إشارات
1 – إشارات
- 1 –
أهناك «وميض نورٍ» في «رماد» بيروت؟
وهل نُحيي في الجواب عن هذا السؤال «العِلمَ الفرحَ»، كما يقول نيتشه، أم نُحيي، على العكس «العِلمَ المبرِّح»، كما يقول المتنبي؟
- 2 –
«سلامٌ الدوحة» أفقٌ واعدٌ، ودليلٌ كريم.
حَبذا لو تمثلت فيه، خلافاً للقواعد التقليدية، قوى المجتمع المدنيّ في لبنان، بمستوياته كلها – الثقافية، والاجتماعية، إذاً لكان أَغنى وعداً وأكرم دلالةً.
- 3 –
واقع بيروت بين 5 حزيران 1967 و5 حزيران 2008؟ أهو الغصن الذي يُورق – وأين هو؟ أم الورقةُ التي تسقط؟ وما أكثر الأوراق التي سقطت.
وكيف أحكم على هذا الواقع أولهُ وأنا جزءٌ منه؟
مَن يقدر اذاً أن يحكم لي أو عليّ؟
- 4 –
- ما الإهانة الكبرى للإنسان؟
- أن يُستخدمَ ويُسيَّرَ في سبيل غاياتٍ يجهلها.
- 5 –
كُن آملاً، دون أن تنتظرَ شيئاً.
- 6 –
في لبنان (وفي العالم العربي كلّه) زواجٌ ثلاثيٌّ بين السياسة والدين والمال. هكذا، لا مستقبل للحب إلاّ في الطلاق.
- 7 –
أعجبُ ما في هذا اليوم: «5 حزيران» أنه كان كشفاً، وقد صارَ اليومَ حجاباً.
2 – تاريخ مختصر
يقول ديدرو:
«هل تريدون أن تعرفوا التاريخ المختصرَ لبؤسِنا – كله، تقريباً؟
إذاً، اليكم الجواب:
كان يُوجد إنسانٌ طبيعيّ فأدخِلَ في جوفهِ إنسانٌ آخر اصطناعي. (هكذا) قامت في الكهف حربٌ تتواصل على مدى «الحياة».
وهذه حرب لا ينجو منها أحدٌ، كما تؤكدّ التجربة:
إما أن يعي الإنسان ذاته الطبيعية، وينمو بها ويتكامل، وإمّا أن يستسلمَ للاصطناع، فيهدم ذاته ويَنهار.
3 – مسرح
تبقى بيروت، تاريخيّاً، بين أعظم المدن على شطآن المتوسط. المسؤولون عنها، مدنيّاً، والمشرفون عليها إدارياً مطالبون، إذاً، بأن يكون عملهم من أجلها في مستوى تاريخها.
وإذا تذكرنا معهم أن «النظافة من الإيمان»، حقاً، فإن علينا أن نضيف: «لكن، لا من الإيمان، وحده، بل من الجمالِ كذلك. و «الله جميلٌ»، يقول أسلافنا المتصوّفون الكبار. وهو «يحبّ الجمال»، كما يقولون أيضاً. والجمالٌ لا ينحصر في الشكلِ، على جلاله. الجمالُ الأكبرُ والأغنى هو جمال المعنى أو المضمون.
* شارع المعرض – زال عن خاصرته زُنارُ الخيام والأسلاك الشائكة.الشمس نفسُها تحتفي بهذا الشارع. تحتفي كذلك، على نحوٍ خاصٍ، الكنيسة الأرثوذكسية. وانظروا اليها: كأنها الى جوار الجامع الكبير، كوكبٌ سابحٌ في محيطٍ من البهاء. ظَلِّلني بذاكرتك، أيها الشارع.
*الى متى سيظلّ «الجشعُ التجاري – السياحيّ» وَرَماً في عُنقِ بيروت، ينزفُ أبداً، ويكاد أن يخنقه؟
أشفِقوا، يا هؤلاء، على هذا العنق البديع الفريد.
* ماذا يُطبخ في تلك الزاوية التي تُطوّقها أفرانُ الواقع؟
* سائقو التاكسي، أصحابُ المقاهي والمطاعم والدكاكين: «مسرحٌ» يقدم «وجهَ» بيروت للعالم.
كل شيءٍ يتمسرح على خشبته. الأخلاقُ نفسها. والفردُ على هذا المسرح ممثلٌ وشاهِدٌ في آن. إنه اثنان في جسمٍ واحد: كلٌّ منهما يرى الآخر، لا كما هو في ذاته، بل كما «يحلُو» له.
عندما نقول: مسرح، نقول: لعب.
الخَفّة على الخشبة تنقلب غالباً الى ثِقلٍ تراجيديّ.
وحقيقة المأساة هنا هي الكوميديا.
الحياة على هذا المسرح – مَحفُوفاً بالسياسة و «الثقافة»، «رواية خيالية – علمية». وقد يزدهي بعضهم بذلك إذا قرأوا ما يقوله «لاكان»، العالم النفسي الفرويديّ المشهور:
«الرواية العلمية الخياليّة هي العلم الحقيقي الوحيد الرّصين الذي أُتابعه».
هل يعني ذلك أن بيروت، عبر هذا المسرح، «فنّ» وأن من العبث أن نرفضَ «أكاذيبَ» الفنّ؟
إذاً، هل يمكن القول: القناع على هذا المسرح هو الوجه الحقيقيّ؟
وهل يمكن القول: للواقع اللبناني عِطرٌ أساسيٌّ واحدٌ هو المكر؟ هل يزداد الإنسان فاعليةً في الإقناع إذا كان مُقنّعاً؟
يُعلمك هذا المسرح، مثلاً، أن «الرواية» اليوم في لبنان اجتماعية، كما تحبّ أن تصف نفسها. ثم يسألك: لماذا، إذاً، لا «تَروي» المجتمع؟
هل يعني هذا المسرح أنّ «الكُلّ واحدٌ وأنّ الواحد هو الكل؟»، أو هل يعني أن كل فردٍ على هذا المسرح يستطيع أن يكرّرَ ما قاله «جلالة الملك الطِّفل»: «الدولة هي أنا»؟ أو بعبارةٍ لبنانيّة حديثة: «الطائفة هي أنا»؟ أو هل يعني أن «عالم الكلام هو الذي يخلقُ عالمَ الأشياء»، كما يقول أيضاً «لاكان»، كأنَّه يكرر الآية: «يقول للشيء كن فيكون»؟
4 – نقوشٌ على الجدران في شوارع بيروت
- 1 –
الانحيازُ الى الطبيعة والأرض، والحياد إزاء السماء وما وراءها: شَرطان لسياسة المدينة.
- 2 –
أفكارٌ وآراءٌ كمثل خيولٍ للجرّ،
وتبدو هذه الخيول نفسها كأنها عربات محطّمة.
- 3 –
لا تقتربُ السماء إلاّ فيما تَبتعد.
- 4 –
عَقلٌ لبنانيّ مَشطور:
شطرٌ لسلطة الوهم،
وشطر لوهم السلطة.
- 5 –
لا تتركوا لِرياح الأعمال التجارية – السياسية، أن تكنِسَ الريحَ والعملَ معاً.
- 6 –
يسيرُ النجاح هو أيضاً على طريقٍ محفوفةٍ بمخاطرَ قد تكونُ أشدَّ هولاً من مخاطر الطريق التي يسير عليها الفشل.
- 7 –
تلعب الجدران، أحياناً، هازئةً بمن فَكّر بها، وبمن هندسها، وبمن عمّرها.
- 8 –
الحرّية كمثل حيةِ الجنّة:
لا تقدر أن تُغويَ إلاّ العُشّاق.
- 9 –
«الأرض المحتّلة»؟ - عبارة تتحوّل شيئاً فشيئاً الى عِلمٍ خاصٍ في الارتجال «الاستراتيجيّ».
- 10 –
انقد ذاتك، أولاً، قبل أن تنتقدَ طائفتك.
5 – نقوش على جدران الجامعات
- 1 –
اليوم الذي لا تُعيد فيه خلقَ نفسكَ، ليس حياةً. إنه، بالأحرى، موتٌ أو شبيهٌ بالموت.
- 2 –
لا تبددوا طاقاتكم في محاربة الموت أو التهيؤ لملاقاته. ادّخروها لكي تُحسنوا الكفاحَ من أجل الحياة.
- 3 –
الانصهارُ في الجمع غيابٌ كاملٌ لوعي الفرد، وللوعي المُفرد.
- 4 –
يمكن الفلسفة أن تنام في الإنسان، وتبقى مُشتعِلة. الشعر إذا نامَ انطفأ.
- 5 –
كلّ شيءٍ رأسٌ للتأمّل، فلسفيّاً.
كلّ شيءٍ ثديٌ لِرضاع الشعر.
- 6 –
إن كانت اللغة بحراً،
فالفلسفة والعلم فيه شُطآنٌ، والشّعر أمواج.
- 7 –
لا تخافوا من الأسئلة:
انها البروقُ التي تخترقُ المغاورَ والكهوفَ الى ذُرواتِ المعنى.
- 8 –
يبدأ الفكر بالسؤال. ولئن كانت له نهايةُ، فهي كذلك السّؤال.
- 9 –
نومٌ هو الجوابُ، والسؤال يَقظة.
- 10 –
دائماً، يجيء فجرُ الحبّ راقِصاً:
انتظريه، لاقيهِ يا أحضانَ اللّيل.
أدونيس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد