إسرائيل تقصف مبادرة السلام وأمريكا تتخلى عن حلفائها في لبنان
الجمل: منذ بداية الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي مايزال متصاعداً، إلى ما يقرب من ستين عاماً، وبمرور الزمن أصبح هذا الصراع، صراعاً مركباً، يتضمن منظومة من الصراعات الفرعية، والمتداخلة على نحو يغذي الصراع الرئيسي.
حتى أبرز المفاعيل الناشطة، حالياً ثمة عوامل ظلت خلال السنوات الخمس الماضية تزكي الصراع ناراً على نار وهي عوامل تتمثل في الآتي:
* عملية سلام الشرق الأوسط: بوضوح تام، وبشهادة الجميع يمكن القول: إنه في كل الاعتبارات المتعلقة بعملية سلام الشرق الأوسط (مثل: نطاق الانسحاب الإسرائيلي- فك الارتباط- المستوطنات الإسرائيلية- وضع مدينة القدس- عودة اللاجئين الفلسطينيين.. وغيرها) كان الموقف التفاوضي الفلسطيني منسجماً ومتطابقاً بشكل تام مع القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، والتوجهات الأمريكية الـ(معلنة) على الأقل، وذلك بعكس الموقف التفاوضي الإسرائيلي والذي كان مفارقاً لكل قرارات وأعراف وتقاليد القانون والمجتمع الدولي.. إضافة إلى أنه ظل يعمل بوضوح من أجل القضاء على عملية سلام الشرق الأوسط ، التي سبق وأن قام بسيناريوهاتها مع الإدارة الأمريكية، وقد لجأت إسرائيل إلى استخدام استراتيجية (قضم) حقوق الطرف الفلسطيني.. بشكل قضى على كل شيء.. وأصبح المفاوض الفلسطيني. لا يجد شيئاً يفاوض عليه، وذلك لأن إسرائيل –عملياً- لم تترك له شيئاً لكي يفاوض عليه.. وهكذا تحولت عملية سلام الشرق الأوسط إلى عامل إحباط حفز كل الفلسطينيين –بما في ذلك الفلسطينيين الذين ظلوا بعد اتفاقية أوسلو يتبنون خطاب حزب العمل الإسرائيلي- إلى دعم وتأييد استخدام العنف، باعتبار أنه اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل.
* إجراءات الأمن الإسرائيلية: كان يمكن أن تكون فرصة إسرائيل كبيرة في الحصول على اعتراف دولي لو التزمت بحدود ما قبل عام 1967م، ولكن لما كان النحاة يصرفون كلمة (لو) باعتبارها حرف امتناع لوجود، فقد امتنعت إسرائيل عن الانسحاب من الأراضي المحتلة، ولم تكتف بالاحتلال العسكري، بل أضافت إليه الاحتلال المدني الديموغرافي، عندما قامت ببناء (ارخبيل) من المستوطنات، وربطت وجود واستمرارية هذه المستوطنات بالأمن القومي الإسرائيلي.. واعتبرت كل ما يهددها بمثابة تهديد مباشر لأمن إسرائيل القومي.. واعتبر صقور الإدارة الإسرائيلية أن دعوات الأمم المتحدة بإزالة هذه المستوطنات تمثل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.. ووفقاً لهذه الاعتبارات قامت إسرائيل بشكل نهائي بصياغة وتخطيط عقيدتها الأمنية والعسكرية على أساس حتمية بقاء واستمرارية وجود المستوطنات.. وذلك على النحو الذي قوض آخر فرص السلام.. والتي ربما لن تتكرر لإسرائيل لاحقاً، وذلك عندما رفضت إسرائيل قولاً وفعلاً مبادرة السلام السعودية، التي تبنتها القمة العربية في بيروت.
* العنف الفلسطيني: تدعي الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية، أن الاحتلال والقمع الإسرائيلي.. لا يبرر لجوء الفلسطينيين لاستخدام العنف.. ولكن على حد أطروحة الفيلسوف التحليلي جورج مور، القائلة: (كثير من المسائل غير الحقيقية.. قد تبدو على صورتها الحقيقية.. لو أعدنا طرحها بطريقة أخرى.. ومن ثم وفقاً لهذه الأطروحة، يمكن صياغة المسألة على النحو الأتي: هل يبرر العنف الإسرائيلي عملية الاحتلال والقمع.. ويقدم الشرعية لإسرائيل من أجل احتلال وضم أراضي الغير..).. وهذا السؤال، بالذات، هو ما تحاول الحكومة والإدارة الأمريكية تفاديه دائماً.. وذلك لأنهما تعلمان جيداً حقيقة أن الاحتلال والقمع الإسرائيلي بمساندة الدعم الأمريكي، على مدى ستين عاماً، هو السبب الرئيسي الذي جعل العنف الفلسطيني يصل إلى هذا المستوى.. إضافة إلى أن العنف الفلسطيني بغض النظر عن كونه عادلاً أو جائراً.. فإنه لا يمكن اعتباره ذريعة لإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، والتي يشهد عليها كل العالم..
لقد عملت الإدارة الأمريكية بمساعدة بعض الأطراف العربية، بإقناع الراحل ياسر عرفات، وجعله يوقع على اتفاقية أوسلو.. ثم تحولت الإدارة الأمريكية بعد ذلك، بدلاً من دعم مصداقية وموثوقية الاتفاق، إلى دعم التنصل الإسرائيلي.. على النحو الذي جعل من الزعيم الراحل ياسر عرفات، في نهاية الأمر، فاقداً للاتجاه، تحاصره دبابات شركائه في اتفاق أوسلو، بقيادة آرييل شارون..
آخر المراحل تقول: إن إسرائيل بقصفها بيروت حاليا فهي في حقيقة الأمر، قد قصفت مبادرة السلام العربية.. وقصفت المستقبل السياسي لحلفائها الجدد في تيار المستقبل، هذا من جهة، وبقصفها واعتداءاتها المتزامنة على وزارة الخارجية الفلسطينية، ومنشآت السلطة الفلسطينية، وعناصر أمن السلطة الفلسطينية الذين كانت حتى وقت قريب تزودهم بالعتاد والسلاح، فإن إسرائيل.. قد قصفت اتفاق أوسلو أيضاً..
* السياسة الخارجية الأمريكية: تؤكد الوقائع والمعطيات الدامغة، إلى أن الإدارة الأمريكية ظلت تقوم بلعب دورين في الشرق الأوسط، الأول يتمثل في دورها كوسيط وضامن وراع رئيسي لعملية سلام الشرق الأوسط، والثاني يتمثل في دور الحليف الرئيسي والداعم الاستراتيجي لإسرائيل اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، في كل الاعتبارات المتعلقة باحتلال الأراضي العربية، والعدوانية وانتهاك الشرعية الدولية..
* لسخرية القدر كان من أبرز النتائج، أن هذا الدور الأمريكي المزدوج أدى إلى القضاء على الاتفاقيات التي تعبت أمريكا كثيراً في الماضي من أجل رعاية متابعة مفاوضاتها.. وأعلنت فرحاً كبيراً بالتوقيع عليها.. وبالأخص اتفاقية أوسلو..
والآن، وفقاً لقاعدة الشبيه بالشبيه يدرك، وعلى نسق النموذج السلوكي الأمريكي السياسي إزاء المسألة الفلسطينية، تتبنى الآن معالم نموذج سلوكي أمريكي سياسي إزاء المسألة اللبنانية.. فقد لعبت أمريكا نفس الدور المزدوج في لبنان، حيث ظلت تؤكد لحلفائها في تيار المستقبل طوال عام ونصف عن مدى حرصها على (معرفة قاتل الحريري) وعلى (سيادة واستقلال لبنان).. والآن، بعد العام والنصف على (ثورة الأرز).. هاهي أمريكا تعرقل وقف إطلاق النار.. وتعلن عن دعمها غير المحدود لإسرائيل.. وبذلك تكون قد تخلت عملياً عن دعم (سيادة واستقلال لبنان)، وعن (ثورة الأرز).. وعن (تيار المستقبل)... أما (قاتل الحريري) فلا يبدو أن أمريكا سوف تجهد نفسها كثيراً بالبحث عنه.. لا بسبب غموض الجريمة.. بل لأنها (تعرفه سلفاً ومسبقاً)..
تحليل الجمل
إضافة تعليق جديد