الأروقة الإسرائيلية تضج بسوريا:المصلحة في إدامة الاقتتال الداخلي أو إسقاط النظام؟
أكثرت الصحافة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة من تناول الصراع في سوريا، وما ينبغي للدولة العبرية فعله، خصوصاً بعد إحراج الإدارة الأميركية بأمر استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية. وكان معلقون كثر قد أشاروا إلى أن الارتباك الأميركي في التعاطي مع «الخط الأحمر» الموضوع أمام استخدام السلاح الكيميائي يمكن أن يشير إلى الخطوط الحمراء الموضوعة أمام النووي الإيراني. ولكن الأمر لم يعد قصراً على التعليقات ولا على التسريبات، بل صارت المواقف أكثر رسمية من السابق.
وقد عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمس الأول، اجتماعاً خاصاً للمجلس الأمني المصغر للتداول في الشأن السوري استمر أربع ساعات. ولاحظ معلقون أن هذا أول اجتماع رسمي منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة للبحث في سوريا ما بعد الرئيس بشار الأسد. وقد عرضت في الاجتماع التقديرات الاستخبارية، وكذلك ما يوصف في إسرائيل بأنه الخطوط الحمراء، سواء ما تعلق منها بانتقال أسلحة كيميائية أو متطورة إلى «حزب الله» أو غيره من المنظمات. كذلك جرت محاولة لبلورة موقف من الجماعات المختلفة في سوريا، ومناقشة الموقف الواجب على إسرائيل اتخاذه من محاولات الغرب تسليح المعارضة السورية.
وبدا أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مختلفة في ذاتها بشأن العمل في سوريا. فأحد الأجهزة يعتقد أنه لا ينبغي الانشغال بالشأن السوري والتركيز على المشروع النووي الإيراني. وفي نظر هذا الجهاز إذا سقط نظام الأسد فسيتلقى محور إيران ـ سوريا ـ «حزب الله» ضربة قاتلة تخدم معالجة أمر النووي الإيراني. لكن جهاز استخبارات إسرائيلي آخر وجّه الأنظار، وفقاً لصحيفة «معاريف»، إلى الحدود بين إسرائيل وسوريا، وليس إلى الشأن الإيراني. وبحسب تقدير هذا الجهاز، فإن إسقاط نظام الأسد سيقود إلى الفوضى، وتفكك الحكم المركزي، وحينها ستتركز منظمات المعارضة على الحدود مع إسرائيل، وستنفذ عمليات ضدها. ولذلك يرى هذا الجهاز أنه من الأفضل لإسرائيل أن تواصل الأطراف الاقتتال وتستنزف نفسها، ويجب تركها هكذا من دون إزعاج.
ويرى المؤيدون للمساعدة في التخلص من الأسد، أنه مع انهيار النظام ينتهي خطر الجيش السوري على إسرائيل. وسيضعف «حزب الله» جداً، وستتضرر قدرة إيران على الرد في حال هجوم إسرائيلي. أما التقدير المعارض لإسقاط الأسد فيرى أن المعركة بين الجيش السوري والمعارضين ستضعف أيضاً الخطر على إسرائيل، وإذا بقي الأسد فإن المنظمات الإسلامية المتطرفة، بما فيها المتماثلة مع «القاعدة»، ستشغله وتنشغل بجيشه. وما داموا مشغولين ضد الأسد، فإن الحدود ستبقى هادئة.
وأشارت «معاريف» إلى أن موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية غير واضح حتى الآن، فهو من ناحية يخشى من تسليح الدول الغربية للمعارضين بشكل قد يحسم المعركة ضد الأسد، ونتنياهو يسعى للتأكد من أن الجماعات التي ستتسلح ستتعاون مع الغرب في توفير حل سياسي. وكان تحقيق قد نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قد أظهر أن غالبية الجماعات المسلحة ذات ميول إسلامية، ولا تحمل قيماً غربية. ولكن ليس واضحاً، إذا كان نتنياهو يؤيد التدخل العسكري الغربي في سوريا، الأمر الذي قد يشعل حرباً إقليمية، ويصرف الأنظار عن الخطر الإيراني.
وكان رئيس الموساد السابق الجنرال مئير داغان قد أعلن في مؤتمر «جيروزاليم بوست» السنوي في نيويورك أمس الأول، أن سوريا لا تشكل خطراً أمنياً على إسرائيل، وأن السوريين منشغلون في «مشاكلهم الداخلية». ومع ذلك، طالب داغان إسرائيل بفعل كل ما بوسعها من أجل إسقاط نظام الأسد. وأشار إلى أن «إسقاط الأسد عن الحكم واجب أخلاقي، ويخدم إسرائيل من ناحية استراتيجية»، إذ أنه يفكك الصلة مع إيران و«حزب الله»، ويضعف مكانة طهران الإقليمية. وأضاف أن كل إسرائيلي، خصوصاً الناجين من المحرقة النازية، لا يمكنهم السكوت إزاء نظام يقتل المدنيين. وشدد على أنه لا ينبغي أن تُفرط إسرائيل في مخاوفها من إسقاط الأسد وحلول نظام إسلامي معاد مكانه. ورأى أن السعودية ودولا خليجية أخرى ستعمل على أن يكون خلفاء الأسد معتدلين.
عموماً لاحظ المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل، أن خلف الخلاف القائم بين أميركا ودول أخرى بشأن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا خوفاً حقيقياً أميركياً من التدخل في الحرب الأهلية. وأميركا ليست خائفة تحديداً من عواقب محتملة ضد السلاح الكيميائي، وإنما من الصعوبات في تنفيذ المهمة ذاتها. وأشار إلى أن إسرائيل نفسها غير معنية بعملية واسعة في سوريا، وأنها إذا اضطرت فستعمل على نطاق ضيق. وهذا يسري على الأميركيين أيضاً، الذين يستعدون لسيناريوهات السيطرة على مخازن السلاح الكيميائي في سوريا عبر وحدات كوماندو صغيرة، فضلاً عن التركيز على المعلومات الاستخبارية. ولاحظ هارئيل أن أميركا غير متحمسة لأي عمل عسكري جديد في سوريا، وهو ما يحبط إسرائيل من توقع أي عمل لاحقاً ضد إيران.
عموماً، شدد هارئيل على أن الأميركيين لا يوهمون أنفسهم بأن العمل يمكن أن يقتصر فقط على المواقع الكيميائية، ولذلك فإنهم يستعدون على نطاق أوسع. وقد تداولت الأخبار نشر طليعة أميركية من 200 شخص في الأردن. وقال إن هذه هي طليعة فرقة مدرعة، وأن نشر الخبر أثار عاصفة انتقادات واحتجاجات في الأردن.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد