اساطير سعد يكن في الـ«آرت هاوس»

24-03-2008

اساطير سعد يكن في الـ«آرت هاوس»

كتب الإنسان حكاياته ومازال يكتب عن بحثه المستمر عن المعرفة وتوقه إلى المغامرة وحنينه المتطلع إلى كشف الستار عن المجهول، وأوراق ألف ليلة وليلة واحدة من إنجازاته التي مازالت تقرأ في أرجاء العالم المسحور ببريق الليالي، وهي تشحن الروح وتغني الخيال، وتدفع بأهل القلم والريشة والعدسة ليعيدوا تصوير تلك الأوراق المفتوحة على عالم كان لتكون له فرصة القيامة في كل الأزمان. 
 سعد يكن، الابن الوفي للذاكرة الجمعية التي لم تكن شرقية ولا غربية، هجم بريشته ورؤيته على ماضي الحكايات ليجعل منها حاضراً سيكون مستقبلاً، فكأنما يضعنا في مسيرة التواصل بين كل الأزمان.. هذا ما كتبه الروائي وليد إخلاصي عن معرض الفنان سعد يكن الذي أقامه في غاليري آرت هاوس تحت عنوان ألف ليلة وليلة حيث استعاد من خلال هذا المعرض روح القصص وبعضا من حالاتها محاولا أن يعيد صياغتها وفقا لوجهة نظره ولرؤيته الفنية بعيدا عن الحدث نفسه وخاصة أنه في كل مرة يختار موضوعا ويشتغل عليه كتابة ورسما ليتخذه محورا لمرحلة من تجربته الفنية، فبعد نساء والطوفان وأيقونة حلبية حديثة يأتي اليوم بألف ليلة وليلة محاولا من خلاله أن ينقل لنا أبطال تلك القصص وفقا لما يراها فمثلا صور شهرزاد الصباح وكأنها نسمة لعوب أرادت أن تحول معرفتها إلى حكايات خرافية تلامس حياة الشعوب وملوكها وقد أضاف عنها سعد يكن في كتابه أنه يقال عن شهرزاد إنها ولدت من زهرة، ويقال إنها جاءت من الصخر... نسمة لعوباً صارمة، كما صورها على أنها أشبه بالورقة التي لا تضاهى، تلك المرأة التي جعلت من معرفتها قصصاً وحكايات شعبية تربط الخرافة بالسحر والحيوانات بالأساطير والمغامرات بالأبطال الكواسر، كل ذلك في سبيل تقديم حكايات تحمل في طياتها بساطة استطاعت أن تؤكد حضورها عبر الأجيال لتصير ألف ليلة... وفعلا استطاع سعد يكن أن يصورها كرمز للشرق وللترف والمجون في لوحاته حيث جعل ياسمينة تحتل جزءا من شعرها، وفستانا شفافا يلف جسدها كما أنه حاول إبراز مفاتن جسدها الجميل بواسطة أسلوبه الخاص وبصمته الفريدة ولاسيما أنه يبتكر شخوصه الغريبة من خلال اختصار بعض التفاصيل والتركيز على الخط بشكل أكثر، هذا عدا المعالجة اللونية القوية التي أكسبت اللوحات روح الحكاية فمثلا في لوحة العفريت والصياد جعل لون العفريت أخضر مائلا إلى الاصفرار وبوجوه عديدة وقد بدت ملامح المفاجأة والخوف على الصياد هذا عدا العناصر الأخرى المكملة لروح الحكاية كالأسماك التي تجول في البحر، وفي لوحة الجارية والسياف جعل من السياف رجلاً ضخماً يجلس على كرسيه منتظراً تلك الجارية ليعذبها ويقتلها في النهاية أما الجارية فقد صورها باللون الأحمر، وعدد من الحراس يجرونها إليه في حين صور شهريار في لوحاته على أنه ملك ورجل قوي يتصف بالعظمة والقوة وفي الوقت نفسه بالضعف حين أبرزه في لوحات أخرى وهو يميل إلى شهرزاد وهي تحاول أن تخفف من همومه كي تتخلص من سجنها عبر الاحتيال الودي الذي كانت تسرده من خلال الحكايات الأسطورية، في حين أضاف عنه في ذلك الكتاب الذي صدر بمناسبة المعرض شيئاً آخر حيث قال: شهريار جاء من بلد رسمت في الذاكرة أحلى ألوان المآسي والمغامرات، بلاد تمتد من الإنسان إلى الإنسان حاملة معها صور الجن وغرابة السحر.... وأضاف: شهريار كان صارما في رغبة الطفل وحادا كنسمة الفراشة، كان يبحث عن أحلامه في حكايات تمد له يد العون..
واحتلت الشخصيات الأخرى من الحكاية موقعا هاما من المعرض كلوحة الحمال والبنات الثلاث والتي عاد فيها إلى قصته حيث صوره كرجل حالم تطوف ثلاث فتيات حوله وقد ظهرن فجأة من البحر وهن يقدمن له المدام والحب، كما صور أيضاً حمام النساء من خلال لوحة جعل فيها النسوة يرتدين وشاحا بنفسجيا يميل إلى الأزرق محاولا أن يضع المتلقي في الجو العام لهذه اللوحة من خلال مفردات تشكيلية أخرى كالقبقاب والإناء الذي يحملن فيه الماء وفي لوحة السبايا حاول أن يصورهن وهن يرتدين الوشاح الأحمر الذي يبرز أيضاً مفاتن أجسادهن هذا عدا لوحاته الأخرى التي تصور شهرزاد والملك في أحوال عديدة ومن أهمها الحب الذي يطغى على كل الأعمال الفنية... وعلى الرغم من أن الفنان سعد أصر على أن اللوحات في حال والقصص في حال آخر إلا أنك لا بد أن تلمس تقاربا بينهما من خلال وصفه للشخصيات والأبطال وفي هذا يقول: حاولت من خلال هذا المعرض أن أعيد صياغة الحدث الروائي لألف ليلة وليلة بغض النظر عن الحدث ذاته لذلك قد نجد في العمل ذاته تداخلات عدة بين القصص في سبيل الوصول لرؤية جديدة بعيدا عن مفهوم الزخرفة والنصوص وبرؤية غير استشراقية وهذه النصوص ليست وسائل إيضاح للوحات لأن كلاً منهما في حال يختلف عن الآخر.
وقد ختم في كتابه عن ألف ليلة وليلة أنها قدمت الحياة اليومية ببساطة وقد دمجت فيها المغامرة المعقدة مع التفاهات اليومية فجاءت حكايات تشع بالحرارة والحركة والجنس مع أحلام تطوف البلاد بحثا عن محارب وحصان أبيض من اللؤلؤ يخطف الزمن ويسرق الليل يوزعه على شفاه شهرزاد التي تقدر وحدها استمرار الحكاية.

رامان آل رشي

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...