من يقتل من؟
مات رجل في إسرائيل و سمع العالم كله بالأمر.و في الواقع لم يكن إسرائيليا، و لكنه عامل مهاجر من تايلاند. و قالوا لنا أيضا من قتله، ليس بالاسم الحقيقي و لكن بآخر منتحل، استخدم من قبل بعض مجموعات جهادية يزعم بأنها ترتبط بالقاعدة في العراق و مكان آخر.
و حكومة حماس تعاني من مشاكل بسبب مجموعات كهذه تتحدى دورها في غزة. و قالت إسرائيل بأن ردها سيكون عنيفا .و بلا ريب ،ضربت القنابل الإسرائيلية معظم القسم الجنوبي من غزة، مسببة موت و جرح مواطنين فلسطينيين منهم أطفال.و لم يكن حجم الرد متناسبا أبدا مع العمل،و لكن من الشنيع أصلا لجوء إسرائيل لهذه الإجراءات.و استفزازات إسرائيل الحديثة أشبه بتلويح خرقة حمراء أمام ثور دام و هو أمر لا يمكن إسقاطه من الحسبان عند محاولة فهم دائرة العنف.
فاغتيال قائد حماس فلسطيني في دولة أجنبية بيد عملاء يستخدمون هويات و جوازات سفر مزورة ألقى الضوء على إسرائيل ، التي لا هي أنكرت الجريمة و لا اعترفت بها، بينما تجرمها كل الأدلة . باختصار صدم العالم، لا لأن دولة صادقت على القتل ، بل لأن القتلة انتهكوا سيادة و أمن دول أخرى عندما نفذوا خططتهم.
وهذا الأسلوب تمارسه إسرائيل بشكل شائع ، و بالتأكيد ضحاياها دائما "إرهابيون" فقط الفلسطينيون و أطفالهم أيضا من يعلم جيدا بأنها لعبة مكشوفة.
في نابلس أصيب قريبان في السادسة عشرة من العمر في القلب و الرأس لرميهما الحجارة.أحدهما قتل و الآخر جرحه خطير.و وقعت حوادث مماثلة دون أي احتجاج دولي عبر الضفة الغربية حيث يحتج الفلسطينيون بثبات جريء ضد القمع الإسرائيلي و التمييز العنصري و استمرار التوسع. فما من شعب يتنازل عن حقه و أرضه.
و مع تقدم الجرافات لهدم المنازل و اقتلاع أشجار الزيتون، تغدو الحجارة ضد هذه الآلات الحربية السلاح الوحيد في يد الشبان الغاضبين للدفاع عن بيوتهم و حياتهم. و لكن عقوبة رماة الحجارة و أهلهم تكون الموت أو الأذى أو السجن أو التعذيب أو الترحيل.
في الخليل ، أدت أعمال العنف المتكررة على يد المستوطنين إلى إطلاق النيران على المواطنين الفلسطينيين و ضربهم في المدينة القديمة و حولها.فالاحتجاجات ضد الانتهاكات المستمرة لحياتهم قامت فقط بجر المزيد من الاعتداءات على الفلسطينيين من قبل جنود إسرائيليين بزعم قمع الاحتجاجات. و حديثا أدت الغازات المسيلة للدموع و الرصاص المطاطي لإصابة سبعة و أربعين فلسطينيا كرد،كما تقول إسرائيل، على رماة الحجارة.على الرغم من انعدام الطريقة لمعرفة من قام أولا بإطلاق أول رصاصة أو رمي أول حجر.
و في القدس الشرقية ، تعلن الحكومة الإسرائيلية تقريبا بشكل يومي عن خطط جديدة لبناء وحدات سكنية لليهود فقط على أرض سلبت بشكل غير شرعي من الفلسطينيين.و طردت عائلات من بيوت عاشوا فيها عقودا ليروا بأم أعينهم المستوطنين الإسرائيليين ينتقلون إليها بكل بذاءة.و تدك بيوت فلسطينية في أحياء فلسطينية لفتح المجال أمام أخرى يهودية للحلول عوضا عنها. و الخطة الأخيرة كانت 1600 وحدة غير قانونية أعلن عنها بينما كان نائب رئيس الولايات المتحدة "جو بايدن" في إسرائيل يسعى للبدء من جديد في مفاوضات السلام على أساس إيقاف بناء المستوطنات.
و ليست الأرض الفلسطينية وحدها من تسرق و لا حياتهم فقط من تدمر إذ تنتهك أيضا حرمة أماكن مقدسة فلسطينية تعود لقرون كثيرة.و يناضل المسيحيون و المسلمون على حد سواء لإيقاف تهويد إسرائيل لمدنهم، و طالما كانت القدس جزءا من هذا الانقضاض الزاحف و لكن لم يبلغ الأمر الحدة التي بلغها الآن. فالحفريات الإسرائيلية داخل و حول ثالث موقع إسلامي مقدس في القدس تهدد و بشكل جدي سلامته و تخرق معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر تدمير أي من مواقع التراث العالمي.و على بعد خمسين مترا فقط يبنى كنيس يهودي في الجزء المسلم بينما تم اختيار موقع واحدة من أقدم المقابر الإسلامية في المدينة ل"متحف التسامح " الإسرائيلي. و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فإسرائيل تضع بشكل دوري نقاط تفتيش لمنع الفلسطينيين من حضور صلاة الجمعة في المسجد الأقصى ، و بلا شك هذه مقدمة لمنع الفلسطينيين من دخول المدينة بأي حال من الأحوال.
و كل العالم العربي و الإسلامي يعلم بأن إسرائيل تريد تحويل القدس لمدينة يهودية حصرا و أن تمتد أرضها من البحر المتوسط إلى نهر الأردن إن لم يكن لأبعد من ذلك.و حتى الآن لم يبد بأن الأمر يزعج حكومة الولايات المتحدة، و لكن بعد إهانة إسرائيل لنائب الرئيس بايدن، ربما تدرك هذه الإدارة بأن تعاونها المتساهل لم يعد بالإمكان ضبطه و أضحى يهدد مصالحها بالمنطقة.
رسالة نيتنياهو الاسترضائية لوزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون" عرضت إزالة حوالي خمسمائة نقطة تفتيش عسكرية إضافية وضعت المدنيين الفلسطينيين في شبكة قضبان لا تطاق داخل الضفة الغربية.و هي ليست المرة الأولى التي تزال فيها نقطة تفتيش لتحل أخريات جدد عوضا عنها في أمكنة أخرى. كما و اقترح إمكانية نقل المزيد من الأراضي إلى سيطرة السلطة الفلسطينية .انه العار الذي نراه يتكرر دائما، أي الحديث عن السلام و منح القليل من الامتيازات التافهة في وقت تخلق على أرض الواقع حقائق تجعل من المحال قيام دولة قابلة للحياة.و لكن علينا القلق على الفلسطينيين .
فإلى جانب الجدران و القوانين التي تسجن الفلسطينيين يتحدث القادة الإسرائيليون و الأكاديميون و الخبراء العسكريون مدعومين بالمؤيدين الصهاينة عن ترحيل الفلسطينيين و شكمهم و تجويعهم ، و أكثر الاقتراحات رعبا جرت على لسان رئيس الحاخامات السابق في أيار 2007 حين أيد القصف العقابي لغزة.و ابنه وهو أيضا رئيس حاخامات اجتهد فقال:" إن لم يتوقفوا بعد أن نقتل مائة عندها علينا قتل ألف، و إن لم يتوقفوا بعد الألف علينا قتل عشرة آلاف و إن لم يتوقفوا علينا قتل مائة ألف بل و حتى مليون ، فمهما تطلب الأمر علينا أن نجعلهم يتوقفون"
هذه الملاحظات و الأفعال من قبل دولة ثملة من سلطتها غير الشرعية ما هي سوى دعوة إلى إبادة و لا يمكن لمحادثات سلام منع إسرائيل من المضي في طريقها.
و لكن بالتأكيد هناك علاج وحيد موثوق، و يكمن في تعزيز القانون الدولي بأية طريقة قانونية ممكنة ، و لو تطلب الأمر عقوبات تساندها الأمم المتحدة أو منع المعونات الأميركية لإسرائيل البالغة مليارات الدولارات لأجل إرغام إسرائيل على الإذعان .
و لكننا نحتاج إلى أقل من هذا للإجابة بسرعة عن التساؤل حول "من يقتل من" لهؤلاء المصابين بعمى يمنعهم من رؤية الحقيقة التي تمارس على مرأى من العالم.
*بقلم "سونجا كاركار" مؤسسة "نساء لأجل فلسطين" و مشاركة في تأسيس "استراليين لأجل فلسطين"