آفات سوقي العمل والسلع وخلو المكان المناسب من الرجل مناسب!
يعود ارتفاع الأسعار في الأسواق السورية عموماً إلى بداية 2008، حيث شهدت البلاد فترة صقيع حاد كبدت بعض المزارعين خسائر قدرت حينها بـ50% من إنتاجهم، ما أدى إلى انخفاض العرض أمام طلب مرتفع حينها، إذ كانت القدرة الشرائية للناس أفضل منها اليوم.
وقد مرت شهور وأصبح الحديث عن الصقيع أحد أسباب ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية ضرباً من ضروب التاريخ، ليحل محله، حين السؤال عن ثمن سلعة غذائية في السوق، الحديث عن تأثير التحرير الجزئي لأسعار المازوت في ارتفاع السعر (رغم مرور ثمانية أشهر ونصف الشهر على الأسعار الجديدة)، إلى جانب البطالة وسوء الإدارة والتخطيط كأسباب لها دورها في تدني القدرة الشرائية والكساد اللذين يساهمان بدورهما في مفاقمة صعوبات الحياة اليومية لجهة الشاري والبائع على حد سواء. فهل زال تأثير الصقيع حقاً؟ وما أسباب تدني القدرة الشرائية بين يدي الناس؟
- يجيب ممدوح. ج (محاسب في شركة خاصة): «إن ارتباط الصقيع بارتفاع أسعار المنتجات الغذائية سابقاً لم ينته تماماً، فارتفاع أسعار المحروقات أعطاه أوجهاً أخرى للتأثير بالأسعار على مدار العام، لأن تأثير الصقيع يأتي هذه المرة باتجاه مغاير ولا يشمل تأثيره السلع الغذائية وحسب، فمن المعروف أن الشتاء يدفع بالناس إلى شراء وقود التدفئة الذي ارتفعت أسعاره مقارنة بها السنة الماضية، ما أدى أول الأمر إلى ارتفاع أسعار الخدمات وأهمها النقل (الفردي والجماعي والتجاري والصناعي) ثم إلى رفع أسعار جميع السلع وفق تراتبية متشابكة، فالمنتجون أياً كان حقل إنتاجهم، تأثروا بارتفاع التكاليف فرفعوا أسعار المنتجات (القديمة والجديدة على حد سواء)، وأدى هذا بدوره إلى اضمحلال مدخرات الناس الذين لا تقوم السوق من دون حراكهم التجاري، ومن استطاع الاحتفاظ ببعض المدخرات (القديمة) بات يعاني اليوم من ضعف القدرة الشرائية لما يحمله من نقود أمام المعروض من الخدمات والسلع (الغذائية وغيرها). على حين كان للصقيع بداية السنة الماضية تأثير على ضعف العرض في المنتجات الغذائية، نراه يؤدي هذه السنة، مترافقاً بارتفاع أسعار المازوت، إلى إصابة معدلات الطلب في صميمها، أي في مدخرات الناس التي لم تعد تمكنهم، إن وجدت، من الشراء بسبب الغلاء، وهذا كله انعكس على السوق السورية عموماً وعلى أسواق المنتجات غير الغذائية بشكل خاص، وربما كان السبب في كل هذا هو أن العلاقة بين ظروف التداول في السوق وبين الكتلة النقدية المطروحة فيها، لم تؤخذ بالحسبان حين رفع أسعار المازوت!».
- يشاركه أنور. ح (طالب اقتصاد) الرأي مضيفاً: «إن لمشكلة انخفاض القدرة الشرائية بعداً أهم من ارتفاع أسعار المازوت أو تأثيرات الصقيع، وهي ذات شقين؛ أولهما انخفاض الأجور المدفوعة بالنسبة لارتفاع أسعار المعروضات كافة، وثانيهما ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب القادرين على العمل، أو انخراطهم في أعمال ذات مردود متدن يكاد لا يحقق لهم الحد الكافي لاستقلالهم المادي كأفراد في المجتمع يسعون إلى بناء حياتهم المستقبلية، ناهيك عن إبعاد هذه الفئة المهمة من الشباب إلى هوامش الاقتصاد، ما يشكل هدراً في جزء مهم من الموارد البشرية اللازمة للنهوض باقتصاد البلاد كله، خاصةً في قطاعات الإنتاج الحديثة (المعلومات، التقانة، وإدارة الأعمال)».
- وعن ندرة فرص العمل الجيدة يقول هاني. أ (مهندس برمجة): «يدوخ حديثو التخرج من الجامعات السورية خلال البحث عن فرصة عمل جيدة تكافئهم على سنين دراستهم الطويلة، لكنهم يضطرون في النهاية للقبول بأي فرصة يجدونها ولو كانت بعيدةً كل البعد عن اختصاصهم. إن ذلك سيؤدي على المدى المنظور إلى فوضى لا يمكن ضبطها في قطاع الأعمال السوري، فمن المعروف أن حكمة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب غير موجودة على أرض الواقع في سورية، فكم مهندس يعمل في المصارف، وكم خريج من الاقتصاد يعمل في الصحافة، وكم صحفي يعمل في صيانة أجهزة الموبايل والكمبيوتر؟!» كلها أسئلة يطرحها الشباب أمام واقع الحال في سورية، وتبقى بغير إجابة اللهم إلا ما يقوله الواقع أيضاً.
- إن البطالة هي السبب الأهم في ارتفاع نسب الفقراء بين الناس ومن ثم في انخفاض الحراك الاقتصادي والتجاري في البلد، وعليه، يعد ازدياد معدلات البطالة مؤشراً على خلل ما في بناء الاقتصاد الكلي، ويمكن القول إن عدم تناسب معدلات النمو الاقتصادي مع معدلات النمو السكاني يعد أهم أسباب البطالة، ناهيك عن عدم قدرة سوق العمل على استيعاب الأعداد الكبيرة من الباحثين عن العمل المتوافدين سنوياً إليها بعد تخرجهم من الجامعات، ويقدر عدد هؤلاء بـ250 ألف طالب عمل سنوياً، وهنا يكون السبب هو عدم الربط بين مخرجات الجامعات والمعاهد التعليمية وبين احتياجات سوق العمل السورية. ويمكن وصف تأثير ذلك بالقول؛ إن عدم القدرة على توفير فرص عمل حقيقية تساعد على النهوض بالبلد وتحسين أوضاع أبنائه، ينعكس خللاً في التوازن بين العرض (القوى العاملة) وبين الطلب (فرص العمل) وذلك الخلل يؤدي إلى انخفاض الأجور المعروضة على الموظفين الجدد من جهة، وإلى تحديد سقف منخفض لأجور الموظفين القدامى من جهة ثانية، ويصب نهايةً في تدني القدرة الشرائية بين يدي الناس وانعكاسات ذلك تظهر في ضعف الحركة التبادلية في الأسواق عامةً.
- لا بد من معالجة جذرية للمشكلات التي تعاني منها سوق العمل قبل كل شيء، وذلك عبر؛ تفعيل الدور الإشرافي والتخطيطي للدولة، وإصلاح القطاع العام الإنتاجي على اعتباره المحور الأساسي في بناء اقتصاد البلد وتوفير فرص عمل؛ تشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية القادرة على خلق فرص عمل حقيقية والابتعاد قدر الإمكان عن الاستثمار (حالياً على الأقل) في القطاعات الخدمية التي لا تقدم فرص عمل كافية ولا تساعد على بناء الاقتصاد على أسس ثابتة؛ أخذ معدلات النمو السكاني ومخرجات الجامعات بالحسبان حين وضع خطط التنمية الاقتصادية العامة بشكل يساعد في التخطيط لتحقيق معدلات نمو تتلاءم مع هذا النمو ويساعد في إيجاد فرص عمل جاهزة للخريجين الجدد من الجامعات السورية؛ إعادة تأهيل البنى التحتية من جسور وطرق ومرافق عامة لما يحمله ذلك من إمكانية خلق لفرص عمل من جهة وتطوير هذه البنى من جهة ثانية؛ وفي حال صعوبة العمل لتحقيق أي من هذه الحلول (التي تبقى جزئية) فإنه لا بد من السعي الفعلي لإصدار قانون يمنح بموجبه العاطلون من العمل إعانةً شهريةً تساعدهم في توفير مستلزمات حياتهم وتساعد من ثمّ على تنشيط الحراك الاقتصادي في البلد ولاسيما في ظروف الأزمة العالمية الحالية.
وسيم الدهان
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد