التحرش الجنسي والإغتصاب السياسي في سورية
¶تحرّش لأهداف سياسية..
طال التحرش الجنسي الصغار والكبار، وانتشر، بسبب ما تمرّ بها البلاد، إلى حدود لا يمكن قبولها. ومردّ ذلك، حسب قول الدكتور نزار سكيف (نقيب محامي سورية)، إلى الفوضى الموجودة، وغياب الرقابة الشرطية، إضافةً إلى أنَّ المرأة والطفل يعدان هدفاً سهلاً للمجرمين؛ ما أدّى إلى اختلال الأمن، وزيادة الفوضى والجريمة التي يعدّ التحرش أحد أنواعها..
إذاً، الأزمة التي تمرّ بها البلاد سبب إضافي في انتشار ظاهرة التحرّش الجنسي، خاصةً بعد جرائم الخطف والاعتداء التي أصابت الفتيات والأطفال، ضمن المناطق المتوترة أمنياً، حسب قول سكيف، الذي أضاف: «أسهمت الأحداث المتوترة في تفاقم حالات التحرّش الجنسي، ووصلت في المناطق غير الآمنة إلى حدِّ الاغتصاب، ومن ثم التمثيل بالجثث أو حرقها، من أجل إخفاء معالم الجريمة. وبالتالي أخذت هذه الظاهرة طابعاً سياسياً، ظهر بشكل واضح في مناطق محدَّدة بعينها».
¶ التحرّش في مستوى قياسي..
تبعاً إلى الظروف التي تمرُّ بها البلاد، فرضت الأحداث الأمنية انتشار أنواع محدَّدة من الجريمة، تختلف حسب طبيعة كلّ منطقة. وفي السياق، أشار نقيب محامي سورية إلى مناطق في ريف حمص وإدلب تعدّ من أكثر المناطق التي شهدت مختلف أنواع الجريمة، ومن ضمنها التحرّش، ومن ثم الاغتصاب.. كما ازدادت مستويات التحرش ووصلت إلى مستويات قياسية، سواء في المناطق الملتهبة أمنياً أم المناطق العادية التي لم تعانِ من الصراع المسلح. فقد بات التحرّش وسيلة عادية، أكثر من أيّ وقت مضى، يفرض الذكور من خلالها إرادتهم. والأخبار عن اغتصاب النساء تمَّ تداولها على نطاق واسع في الإعلام، حيث استخدمت سياسياً.. والمعلومات، التي يُعتقد بصحتها عن حالات تحرش واغتصاب النساء، هي أكثر بكثير مما تمَّ تداوله، كما أنَّ التهديد بالاغتصاب بات شائعاً على نطاق واسع؛ على حدِّ قول سكيف.
¶ السبب في عصبية الجنس..
يعدّ الخوف من تقديم الادعاء اللازم لمواجهة ظاهرة التحرّش، والقلقُ من نظرة المجتمع، من أهمّ العوامل التي تسهم في تفاقم هذه الظاهرة وانتشارها. ويرى العديد من الناشطين في مجال حقوق المرأة والطفل أنَّ ظاهرة التحرش ما هي إلا جزء من العنف المجتمعي؛ فكلما ارتفع العنف المجتمعي ارتفع العنف ضدَّ المرأة؛ فهي والطفل في المستوى الأخير من هرم السلطة المجتمعية.
عند العمل على رصد التحرش ضدَّ النساء أو الأطفال، لابدَّ من وضع مؤشرات ليست ثابتة، بل تأخذ بالحسبان طبيعة المجتمع (من ناحية) والظرف العام القائم في لحظة الرصد (من ناحية أخرى).. إلا أنَّ المشكلة الرئيسة تكمن اليوم في صعوبة هذا الرصد؛ نظراً إلى الأوضاع الأمنية السائدة، والتمويه الشديد الذي يمارسه اليوم الذين يمارسون العنف، تحت ذريعة الوضع الأمني.
ناشطة في حقوق المرأة والطفل، رفضت ذكر اسمها، أشارت إلى أنَّ الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة نصَّ، في مادته الأولى، على تحديد تعريف العنف ضدَّ المرأة على أنه أيّ فعل عنيف، تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتّب عليه -أو يرجح أن يترتب عليه- أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أم الجنسية أم النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أم الخاصة.
وبالتالي من الممكن أن يكون هذا العنف أيضاً سبباً رئيساً في خوف العديد من النساء من تقديم البلاغات اللازمة للادعاء على المتحرشين بهنّ، حسب قول الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل.
¶ ملاصقة ثم تهديد..
يعرّف الدكتور هيثم علي، الاختصاصي في علم النفس، إيذاء الأطفال جنسياً، بأنه يشمل ممارسة سلوكات عدة بين البالغ والطفل؛ كالتحرش الجنسي عبر ملامسته ومداعبته، ويمكن أن يصل الإيذاء الجنسي إلى حدّ إقامة علاقة جنسية كاملة مع الطفل (أو الطفلة)، وتستخدم عادة أساليب التودّد والترغيب، أو الترهيب والإجبار والتهديد بالانتقام، بغية تحقيق المأرب البشع، متمثلاً بالممارسة الجنسية، ومنع الطفل من إفشاء السرّ وكشف الاعتداء للأهل والآخرين.
أما فيما يتعلق بالتحرّش بالكبار، فيشير علي إلى أنه يتمثّل في إلقاء كلمات التودّد، أو عبارات الجنس المباشرة أو غير المباشرة، ومن الممكن أن تصل هذه الكلمات إلى حدّ الأفعال والقيام بحركات جنسية واضحة.
¶ وسائل النقل مكان للتحرّش!
بعد دور السينما والحدائق، حوَّل عدد من المستهترين وسائل النقل العامة إلى أماكن للتحرش وإشباع رغباتهم الجنسية. فوسط عجز أغلب الفتيات عن الدفاع عن أنفسهن، وبحكم الظروف التي تمرّ بها البلاد وصعوبة اللجوء إلى القانون في مثل هذه الحالات (ليس لعجز القانون عن حمايتهن، وإنما بفعل بعض العوامل الاجتماعية)، يتشجَّع هؤلاء على التمادي أكثر، لدرجة أنهم أصبحوا لايعيرون هذه القوانين أهمية، إضافةً إلى أنهم باتوا ينتشرون بكثرة ليقوموا بهذه الأفعال، التي تتجاوز بدناءتها كلَّ المقاييس الأخلاقية والاجتماعية.
ومن ضمن الأوساط التي انتشر فيها عمل المتحرّشين «وسائلُ النقل العامة»؛ حيث يفضّل أغلب المواطنين ركوب وسائل النقل العامة، كونها أكثر أماناً، وبالتالي وجد كثير من المتحرشين في تلك الأماكن مكاناً سهلاً وسريعاً لأداء عملهم، دون وجود رقيب أو حسيب.
¶ ظاهرة مرضية..
في تعليقه على ظاهرة التحرّش التي تزداد خلال الأحداث التي تمرّ بها البلاد، عدّ الدكتور محمد العبد الله (أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق) التحرّش ظاهرة مرضية ولا يمكن اعتباره عادة اجتماعية، على الرغم من وجوده في جميع المجتمعات، سواء كانت متقدمة أم نامية.. مشيراً إلى أنَّ الأحداث الراهنة هيأت البلاد لتكون بيئة خصبة لوجود مثل هذه الظواهر، إضافةً إلى نقص الوعي وضعف الوازع الديني والأخلاقي؛ ما أدّى إلى وجود مثل هذه الظواهر، التي عادة ما ترتبط بجملة من العوامل، من أهمها معتبراً أنَّ العامل الاقتصادي لايقلّ شأناً على اعتبار أنَّ الفقر غالباً ما يكون اللاعب الأبرز في نشوء وانتشار العديد من الظواهر السيئة، ولاسيما المتعلقة بالنواحي الجنسية.
وعن باقي العوامل، أشار العبد الله إلى أن العامل التكنولوجي، من ناحيته، له دور كبير أيضاً في رواج هذه الظاهرة. فبرأي العبد الله، تساعد الأفلام الإباحية التي تنتشر بشكل منقطع النظير، إلى جانب المشاهد الساخنة في الدراما والكليبات، بشكل ملحوظ، في إثارة الغرائز الجنسية لدى كثير من الشباب؛ الأمر الذي يدفعهم إلى التصرّف بشكل غريزي، ودون تقدير للعواقب.
¶ ظاهرة مغلقة ومقلقة..
يوصّف استشاري الطب النفسي، الدكتور محمد سعيد العمادي، حالَ التحرش الجنسي بالأطفال أولاً، قائلاً: «إيذاء الأطفال جنسياً، ذكوراً أم إناثاً، ظاهرة شبه متكررة داخل مجتمعاتنا، ومغلقة، ومقلقة، ويلفّها الصمت والحذر والكتمان، وتصدم الذوق العام والحسّ السليم، وتذهلنا جميعاً حين ندرك أنَّ البالغين قد يتحرشون بالأطفال، أو يؤذونهم جنسياً». وبالنسبة إلى التحرش بالكبار، أشار العمادي، إلى أنَّ «هذه الظاهرة قديمة متجدّدة، نشطت خلال الأحداث التي تمرّ بها البلاد، ومن الممكن أن تكون آثارها خلال الأزمة مضاعفة أكثر، وذلك لسببين؛ الأول يتمثّل في غياب القانون، والثاني يتمثّل في الخوف من الأحداث التي تمرّ بها البلاد. وبالتالي تنتشر هذه الظاهرة وتكثر، وتتلوّن أشكالها، وتختلف الأماكن التي تتنشر فيها؛ بسبب ما فرضته الأزمة»، مضيفاً: «من الممكن أن تنشط ظاهرة التحرّش الجنسي بالكبار ضمن المناطق الآمنة كونها تكون غالباً مكتظة بالحركة، أو في وسائل النقل العامة. أما بالنسبة إلى المناطق المتوترة أمنياً، فمن الممكن أن يتطوّر الأمر، لتنتشر فيها حالات الاغتصاب، خاصةً للصغار».
¶ ذكرى مؤلمة..
فيما يخصّ الآثار النفسية والجسدية الممكنة الحدوث، تقول الدكتور نهاد طهماز، الاختصاصية في علم النفس: «إذا لاقت الفتاة أذى من ذكر، فهناك آثار جنسية بعيدة المدى، كالانحراف الجنسي (أي اهتزاز القيم الأخلاقية المرتبطة بالجنس)، والتفلّت الجنسي، والإباحية.. وقد يحدث العكس، كالعفة الزائدة، ورفض الزواج والعلاقة الجنسية الاعتيادية، نتيجة ارتباط الجرح النفسي بالموضوعات الجنسية. فبعض الفتيات عندما يكبرن يبتعدن مرضياً عن الرجل، مثل رفض الزواج، والتذرّع بمختلف الحجج، وتأخيره. ولايختلف الوضع كثيراً مع الذكور المُعتدى عليهم، أو المتحرَّش بهم. وقد يسبّب ذلك مقدّمة انحراف جنسي، وشذوذ مرضي، سواء تكرّرت الأفعال فترات طويلة، أم كانت مرة واحدة. ويمكن أن تصبح حادثة الإيذاء ذكرى مؤلمة ذات أبعاد خطرة تسبّب اضطرابات نفسية عدة، مثل الاكتئاب، والقلق، والرهاب الاجتماعي، والاضطربات الجسمية نفسية المنشأ (هيستريائية) والسلوك الإدماني».
¶ضريبة غياب العائلة..
تفتقر الإحصاءات الرسمية إلى أيّ مرجعية عن عدد النساء أو الأطفال المتحرّش بهم؛ كونها تفتقر أصلاً إلى قانون لحماية النساء والأطفال من التحرّش، كما تفتقر إلى خطة وطنية لحماية المرأة والطفل من هذه الأفعال، إضافةً إلى عدم وجود أيّ أرقام أو دلالات على حالات تحرش جنسي خلال الأحداث التي تمرّ بها البلاد، حسب قول الأستاذ مروان اللوجي (المحامي العام الأول في دمشق).. والسبب، حسب رأيه، يعود إلى الخوف من المجتمع في الدرجة الأولى، إضافةً إلى كثرة الأحداث خلال الأزمة التي تمرّ بها البلاد، وازدياد حالات الخطف والتهديد والقتل.
في حين تشير المحامية «خلود محمد» إلى أنَّ الوقائع الجنائية أكدت تزايد احتمالات تعرّض الأطفال والنساء إلى الاعتداءات والتحرشات الجنسية لحظة ابتعادهم عن عائلاتهم، إذ يستغل المعتدون (المغتصبون) غيابَ الأهل، أو إغفال رعاية أبنائهم، فينتهزون الفرصة لملامسة بعض أجزاء من أجساد الأطفال، وربما الاعتداء عليهم، وممارسة الأفعال المنافية للحشمة.. وبالنسبة إلى الفتيات، فمن الممكن أن تزداد هذه الظاهرة في الأماكن المزدحمة، أو عند وجود تجمعات للبنات في غياب للرجال.
¶عقوبة القانون..
توضح المحامية محمد أنَّ «القانون يجرّم المتحرّش بطفل جنسياً، ويفرض عليه الأشغال الشاقة المؤقتة، ودفع تعويض مناسب يحدّده القاضي، شرط ادعاء ولي الطفل، أو من له صلة شرعية به»، مضيفةً: «حسب قانون العقوبات العام، تكون عقوبة من جامع قاصراً لم يبلغ سن الـ15 الأشغال الشاقة المؤقتة مدة تسع سنوات، ولا تنقص العقوبة عن 15 عاماً إذا لم يكمل المعتدى عليه الـ12 وفق المادة 496. وإذا كان المتحرش بالطفل حدثاً يتراوح عمره بين 15 و18 عاماً، تخفّف العقوبة، ويوضع داخل معهد الأحداث 12 عاماً كحدّ أقصى. أما إذا كان المتحرش يعاني إعاقة عقلية، أو جنوناً، يثبته تقرير طبي، فتخفّف الأسباب أيضاً، ويوضع ضمن مأوى احترازي حتى يثبت شفاؤه». كما أشارت محمد إلى أنَّ العقوبة تشدّد إذا كان المعتدي أحد الأوصياء، أو ذا سلطة معنوية أو قانونية تطال الطفل، حيث تزداد العقوبة من الثلث حتى النصف، وأيضاً عند تكرار الفعل. وإذا قُتل الطفل عمداً بعد اغتصابه، فإن عقوبة الجاني الإعدام».
بالنسبة إلى التحرش اللفظي، أشارت محمد إلى أنَّ «القانون يجرم الفعل بعد التقدّم بشكوى بالحبس من يوم إلى أسبوع، أو بغرامة مالية من 100 إلى 300 ل.س. لكنَّ السبب الرئيس في عدم إيجاد حلول فعالة لهذه الظاهرة، يكمن، حسب قول المحامية محمد، في أنَّ أغلب المتعرّضين للتحرّش يخافون من تقديم البلاغ المناسب؛ ما يدفع الظاهرة إلى الانتشار أكثر، وتشتدّ خلال الأزمات، ومنها الأحداث التي تمرّ بها البلاد.
¶ آليات دفاعية..
من الطبيعي أن تخلق السلطة آليات حديثة، تستطيع المرأة استخدامها في مواجهة التحرش ضدّها، عبر وجود جهات مختصة، أو أرقام معينة للخدمة على مدار اليوم، أو حتى (على سبيل المثال) كما يحدث في إحدى الدول الأوروبية التي فرضت عقوبة تُقصي بموجبها الرجل إلى منطقة أخرى.
وفي تصوّره لمعالجة هذه الظاهرة، لفت العبد الله إلى أنَّ المشكلات دائماً تُحلّ انطلاقاً من الأسباب؛ فمعالجة الأسباب، من وجهة نظره، من الممكن لها أن تسيطر على هذه الظاهرة والحدّ منها، مؤكداً ضرورة تدعيم الوازع الأخلاقي، إضافةً إلى تنشيط دور الأسرة في تربية الأطفال على فضائل الأخلاق.
في حين وجد سكيف أنَّ الحلّ لا يمكن أن يكون بعيداً عن وجود الرقابة الشرطية ودور الجهات الأمنية المعنية خاصةً في المناطق المتوترة أمنياً، أو إيجاد حلول بديلة سريعة وفعالة.
وفي الوقت نفسه، أشارت الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل إلى أنَّ الأزمات تفرض دائماً اعتبارات مؤقتة خاصة، تتلاءم مع طبيعة الأزمة ومستواها. وفيما يخصّ الأزمة السورية، فإنَّ النساء يحتجن، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى حماية الدولة لهنّ، خاصةً عبر تشديد العقوبات على مرتكبي التحرّش ضدهن، أو ضدّ الأطفال.
أما الحلّ عند طهماز، فلا يمكن أن يكون إلا مؤسساتياً؛ إذ لا يمكن التعويل على الوعي الفردي وحده، أو حتى انتظار ما تقوم به الحملات التوعوية للإعلام، وإن كان دورها، حسب قول طهماز، مكملاً.
إيفين دوبا: بلدنا
إضافة تعليق جديد