الانتخابات اللبنانية تعيد إنتاج مجلس الانقسام الأهلي!
انجلى غبار المعركة الانتخابية قرابة الثانية فجراً عن فوز فريق 14 آذار على المعارضة، بنتيجة 70 مقابل 58 نائباً، وهي نتيجة تستنسخ مجلس الانقسام الوطني القديم الذي أعادت صناديق الاقتراع إنتاجه، بعد أربع سنوات من التأزم الوطني المفتوح، وعلى وقع مفاجآت مدوية، لعل أشدها دوياً كانت مفاجأة قضاء زحلة حيـث سـجلت الموالاة فوزاً سـاحقاً 7 ـ 0 وثانيها مفاجأة بيروت الأولى حيث سجلت الموالاة فوزاً كاملاً خمسة صفر، وكذلك الأمر في الكورة حيث فاز فريق الموالاة بالمقاعد الثلاثة كلها.
ولعل أكثر المتفائلين في الموالاة وأكثر المتشائمين في المعارضة ما كانوا يتوقعون مثل هذه الحصيلة التي ستخصع ابتداءً من اليوم الى قراءة دقيقة، وخصوصاً من قبل الفريق الخاسر، لمعرفة اسبابها وتداعياتها اللاحقة، لا سيما ان النتائج جاءت مخالفة للكثير من التوقعات والتقديرات التي كانت تملكها المعارضة.
ومن الواضح ان قوى الموالاة تمكنت من رفع نسبة المشاركة بصورة قياسية لصالحها، ويبدو ان المغتربين شكلوا ما يشبة «القوة الضاربة» التي نجحت في إحداث الفارق النوعي مع المعارضة، كما ان «الصوت السني» شارك بطاقته القصوى في العملية الانتخابية وبالتالي ساهم مساهمة فعالة في حسم المعركة في العديد من الدوائر، وخصوصاً في دائرتي زحلة والبقاع الغربي ـ راشيا.
ونجح خطاب الموالاة في دغدغة مشاعر شريحة واسعة من الناخبين، خاصة المترددين في الساحة المسيحية بعدما استخدم في لعبة الدعاية والتسويق شعارات براقة، الأمر الذي ينبغي ان يحرض المعارضة على إجراء مراجعة نقدية لطريقة خوضها الانتخابات ولكيفية ترويج أفكارها، بغية تحديد مكامن الخلل والحلقة المفقودة في حملتها الانتخابية.
وإذا كانت المعارضة ككل قد خسرت الانتخابات، إلا ان التدقيق في التفاصيل يبين ان العماد عون ما زال زعيماً مسيحياً قوياً، بعدما تمكن من الحصول على الأكثرية في جبل لبنان الذي يشكل العمق الحيوي والاستراتيجي للمسيحيين، كما ان الوزير سليمان فرنجية استطاع انتزاع التمثيل النيابي لقضاء زغرتا من فريق 14 آذار، ليفرض ذاته رقماً صعباً لا يمكن تجاهله.
وبدءاً من اليوم، وبموازاة الإعلان الرسمي عن النتائج، سيبدأ تدفق الأسئلة الصعبة حول «اليوم الآخر»، وطبيعة المرحلة المقبلة، ومن بين هذه الأسئلة:
كيف ستتعامل المعارضة مع خسارتها وهل ستتقبلها بروح رياضية وتعترف بتبعاتها على المستويين السياسي والدستوري؟
كيف سيتعاطى فريق 14 آذار مع فوزه، وهل سيكون متواضعاً في التعبير عنه، وبأي طريقة سيصرفه في السياسة، في ضوء تجربته السابقة ودروسها؟
أي حكومة ستولد من رحم الانتخابات، وهل ستتمسك المعارضة بمطلب الثلث الضامن وستصر الموالاة على رفض منحها إياه، وبالتالي هل نقف منذ الآن على عتبة أزمة حكم جديدة؟
من سيكون رئيس الحكومة المقبلة: سعد الحريري الذي انتظر طويلاً هذه اللحظة ليدخل الى السرايا من بوابتها العريضة ام الرئيس فؤاد السنيورة الذي اكتسب للمرة الأولى شرعية شعبية من خلال فوزه في صيدا وربما ما زال يحظى بغطاء إقليمي ودولي لدور متجدد؟ أم نجيب ميقاتي الذي يمكن أن يشكل بانضمامه الى الكتلة الوسطية بيضة القبان بين الكتلتين الموالية والمعارضة؟
اي وضعية ستكون لرئيس الجمهورية بدءاً من 8حزيران وهو الذي خسر معركتي جبيل وكسروان، برسوب ناظم الخوري ومنصور غانم البون، والأهم انه خسر ثقة المعارضة؟ وأي موقع سيحصل عليه في معادلة الحكومة المقبلة، في ظل دعوة بعض اقطاب 14 آذار الى منحه هو الثلث الضامن، وهل يستجاب الى دعوة العماد عون الى جعل هذا الاقتراح جزءاً لا يتجزأ من الدستور؟
اين دمشق والرياض وطهران من الخارطة النيابية والسياسية التي افرزتها صناديق الاقتراع وكيف ستتعامل هذه العواصم مع النتائج وخاصة الرياض ودمشق؟
هل يمكن أن يكون مشروع الكتلة الوسطية هو المخرج، وهل من الممكن أن يكون انضمام الرئيس نبيه بري اليه مع حليفه وصديقه وليد جنبلاط هو المخرج، وهل من الممكن أن ينضم اليهم آخرون من الموالاة والمعارضة وما بينهما، ليصبحوا هم الأكثرية الوازنة في المجلس النيابي الجديد؟
وبعيداً عن الحسابات السياسية، يمكن القول من الناحية العملية ان اللبنانيين تجاوزوا بنجاح واحدة من أكثر الانتخابات النيابية اللبنانية إثارة للجدل واستقطاباً للاهتمام الدولي، وقدموا نموذجاً حضارياً وديموقراطياً في التعبير عن الرأي، ولو تحت سقف الخيارات الضيقة التي يتيحها قانون الانتخاب لعام 1960 والمبني على قاعدة القضاء دائرة انتخابية وبالتالي قانون استعادة العصبيات الطائفية والمذهبية والعائلية.
وإذا كانت التعبئة السياسية والمذهبية على مدى أربع سنوات قد شكلت حافزاً للناخبين كي يقبلوا على التصويت بمعدل كبير، تبعاً لطبيعة انتماءاتهم وعصبياتهم، إلا انه يجدر التسجيل ان عمليات الاقتراع تمت بهدوء وانتظام، الى حد كبير، وبشهادة المراقبين الدوليين.
وبمعزل عن الهوية السياسية للفريق الرابح في الانتخابات، فإن الأكيد ان وزير الداخلية زياد بارود هو الفائز الأول نتيجة نجاحه في تنظيم انتخابات قد تكون الأفضل منذ عقود طويلة، برغم ما شابها من بطء في عمليات التصويت، وخصوصاً في ساعات الصباح الاولى، نتيجة النقص في أقلام الاقتراع قياساً الى حجم المشاركة الكثيفة، قبل ان يتم استدراك هذه الثغرة لاحقاً من خلال زيادة عدد المعازل والسماح بدخول ثلاثة ناخبين دفعة واحدة الى قلم الاقتراع، علماً بأن بارود اوضح ان تحديد عدد الأقلام جرى بناءً على ما هو متوافر من العناصر الامنية.
كما أن النجاح يوضع في خانة المؤسسة العسكرية ومؤسسة قوى الأمن الداخلي نظراً للدور الكبير الذي أنيط بهما، خاصة أن العملية الانتخابية في يوم واحد كانت بالنسبة الى كثيرين نوعاً من المغامرة..
وما عدا ذلك، يمكن القول إن الانتخابات سارت بسلاسة وحيوية، وأما أبرز سماتها فهي كالآتي:
ـ نسبة مشاركة مرتفعة جداً في غالبية الدوائر، وخصوصاً الساخنة منها، بلغت كمعدل وسطي 54,8في المئة (مقابل 46,8 في انتخابات 2005)، في ما بدا انه انعكاس لحالة الاستنفار والتعبئة لدى الطوائف والقوى السياسية على مدى السنوات الأربع الماضية والتي بلغت خلال الاشهر الاخيرة ذروتها.
ـ المعارك الانتخــابية الأشد عـــنفاً جرت في الدوائر المسيحية وهذا ما عبرت عنه نسب الاقتراع العالية لدى المسيحيين.
ـ شكل الصوت السني عاملاً حاسماً في تحديد وجهة بعض الدوائر، كما حصل في زحلة حيث صنع المقترعون السنة الذين تجاوز عددهم الـ27 ألفاً الفارق مع لائحة الكتلة الشعبية.
ـ برغم انتفاء شروط المعركة في الجنوب وبعلبك - الهرمل، غير انه سجل معدل مشاركة مرتفع من قبل الناخبين في هاتين المنطقتين، تجاوباً مع دعوة حزب الله وحركة أمل الى الاستفتاء على خيار المقاومة.
ـ انعكس تفاهم الدوحة استرخاءً في دائرة بيروت الثانية التي بلغت نسبة الاقتراع فيها 29 في المئة.
ـ تدفق اغترابي غير مسبوق على الدوائر الحامية، ترجمة للجهد الاستثنائي الذي بذله فريقا الموالاة والمعارضة من أجل رفد جبهاتهم الانتخابية بأوسع شريحة ممكنة من المغتربين لتحسين فرص الفوز.
ـ الحضور الأرمني كان كثيفاً وفاعلاً في العملية الانتخابية وخاصة في المتن الشمالي وبيروت الأولى.
ـ المناخ الأمني كان هادئاً ولم تقع إلا إشكالات محدودة جرى تطويقها بسرعة بفعل الخطة الأمنية المحكمة التي نفذها الجيش وقوى الامن الداخلي.
ـ تجربة إجراء الانتخابات في يوم واحد كانت مقبولة، مع الأخذ بعين الاعتبار انها تتم للمرة الاولى.
النتائج
وحسب النتائج غير الرسمية للماكينات الانتخابية، سجلت الارقام في الدوائر التي لم تكن محسومة وفق الأتي:
زحلة: 7- 0 لصالح لائحة 14آذار.
بيروت الاولى: 5 - 0 لصالح لائحة 14آذار.
المتن الشمالي: 7 ـ 1 لصالح المعارضة، (قال المرشح سامي الجميل عند الثانية والنصف فجراً إنه خرق لائحة المعارضة مع حليفه ميشال المر لكن ماكينة التيار الحر نفت ذلك).
البقاع الغربي وراشيا: 6 - 0 لصالح لائحة 14 آذار.
البترون: 2 - 0 لصالح لائحة 14آذار.
الكورة: 3 - 0 لصالح لائحة 14آذار.
صيدا: 2 - 0 لصالح لائحة 14آذار.
زغرتا: 3 - 0 لصالح لائحة المعارضة.
كسروان: 5 ـ 0 لصالح لائحة المعارضة.
جبيل: 3 - 0 لصالح لائحة المعارضة.
بعبدا: 6 - 0 لصالح لائحة المعارضة.
بيروت الثانية: 2 للموالاة - 2 للمعارضة.
وأكد النائب سعد الحريري خلال احتفال أقيم في قريطم قرابة الواحدة فجراً أن الرابح الكبير في الانتخابات هو الديموقراطية ولبنان، وشدد على أن الطريق أمامنا صعبة وطويلة والمخاطر الأمنية والاقتصادية والإقليمية حقيقية وماثلة، ودعا الى الترفع فوق الجراح وأن لا نبقى اسرى شعارات المرحلة الانتخابية، ودعا أنصاره أن يكــون نصر المـــوالاة راقــياً والى عدم الانجرار الى أي استفزاز، كما دعا الى إزالة كل الشعـــارات والصور الانتخابية بدءاً من اليوم.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد