الصراع التركي-التركي بعد إجازة التعديلات الدستورية
الجمل: تابع العالم بالأمس عبر الوسائط الفضائية مشاهد البث الحي المباشر لملايين الأتراك وهم يتدافعون من أجل الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء العام الذي وصفه جميع الخبراء بأن نتيجته سوف تنطوي على تداعيات بالغة الأهمية بالنسبة لمستقبل تركيا. وبحلول المساء، جاءت النتيجة لتقول بأن الشعب التركي قد وافق بأغلبية كبيرة على التعديلات الدستورية التي تقدمت بها حكومة حزب العدالة والتنمية: فما هي طبيعة وخصوصية هذه التعديلات؟ وما هي دلالات الانقسام السياسي التركي حولها؟ وكيف سيكون الوضع السياسي التركي على خلفية وضع هذه التعديلات الدستورية موضع التنفيذ؟ وما مدى تأثير ذلك على دور تركيا الشرق أوسطي؟
* إعلان نتائج الاستفتاء العام: ماذا تقول الإشارات القادمة من أنقرا؟
تقول السردية، بأن معركة استفتاء الأمس قد حدثت على خلفية الوقائع التي جرت في البرلمان التركي عندما تقدمت حكومة حزب العدالة والتنمية قبل بضعة أشهر بطلب للبرلمان بإجازة 26 تعديلاً دستورياً. وفي ها الخصوص، فقد جاءت نتيجة تصويت يوم 7 أيار (مايو) 2010 الماضي على النحو الآتي:
• 60% من أعضاء البرلمان وافقوا على التعديلات.
• 40% من أعضاء البرلمان كانوا رافضين لهذه التعديلات (بما في ذلك الممتنعين عن التصويت).
يتكون البرلمان التركي من 550 نائباً (336 حزب العدالة والتنمية الإسلامي، 97 حزب الشعب الجمهوري العلماني، 69 حزب الحركة التقدمية القومي الاجتماعي، 20 حزب السلام والديمقراطية الكردي، 12 عضواً مستقلاً، 6 حزب اليسار الديمقراطي، 1 الحزب الديمقراطي و1 حزب تركيا). حصلت التعديلات الدستورية على تأييد 60% ولم تحصل على تأييد 67%، وذلك لأن عدد النواب الذين صوتوا لصالح التعديلات كان 330 نائباً، وليس 367 نائباً، الذين يمثلون العدد المطلوب للأغلبية اللازمة لتمرير التعديلات الدستورية. هذا، وتقول المعلومات، بأنه في حال إجازة البرلمان التركي لأي تعديلات بنسبة تقل عن الـ 67% وتزيد عن الـ 50% فإنه في هذه الحالة لا بد من التقيد بعدم وضع هذه التعديلات موضع التنفيذ إلا في الحالات الآتية:
- رفع التعديلات للمحكمة الدستورية العليا.
- طرح التعديلات لاستفتاء شعبي عام.
على خلفية الصراع الذي كان دائراً حول هذه التعديلات كان واضحاً أن التوازنات المتعلقة بحسابات المواقف السياسية تشير إلى الآتي:
• الكتل السياسية المعارضة (حزب الشعب الجمهوري-حزب الحركة القومية) إضافة إلى المؤسسة العسكرية والمحكمة الدستورية العليا والهيئة القضائية وهيئة الادعاء يقفون جميعاً ضد إجازة هذه التعديلات.
• حزب العدالة والتنمية الحاكم إضافةً إلى بعض الأطراف الصغيرة الأخرى، كانوا أكثر دعماً لإجازة هذه التعديلات.
تفادت حكومة حزب العدالة والتنمية السعي لخيار المحكمة الدستورية العليا وسعت إلى استثمار موقفين في غاية الأهمية هما:
- موقف الاتحاد الأوروبي الداعم لإجازة هذه التعديلات باعتبارها تحقق معايير عضوية الاتحاد الأوروبي.
- موقف الرأي العام الشعبي المساند لتوجهات حزب العدالة والتنمية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بدعم الحريات العامة والحد من سلطة المؤسسة العسكرية ومنع الانقلابات.
تم بالأمس طرح التعديلات للتصويت، وبالفعل، فقد جاءت النتيجة على النحو الآتي:
- 58% من الأتراك قالوا «نعم» للتعديلات.
- 42% من الأتراك قالوا «لا» للتعديلات.
القراءة في الإشارات القادمة مساء الأمس وصباح اليوم من أنقرا تقول بأن حكومة حزب العدالة والتنمية قد استطاعت تحقيق نقلة رئيسية هامة لجهة إخراج تركيا من قميص الأتاتوركية، وهو القميص الذي ارتدته تركيا في صبيحة يوم 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1923م واستمرت في المحافظة عليه طوال فترة قاربت الـ 90 عاماً.
* خارطة الصراع التركي-التركي: الاستقطابات الجديدة
على خلفية مفاعيل حملات الدعاية السياسية التي ظلت تجري عشية الاستفتاء، فقد درجت القوى السياسية التركية المعارضة للتعديلات لجهة اعتماد المواقف الآتية:
- حزب الشعب الجمهوري: اعتمد موقفاً غير متماسك، فقد أكد من جهة على أهمية بعض هذه التعديلات، ورفض بعضها الآخر، ولكنه في نهاية الأمر طالب بعض الناخبين بالتصويت بـ «لا».
- حزب الحركة القومية: اعتمد موقفاً غير متماسك أيضاً، فقد أكد من جهة على أهمية بعض هذه التعديلات، ورفض بعضها الآخر، ولكنه في نهاية الأمر طالب بعض الناخبين بالتصويت بـ «لا».
- حزب السلام والديمقراطية: اعتمد موقفاً مثيراً للغرابة، وفي نفس الوقت الذي كان فيه موافقاً على أهمية هذه التعديلات، فإنه سعى إلى مطالبة الناخبين –وتحديداً أكراد تركيا- إلى ضرورة مقاطعة التصويت في الاستفتاء.
تقول المعلومات القادمة من أنقرا، بأن موقف حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية الرافض للتعديلات كان بسبب الآتي:
• ثقة قيادة حزب الشعب الجمهوري وقيادة حزب الحركة القومية بأن تحالفهما سوف لن يؤدي سوى إلى إسقاط التعديلات في الاستفتاء.
• رغبة قيادة حزب الشعب الجمهوري وقيادة حزب الحركة القومية في استخدام سقوط التعديلات في الاستفتاء كمؤشر لسحب الثقة من حكومة حزب العدالة والتنمية، طالما أن حكومة حزب العدالة والتنمية قد تقدمت بتعديلات ورفضها الشعب التركي في استفتاء عام علني.
• رغبة قيادة حزب السلام والديمقراطية الكردي في تصفية حسابات أكراد تركيا مع حكومة حزب العدالة والتنمية لإرغام هذا الأخير على القيام بالدخول منفرداً في مواجهة خصميه اللدودين حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة التقدمية.
أدت مفاعيل الصراع السياسي حول التعديلات الدستورية في استفتاء الأمس إلى حدوث حراك واسع جديد في خارطة الاستقطابات السياسية التركية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- لم يلتزم أكراد جنوب شرق تركيا بدعم موقف حزب السلام والديمقراطية الكردي، وبلغت نسبة المشاركة في المناطق الكردية أكثر من 35%.
- لم تلتزم جماهير حزب الحركة القومية بالتصويت لجهة رفض التعديلات، وفي هذا الخصوص فقد حملت صناديق الاقتراع الخاصة بمنطقة «أرزروم» عدداً كبيراً من الأصوات المؤيدة للتعديلات، وهو أمر يحمل في حد ذاته المزيد من الدلالات المثيرة للاهتمام، فمدينة أرزروم هي معقل وحصن حزب الحركة القومية المنيع تاريخياً.
- لم تلتزم جماهير حزب الشعب الجمهوري بالتصويت لجهة رفض التعديلات، وفي هذا الخصوص، فقد حملت صناديق الاقتراع الخاصة بمناطق معاقل الحزب التقليدية في أزمير-أضنة-موقلا وغيرها قدراً معتبراً من الأصوات المؤيدة للتعديلات، وهو أمر يحمل في حد ذاته أكثر من دلالة.
أشارت العديد من التحليلات، إلى أن ما حصلت عليه حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي من نصر في صناديق اقتراع استفتاء الأمس هو ليس مجرد نصر انتخابي، وإنما تفويض جديد يقول بأن الشعب التركي مازال أكثر رغبة في الحصول على المزيد من سياسات حزب العدالة والتنمية.
تقول المعلومات، بأن التعديلات الدستورية التي أيدها استفتاء الأمس سوف تصبح سار ية المفعول وقيد التنفيذ منذ لحظة إعلان النتيجة، طالما أنها نتيجة تعبر عن إرادة الشعب التركي.
وفي هذا الخصوص، تقول بعض التحليلات، بأن حكومة حزب العدالة والتنمية سوف تستخدم هذه التعديلات وتقوم بتوظيفها كقاعدة ارتكاز من أجل إعداد الدستور التركي الجديد، والذي سوف يتيح لتركيا الخروج بشكل كامل عن القميص الأتاتوركي الذي علق عليه الزعيم رجب طيب أردغان قائلاً بأنه لم يعد قميصاً ملائماً لقامة تركيا الكبيرة. هذا، وفي الجانب المقابل، فقد جاءت ردود الأفعال الرافضة لهذه التعديلات، والتي كان أبرزها تحفظاً كمال كيليس دار أوغلو زعيم حزب العشب الجمهوري الذي صرَّح قائلاً بأن "قامة رجب طيب أردغان قد أصبحت أطول مما يجب، ويتوجب العمل من أجل تقصيرها ضمن الحدود المعقولة". أما الجنرال كنعان إيفرين، الذي سبق وأن قاد انقلاب عام 1982، فقد صرح قائلاً بأنه برغم أن عمره قد بلغ 92 عاماً، فإنه سوف ينتحر إذا حاولت أي حكومة تركية إرغامه على المثول أمام أي محكمة مدنية!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
نجاح لاردوغان.. ولكن ؟؟
لتعديلات واردوغان
إضافة تعليق جديد