الباحث اللبناني أمين حطيط يحاضر حول ترسيم الحدود وعزل لبنان
يشكل موضوع ترسيم الحدود بين سورية ولبنان مثار جدل واسع منذ صدور القرارين 1559 و1680 بتحريض من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ليس من أجل تحديد أو تظهير الحدود بل من أجل استخدام ذلك وسيلة ضغط على سورية لدفعها للاستجابة إلى مطالب الإدارة الأميركية.
ولأن هذا الموضوع يثير المزيد من اللغط وبات موضوع تجاذب وسجال شبه يومي حتى إن مجلس الأمن وبضغط أميركي أصدر قراراً خاصاً في هذا الموضوع رغم مخالفته للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة, فقد شكل محور اهتمام العميد الركن أمين حطيط الذي كان رئيس اللجنة المكلفة بترسيم الحدود بعد الانسحاب الاسرائيلي عام الفين, حيث ولمناسبة عيد المقاومة والتحرير حاضر في ندوة أقيمت في قاعدة النهضة ببيروت بدعوة من الحزب السوري القومي الاجتماعي تحت عنوان (حدود لبنان بين ترسيم للتحرير وترسيم للانعزال).
بداية تحدث حطيط عن أسباب عودة لبنان ليحتل مكاناً أساسياً في دائرة الاهتمام الغربي ورأى أن علة ذلك هي ما يستجمع من مزايا الجغرافيا والديمغرافيا والفكر والطموح وهو (لبنان) قائم على بوابة منطقة في العالم القديم تميزت بخصائص قل أن تتوفر في سواها: تقاطع قارات ثلاث, مهد الأديان السماوية, منطقة التبادل الفكري بين مختلف الفلسفات والعقائد والأفكار قديمها وجديدها, ثم مستودع الاحتياط العالمي للطاقة, إنها منطقة الشرق الأوسط التي جعلتها جغرافيتها السياسية مسرحاً للصراع بين كل من طمع بموقع ونفوذ أو سيطرة أو حتى بناء امبراطوريته في العالم.
نشأة لبنان كنظام غير مستقر وأهدافه:
وحول كيفية نشأة لبنان يقول العميد حطيط: لبنان الذي نشأ كدولةفي العام ,1920بيد فرنسية,, صيغ له في البدء نظام لا يتسق مع أي نظام معروف في الفكر الدستوري حيث جاء العنوان خلافاً للمضمون, والممارسة خلافاً للأمرين معاً ما تسبب في وضع يفتقر إلى عوامل الاستقرار لأن استقراره كما يبدو لم يكن مرغوباً به, وكذلك استقلاله الحقيقي, لذا لم يقيض له أن يمتلك من قراره إلا ما يحفظ سيطرة الطبقة السياسيةالتي تعاقبت على حكمه وراثياً بغلاف ديمقراطي خدمة للهدف الذي من أجله أنشىء, طبقة سياسية رأت أن قوة لبنان في ضعفه بغية تبرير ارتهان قرارها للخارج وتبعيتها له.
ورأى العميد حطيط: أن التغيير الجذري في البنية اللبنانية حصل عندما جاءت اسرائيل لتفرض سيطرتها على الجميع إلى الحد الذي استطاعت أن تنصب فيه رئيساً للجمهورية (عام 1982) إذ انبرت فئات من الشعب اللبناني لكسر القيد ورفض الواقع المفروض قهراً في أساسه وافرازاته, فئات امتلكت يومياً قرارها فترجمته مقاومة هزمت أعتى الدول العدوانية في العصر الحديث: اسرائيل التي شاءها الغرب قاعدته العسكرية لنجاح مشروعه, فأثبت المقاوم اللبناني أن اسرائيل كيان واهن تفله إرادة طلاب الحرية والتحرير.
بهذه المقاومة خرج لبنان عن الدور المرسوم, وكان لا بد من التأديب, تأديب اختيرت وسيلته من غير طبيعة الوسائل التي هزمت اسرائيل بها, إذ رغم التفوق في القدرات العسكرية بالمقياس العلمي التقليدي اختار الغرب طريق الرد على الهزيمة بعمل دبلوماسي يستمد من الاحتيال على القانون الدولي ومن الفوضى الهدامة والقتل الارهابي والتخريب المبرمج, أنها عناصر الهجوم الغربي الاسرائيلي لتعويض الفشل في لبنان والاقتصاص من المقاومين بمختلف مستوياتهم ومواقعهم.
وقال: إذا كان الشكل الراهن من الرد تمثل بالقرار 1559 الذي يهدف إلى تغيير وجهة الحكم في لبنان وتجريد المقاومة من سلاحها وعزل لبنان عن سورية, فكانت المحاولة الدولية الأولى لسرقة النجاح من يد المقاومين واليوم نعيش المحاولة الثانية وفيها العقاب مترافقاً مع نية اجهاض النصر السابق فكانت المحاولة الأولى من بوابة مسألة حدود لبنان مع فلسطين المحتلة والثانية حدود لبنان المفروضة على سورية والتي يراد لها أن تكون قيوداً للشقيق وعزلة للذات.
1- محاولة تعويض الهزيمة الاسرائيلية من باب تعديل الحدود عام ألفين
يوضح العميد أمين حطيط أن اسرائيل التي انكرت القرار 425 هي ذاتها التي طلبت من الأمم المتحدة تنفيذ هذا القرار لتخرج من لبنان في العام الفين بعد أن اعترفت بهزيمتها, وقد سارعت الأمم المتحدة إلى تلبية طلب اسرائيل علها تحفظ لها شيئاً من الأهداف التي كانت تطمح إلى تحقيقها باحتلالها للجنوب واعتداءاتها عليه.. إلا أن الأمم المتحدة لم تنطلق من نص القرار 425 وروحه, أي إعادة أرض لبنان كل الأرض إلى السيادة اللبنانية وفقاً للحدود الدولية, ولو تم ذلك لكان اضاع على اسرائيل تحقيق هدفين:
- إعادة النظر في خط الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة بحيث تتجاوز ما فيه من نتوءات وتعرجات أو نقاط في أعماق الأودية لتجعله خطاً مستقيماً قدر الإمكان تجمع به رؤوس القمم بشكل يؤمن لها مزايا عسكرية هامة في الأعمال العدوانية كما وفي التمركز الدفاعي.
- الاحتفاظ بورقة ميدانية تلزم لبنان في الدخول معها في تفاوض تحتاجه اسرائيل لفرض شروط وإملاءات عليه وهي: توطين الفلسطينيين على أرضه, وتقاسم مياهه في الجنوب معها, والقبول بدور جيوسياسي في الشرق الأوسط تحدده هي له بما لا يتناقض مع المشروع الغربي العام ومع الوظيفة الاسرائيلية بشكل خاص.
واستعرض حطيط كيفية بدء الأمم المتحدة عملها المستجيب لاسرائيل بدءاً من تأليف لجنة مركبة (سياسية, قانونية, عسكرية وطبوغرافية), اسندت رئاستها إلى السفير تيري رود لارسن مهندس اتفاق اوسلو,وانتهاء بإقدام اللجنة على صياغة الرغبات الاسرائيلية في مشروعها التحضيري وجاءت على وجهين:
الأول: رسم خط مغاير للحدود الدولية يكرس مطالب اسرائيل في التعديل وسمي خط الانسحاب واعتبرته اسرائىل خط الحدود الجديدة, وبررت الأمم المتحدة فعلها بالقول أن ذلك هو أفضل ما توصلت إليه بالاعتماد على الوسائل المتاحة لكن هذا كلام يجافي الحقيقة لأن خريطة بوليه نيوكمب(اتفاقية سنة 1923) مودعة لدى الأمم المتحدة مرفقة بالاحداثيات ومؤكداً عليها بملفنا المرفوع في نيسان عام ألفين.
الثاني: اقتطاع مزارع شبعا والحاقها بمنطقة الصلاحية العملانية للاندوف (قوات الفصل في الجولان السوري المحتل) وفي ذلك تجاوز للاثبات اللبناني للبنانيتها, وهو اثبات مدعوم سورياً بشكل قطعي ومستجيب لكل قواعد القانون الدولي العام.
وأكد الحطيط: أن لبنان رفض الموقف الدولي رفضاً لم يكن منطلقه رفض الخضوع لمطالب اسرائىل المهزومة وإملاءاتها فحسب, بل أيضاً موقف يدرج في سياق استكمال التحرير, لأننا رأينا أن التمسك بخط حدودي أكد عليه باتفاقية هدنة وقعت مع العدو بعد الاغتصاب الصهيوني لفلسطين هو تمسك بحق وطني قومي يمنع اغتصاب أرض عربية جديدة, وهو أمرنراه واجباً يندرج في مسار التحرير.
لقد رفضنا الموقف ا لدولي حتى لا يكون شريط قرى سبع جديدة يضاف إلى ما اقتطع من لبنان عام 1918 ليعطى لاحقاً لاسرائيل. أما في مزارع شبعا فالوضع كان أكثر تعقيداً إذ فضلاً عن ارادتنا في استكمال التحرير فإن الرفض كان رفضنا للدخول في مفاوضات لتحرير أرض محتلة لا يكون ثمناً لتحريرها إلا اتفاقية اذعان كما هو تاريخ مفاوضات العرب مع اسرائيل.
2- ترسيم الحدود مع سورية مسار فتنة وترسيخ شقاق ونزاع:
ويضيف العميد حطيط قائلاً: وإذا كانت حرب الرد على الهزيمة متشعبة الميادين وارسيت عناوينها بالقرار 1559 فإن ما يستوقفنا منها وجه أو معركة من معاركها وهو ترسيم الحدود مع سورية الذي يشغل العالم اليوم إلى الحد الذي جعل مجلس الأمن المحكوم أميركياً يخرج عن القانون الدولي ويتدخل في هذا الشأن خلافاً لقواعد هذا القانون ويأتينا بقرار بدعة مستهجن (القرار 1680) ثم يزيد استهجاننا عندما نقرأ في القرار عبارة (الحوار الوطني اللبناني) تتكرر أربع مرات من مقدمة القرار إلى متنه مرفقة بالتأييد والدعم والتشجيع من مجلس الأمن وطبعاً لم ينس القرار الإشارة إلى كلمة رئيس الوزراء اللبناني أمامه والمطالبة بترسيم الحدود مع سورية وللعلاقات الندية معها والدبلوماسية أيضاً..
وهنا لا بد لي من أن ألفت غلاة السيادة اللبنانية إلى أن مجلس الأمن لم يذكر حوارهم ويستند إليه في هذا الإقرار إلا أنه يدرك أنه اقتحم مجالاً خارج صلاحيته ويريد أن يلقي بالمسؤولية على اللبنانيين أنفسهم في ذلك, فيعطيهم رقم قرار ثم يفرغ القرار من مضمونه عندما يذكر في المتن أن الأمر يبقى من صلاحية الدول واتفاقاتها الثنائية القائمة على الرضا المتبادل, إنه قرار لا فعالية قانونية له سوى أنه يعقد العلاقات اللبنانية السورية حتى يفسح المجال لتدخل لاحق يحضر له فيكون قراراً تمهيدياً لقرارات ضغط لاحقة ضد سورية.
ويخلص العميد حطيط إلى القول: إن الأميركي لا يريد الترسيم بذاته لكنه يريد البقاء ممسكاً ملفات يستطيع أن يضغط بها على سورية اليوم لتستجيب إلى مطالب يريدها خدمة لهجومه في الشرق الأوسط الكبير وفي طليعتها نزع سلاح المقاومة, ولن يترك العلاقة الثنائية بين لبنان وسورية تعود إلى ما يجب أن تكون عليه, بل سيبقى عاملاً على اختلاق الخلاف وتغذيته بين البلدين لأن الترسيم إذا اريد له أن يحصل من وجهة نظر الغرب لن يتم إلا في ظروف من الاحتقان والعداء بين البلدين.
ما يجعل كل طرف متشدداً في مقابل الآخر وهو ما يريده الأميركي بالضبط, ليطرح عندها مسائل يخفيها الآن لن يكون أقلها التحكيم أو محكمة دولية لفض النزاع, يليها فرض قوات دولية لتحرس الحدود, وقد تكون أميركية في أساسها,وقد يلجأ إلى الاستجابة لرغبة احد السياسيين اللبنانيين بتلغيم الحدود,ونسأل لماذا?والجواب يكمن في تهيئة الظروف لإقامة القاعدة العسكرية الأميركية الكبرى الجديدة القادمة إلى الشرق الأوسط و التي يكون لبنان مكانها القاعدة التي يقال إن الرئيس رفيق الحريري رفضها قبل اغتياله ما جعل البعض يقولون إنه ذهب ضحيتها...
إنه ترسيم سيكون اذن للفصل بين الدولتين فيحاصر لبنان ويعزل المقاومة ثم يرسي نظام أمن غربي يؤمن الأمن للقاعدة الأميركية التي يكثر اليوم الزوار الأميركيون لاستطلاع ظروف انشائها,وظروف يقع في صلبها موضوع عزل لبنان عن سورية ليختنق لبنان وينتظر بعد ذلك الدول المانحة تتعطف عليه بدفع رواتب موظفيه..
ورغم أن المشروع الأميركي عندنا بان فشله وأن منفذيه المحليين لمسوا عجزهم فإن ما خلفه وما سيخلفه فيه خطر كبير على علاقة الشعبين,فالأميركي وجمعه زائلون قطعا,والشعب اللبناني السوري باق حتما فلنبقيه في ود و وئام ولا نلجأ إلى عمل يقطع الأوصال ولنتذكر أن ترسيما من أجل التحرير أمر فاخرنا ونفاخر به,وهو نقيض ترسيم يرد علينا به ليكون من أجل الانعزال..
حسن حردان
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد