«لومونـد»: الاسـتخبارات الفرنسـية حاولت إخراج بوفييه ودانيلز من سوريا
الدبلوماسية الفرنسية في حرب مع دمشق، والجواسيس الفرنسيون لا يزالون يتمسكون بشعرة الخليفة الأموي الأول. الاستنتاج يقفز إلى الذهن في الخبر الذي أوردته صحيفة «لوموند» عن محاولة لم يقيّض لها النجاح قامت بها الأجهزة الفرنسية لإخراج الصحافيين الفرنسيين من حي بابا عمرو المحاصر، بالتعاون مع زملاء لها من الاستخبارات السورية.
الصحافيان خرجا في عملية موازية وصلا خلالها إلى لبنان، لا علاقة للاستخبارات الفرنسية بها. الصحيفة الفرنسية الأولى بالغت في عنونة الرواية التي وضعتها على صفحتها الأولى عن المحاولة، التي يفهم منها خطأ بعد التدقيق في الرواية، أن الأجهزة الفرنسية قامت وحدها بمحاولة لإخراج اديت بوفييه، صحافية «الفيغارو» الجريحة، والمصور وليام دانيلز، من الحي الحمصي المعارض والمحاصر، وقبل سقوطه بساعات. ذلك أن المحاولة، تقول الصحيفة بحسب مصادر أمنية ودبلوماسية في باريس ودمشق، بدأت بعد اتفاق بين الإدارة المركزية للاستخبارات الفرنسية الداخلية والأجهزة الأمنية السورية.
الإليزيه وافق على الاتفاق بعد اجتماع تكتيكي ضم مسؤولي الاستخبارات الفرنسية ومسؤولين كباراً في القصر الجمهوري. الخطة التي جرى التوافق عليها مع الاستخبارات السورية، عبر علاقات قديمة مع عناصر الاستخبارات الفرنسية في دمشق، تنص على إرسال الهلال الأحمر السوري إلى بابا عمرو لإجلاء الجريحين الفرنسيين وغيرهما ممن شاء من الصحافيين الغربيين العالقين في حمص. الرواية لا تحتوي على عناصر استثنائية من تسلل عبر خطوط القتال أو من خلال الأنفاق التي عثر عليها في المنطقة.
التفاصيل مهمة جداً لأنها تجعل من رواية الصحيفة قصة تعاون مستمر بين أجهزة استخبارات البلدين، أكثر منها محاولة تهريب للصحافيين من دون علم الأجهزة الأمنية السورية. فالخطة قضت بأن تسمح الاستخبارات السورية لعناصر معروفة منها من الاستخبارات الفرنسية بالذهاب إلى حمص لضمان أمن الصحافيين بعد إخراجهم في سيارات الهلال الأحمر السوري، ومرافقتهم حتى مطار دمشق، من دون أن يتعرّض أي منهم لأي مساءلة بشأن دخوله الأراضي السورية بطريقة غير شرعية. ولم يحظ الفرنسيون بحق الاتصال مباشرة في المنطقة بالصحافيــين. الاستخــبارات السورية فضلت الاحتفاظ بأفــضلية قيادة العملية. وتوقف عناصر الاستخــبارات الفرنسية عند الحاجز العسـكري الأخـير على مدخـل بابا عمرو.
وما أفشل العملية هو عدم التمكن من الاتصال بالصحافيين لإعلامهما بالعملية، أو دعوتهما إلى مرافقة سيارات الهلال الأحمر السوري. دانيلز المصور الناجي من الحصار قال لـ«الوموند» إنه لم يتوصل إلى التحدث مع أي دبلوماسي في السفارة الفرنسية قبل عملية الخروج، باستثناء محادثة، عبر «سكايب» مع السفير ايريك شوفالييه ليل 26 شباط. لكن السفير لم يُدلِ له بأي معلومات حول العملية. مرة واحدة استطاع فيها دانيلز التحدث إلى عنصر من الهلال الأحمر السوري «كان يتحدث الإنكليزية بطلاقة ـ عرض علينا السير حتى سيارات الهلال الأحمر السوري، التي توقفت على بعد 500 متر، وحرص على القول إنه يجب عبور حاجز للجيش السوري، ولكننا رفضنا وطلبنا حضور الصليب الأحمر الدولي، فوافقنا على حرصنا، ولم يشر إلى وجود عناصر الاستخبارات الفرنسية». وأضاف «الاتصال مع ممثلة الصليب الأحمر الدولي لم يثمر بالحصول على موافقة المراجع العليا لكي يدخل الصليب الأحمر الدولي إلى بابا عمرو».
المنظمة الدولية نفت علمها بوجود الاستخبارات الفرنسية وتدابير إخراج الصحافيين. بياتريس ميجيفون، مسؤولة الشرق الأوسط في الصليب الأحمر، قالت «القصة تشبه روايات الخيال العلمي. كان فريقنا متمركزاً في مستشفى الأمين عند مدخل بابا عمرو، وكان هناك الهلال الأحمر السوري، وعناصر الأمن ببزاتهم العسكرية، لأن المستشفى يقع تحت سيطرتهم. لم يكن هناك أحد آخر. لم نر ولم نعلم بوجود عناصر أجنبية، لا قبل محاولة الهلال الأحمر الفاشلة لإخراج الصحافيين او خلالها أو بعدها. لم نر أي عملاء، ولم نلاحظ وجودهم».
ويقول مصدر فرنسي لـ«السفير» إن العلاقات الدبلوماسية المتدهورة بين باريس ودمشق لم تعكر كثيراً صفو العلاقات بين الأجهزة الأمنية الفرنسية والسورية. وكانت هذه الأجهزة قد تعاونت بقوة خلال فترة التقارب الغاربة بين باريس ودمشق، خصوصاً في ملفات مكافحة الجهاديين الإسلاميين، وتبادل المعلومات. وأفضل دليل على استمرار الود، ولو بدرجة أقل من الماضي، بين أجهزة استخبارات البلدين، هو قرار باريس إقفال سفارتها، واستدعاء سفيرها الذي مرّ ببيروت، والإبقاء على رجل التنسيق الأمني مع دمشق في موقعه، الذي لم يغادره منذ 15 عاماً من دون انقطاع.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد