاع المالي، وأخيراً إعادة هيكلة الشركات الإنشائية.
أما قضايا التعليم، الصحة، الثقافة، التنمية المجتمعية، الإعلام وغيرها من قطاعات التنمية البشرية، فكان لها نصيب وافر من البرامج التي وصل عددها إلى حوالى 28. كما أبدى البيان اهتماماً حكومياً بمسألة «البناء الأخلاقي للفرد والمجتمع»، وتخصيص برنامج خاص لهذه الغاية، يهدف إلى «تعزيز السلوكيات الإيجابية لدى المواطنين، استناداً إلى القيم الروحية، وتصحيح الانحرافات الفكرية التي طاولت بعض شرائح المجتمع نتيجة الحرب، وتصحيح المفاهيم والمصطلحات التي تقوم عليها منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع». وتضمّنت قائمة البرامج واحداً مهمّاً غايته «تعزيز ثقافة الانتماء والمواطنة»، بالإضافة إلى برنامج آخر يُراد من ورائه تعزيز مفهوم «إعلام الدولة»، وليس فقط الإعلام الحكومي، وذلك من خلال وضع استراتيجية إعلامية واضحة.
الأخبار
إضافة تعليق جديد