55 عاماً على إعدام الجاسوس إيلي كوهين.
منذ خمسة وخمسين عاماً، تاريخ إعدامه، وسيرة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين لا تنطوي. هذه سيرة الجاسوس الأدسم في تاريخ حروب الجاسوسية الإسرائيلية ـ العربية، كما تلخصها موسوعة "المعرفة".
إيلي كوهين (الياهو بن شاؤول كوهين) من مواليد 26 كانون الأول/ديسمبر 1924 من اصل سوري حلبي، ولد بالإسكندرية التى هاجر اليها احد اجداده سنة 1924.
وفي عام 1944 انضم ايلي كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية، وبدا متحمسا للسياسة الصهيونية على البلاد العربية، وبعد حرب 1948 اخذ يدعو مع غيره من اعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين وبالفعل في عام 1949 هاجر والده ووالدته وثلاثة من أخوته إلى إسرائيل بينما تخلف هو في الإسكندرية. وقبل أن يهاجر إلى اسرائيل عمل تحت قيادة (إبراهام دار) وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء، واتخذ الجاسوس اسم( جون دارلينج) وشكل شبكة للمخابرات الإسرائيلية بمصر نفذت سلسلة من التفجيرات ببعض المنشأت الأمريكية في القاهرة والإسكندرية بهدف افساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية وفي عام 1954 تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة لافون، وبعد انتهاء عمليات التحقيق كان إيلي كوهين قد تمكن من إقناع المحققين ببراءة صفحته إلى أن خرج من مصر عام 1955 حيث التحق هناك بالوحدة رقم 131 بجهاز أمان لمخابرات الجيش الإسرائيلي ثم أعيد إلى مصر ولكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية التي لم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء العدوان الثلاثي ضد مصر في تشرين الأول/ أكتوبر 1956.
تجنيده في إسرائيل
بعد الإفراج عنه هاجر إلى إسرائيل عام 1957، حيث استقر به المقام محاسبا في بعض الشركات، وانقطعت صلته مع “أمان” لفترة من الوقت، ولكنها استؤنفت عندما طرد من عمله وعمل لفترة كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل مغربي عام 1959. وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في ايلي كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر، ولكن الخطة ما لبثت أن عدلت، وإرتؤي أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق. وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه على التكلم باللهجة السورية، لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية.
ورتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقة يبدو بها مسلماً يحمل اسم (كامل أمين ثابت) هاجر وعائلته إلى الاسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفي والده في الارجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة اشهر وبقى كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة. وتم تدريبه على كيفية استخدام اجهزة الارسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل اخبار سوريا ويحفظ اسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. مع تعليمه أصول الأيات القرآنية وتعاليم الدين الإسلامي. وفي 3 شباط/ فبراير 1961 غادر إيلي كوهين إسرائيل إلي زيوريخ، ومنها حجز تذكرة سفر إلي العاصمة التشيلية سنتياجو باسم كامل أمين ثابت، ولكنه تخلف في بوينس ايرس حيث كانت هناك تسهيلات معدة سلفا لكي يدخل الأرجنتين بدون تدقيق في شخصيته الجديدة.
كوهين وحماسته القومية لسوريا!
وفي الارجنتين، استقبله عميل اسرائيلي يحمل اسم (ابراهام) حيث نصحه بتعلم اللغة الاسبانية حتى لا يفتضح امره، وبالفعل تعلم كوهين اللغة الاسبانية، وكان ابراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب ان يعرفه لكي ينجح في مهمته. وبمساعدة بعض العملاء تم تعيين كوهين في شركة للنقل وظل كوهين لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح فكون لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك، واكتسب وضعا متميزا لدى الجالية العربية في الأرجنتين، باعتباره قوميا سوريا شديد الحماسة لوطنه وأصبح شخصية مرموقة في كل ندوات العرب واحتفالاتهم، وسهل له ذلك إقامة صداقات وطيدة مع الدبلوماسيين السوريين.
وطلب إليه ارتياد النادي العربي في بوينس أيرس للتعرف على بعض السوريين، وممن تعرف عليهم عبداللطيف الخشن رئيس تحرير جريدة “العالم العربي” التي تصدر باللغة العربية، وقادته هذه المعرفة إلى التعرف على كثيرين من رجال الأعمال السوريين وحضور الكثير من الحفلات التي تقيمها الجالية العربية والبعثات الدبلوماسية وبناء على توجهات مدربه، أخبر كوهين الخشن عن نيته القيام بجولة في بعض الدول العربية للترويج للشركة السياحية التي يعمل فيها، وزوده الخشن برسائل إلى أصدقائه ومن بينها رسالة إلى ابنه كمال في دمشق يوصيه فيها الاهتمام بـ كامل أمين ثابت.
عاد كوهين في شهر كانون الأول/ديسمبر 1961 إلى تل أبيب، وتم تدريبه على الاستقبال بواسطة مسجلة، أما الإرسال فبواسطة جهاز إرسال، وتم تدريبه، أيضاً، على الأجهزة التي سوف يدخلها معه إلى سوريا. غادر كوهين مجدداً تل أبيب إلى أوربا، وفي مطلع الشهر الأول من عام 1962 تم في مدينة جنوة تعارفه على عميل حلف “الناتو” وعميل ال C.I.A السوري ماجد شيخ الأرض، وهنا سلَم المسؤول عن ترتيب لقاء التعارف لماجد سيارة من نوع “أوبل” خبئت فيها الأجهزة التي اصطحبها معه كوهين، وفي أوائل كانون الثاني/يناير 1962 أبحر العميلان حيث تم التعارف على أن كامل أمين ثابت عميل في حلف “الناتو” مع السيارة على متن الباخرة اسبريا من جنوة ووصلا ميناء بيروت في الثامن من كانون الثاني/يناير 1962..
اتصل ماجد شيخ الأرض صباح اليوم الثاني من وصولهما إلى بيروت مع صديقه الموظف في الأمن العام نصر الدين وانلي، وطلب منه ضرورة الحضور إلى مركز الحدود في جديدة يابوس لمساعدته بإدخال سيارته، وتم الاتفاق بينهما على أن يكون بانتظاره صباح يوم العاشر من كانون الثاني/يناير 1962 وبهذه الطريقة تم دخول كوهين مع أجهزته إلى سوريا.
عمل السفير دوسان مع أجهزة الأمن في الإقليم الشمالي في سوريا وقام أثناء الحرب الأهلية في لبنان 1958 بتهريب الأسلحة ولأكثر من مرة في سيارته الدبلوماسية من دمشق إلى لبنان لصالح القوى المناوئة لكميل شمعون، ولما اكتشف أمره حصل على حق اللجوء السياسي في سوريا وأقام في قرية عرنة بجبل الشيخ
إيلي كوهين في دمشق
في دمشق، تعرف كوهين، على منزل كمال الخشن وسلمه الرسالة الموجهة إليه من والده، كما تعرف من خلال تردده إلى بيت الخشن على جاره معذى زهر الدين ابن شقيق قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين.
كانت المهمة الرئيس لكوهين في دمشق التعرف على مكان إقامة ألويس برونر مساعد ادولف أيخمان، الذي التجأ إلى سوريا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ورسم الخطط لخطفه، وكان برونر قد فتح مكتباً له مع شريكين أحدهما ألماني والآخر سوري وهو فؤاد لطيف، وعمل مكتبه بتجارة السلاح، وهو استورد أسلحة لصالح جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وهاجر برونر إلى مصر بعد فترة قصيرة من وصول كوهين إلى دمشق. تردد كوهين في دمشق على الأماكن التي يتواجد فيها الأجانب علّه يتعرف على ألويس برونر، وعلى السفير البلجيكي السابق دوسان.
عمل السفير دوسان مع أجهزة الأمن في الإقليم الشمالي في سوريا وقام أثناء الحرب الأهلية في لبنان 1958 بتهريب الأسلحة ولأكثر من مرة في سيارته الدبلوماسية من دمشق إلى لبنان لصالح القوى المناوئة لكميل شمعون، ولما اكتشف أمره حصل على حق اللجوء السياسي في سوريا وأقام في قرية عرنة بجبل الشيخ.
لما فشل كوهين خلال الأشهر الستة الأولى من التعرف على مساعد أيخمان استدعاه جهاز الموساد إلى إسرائيل، وبعد أن أطلع رؤسائه على ما يقوم به وعلى أسماء الأشخاص الذين تعرف عليهم مثل جورج سيف المغترب العائد من الأرجنتين والمذيع في البرنامج الإذاعي الموجه إلى المغتربين في أمريكا اللاتينية باللغة اللاتينية، وعمر الشيخ طالب الطالب الهارب من الأرجنتين بعد الانقلاب على حكم الجنرال بيرون، ومعذى زهر الدين الموظف في وزارة الشؤون البلدية والقروية وغيرهم، عاد كوهين مجدداً إلى دمشق، بعد أن طلب منه المسؤول عنه تمتين علاقته مع كل من كمال الخشن وجورج سيف ومعذى زهر الدين وهيثم القطب الموظف في المصرف المركزي وصاحب المنزل الذي استأجره كوهين في أول شارع أبي رمانة، وحددت مهامه الأساسية بإبلاغ المركز عن:
(1) أية حركات عسكرية يسمع بها أو يطلع عليها مهما بدت بالنسبة إليه عادية وغير ذات قيمة؛
(2) الأخبار الاقتصادية والسياسية، والتركيز عليها؛
(3) أهم الشائعات المتعلقة بالوضع السياسي والعسكري والاقتصادي.
وكان رفيق دربه طيلة عهد الإنفصال هو الملازم أول معزى زهر الدين – إبن أخت اللواء عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش آنذاك ـ وهو من كان خدينه في الغدو والتراوح، في الجبهة وخارجها، ومع البنين والبنات، وربما من دون إذن الخال الذي عُرف بـ”نجابته” و”سمو” شأنه. خلف معزى في تلك المهمة سليم حاطوم، بعد أن وثب البعث إلى السلطة وانفرد بها.
اعتمد كوهين على هؤلاء الأشخاص الثلاثة بشكل رئيس للحصول منهم على المعلومات المطلوبة، كما أن جورج سيف استضافه في برنامج إذاعي وكان يزوده بالمعلومات السياسية، والقطب كان يستقبله في المصرف المركزي ويجاوبه على كل أسئلته المالية والاقتصادية، وبعد استدعاء معذى للجيش بعد الثامن من آذار/مارس وتعيينه قائداً للحرس القومي في إدلب استضافه وقاما معاً بزيارة المنطقة الحدودية السورية – التركية في المحافظة، وكان كوهين يستضيف معذى في منزله كلما زار دمشق.
أعلن كوهين أنه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعيا الحب لوطن لم ينتم إليه يوماً. ايلي كوهين وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق، تلقت أجهزة الاستقبال في “أمان” أولى رسائله التجسسية التي لم تنقطع علي مدى ما يقرب من ثلاث سنوات، بمعدل رسالتين علي الأقل كل أسبوع. وفي الشهور الأولي تمكن كوهين أو كامل من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة مع ضباط الجيش والمسئولين الحربيين. وكان من الأمور المعتادة أن يقوم بزيارة أصدقائه في مقار عملهم، ولم يكن مستهجنا أن يتحدثوا معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل، وأن يجيبوا بدقة علي أي سؤال فني يتعلق بطائرات الميج أو السوخوي، أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفيتي أو الفرق بين الدبابة تي ـ 52 وتي ـ 54، الخ من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس. وبالطبع كانت هذه المعلومات تصل أولا بأول إلى إسرائيل، ومعها قوائم بأسماء وتحركات الضباط السوريين بين مختلف المواقع والوحدات. وفي أيلول/سبتمبر 1962 صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان. وقد تمكن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة التصوير الدقيقة المثبتة في ساعة يده، وهي احدى ثمار التعاون الوثيق بين المخابرات الإسرائيلية والأمريكية.
ومع أن صور هذه المواقع سبق أن تزودت بها إسرائيل عن طريق وسائل الاستطلاع الجوي الأمريكية، إلا أن مطابقتها علي رسائل كوهين كانت لها أهمية خاصة سواء من حيث تأكيد صحتها، أو من حيث الثقة في مدى قدرات الجاسوس الإسرائيلي. وفي عام 1964، عقب ضم جهاز “أمان” إلى “الموساد”، زود كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة، وفي تقرير آخر أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز تي ـ54 وأماكن توزيعها، وكذلك تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب. وازداد نجاح ايلي كوهين خاصة مع إغداقه الأموال على حزب البعث وتجمعت حوله السلطه واقترب من ان يُرشح رئيسا للحزب او رئيساً للوزراء!
شكك الحافظ في ما يدعيه الجاسوس بأنه مغترب ومسلم، وليتأكد من صحة شكوكه، طلب منه قراءة سورة الفاتحة ولمَا تلعثم في قراءتها، أوعز للمحقق بأن ينحى التحقيق منحى يهودية الجاسوس وإسرائيليته، وبدأ كوهين يعترف عن هويته، وسردَ سيرة حياته ومنها تجنيده من الموساد لزرعه جاسوساً في سوريا
اكتشاف الجاسوس
في عام 1965، وبعد سنوات من العمل في دمشق، لاحظ السوريون أن الكثير من قرارات الحكومة السورية تصل إلى إسرائيل، ويتم بثّها في الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية. فهم السوريون فوراً بأن «جاسوساً إسرائيلياً مقرّباً من القيادة السورية يعمل لمصلحة إسرائيل» وبدأوا بالبحث عنه. واستطاع السوريون عن طريق أجهزة روسية متطورة إيجاد المكان الذي يبثّ منه إيلي معلومات لإسرائيل.
وفق الرواية السورية، التقطت شعبة المخابرات العسكرية تردداً لإرسالٍ لاسلكي، ولم يكن هذا التردد ولا توقيت إرساله مسجلاً لدى فرع الرقابة السلكية واللاسكية في شعبة المخابرات، وتزامن هذا الحدث مع تشويش على أجهزة الإرسال والاستقبال في السفارة الهندية، وتقدمت السفارة باحتجاج على ذلك إلى وزارة الخارجية، ونظراً للصداقة الحميمة بين سوريا والهند، استدعى رئيس مجلس الرئاسة الفريق أمين الحافظ رئيس شعبة المخابرات العسكرية العقيد أحمد السويداني ولفت نظره إلى احتجاج السفير الهندي، وفي هذا اللقاء أطلع السويداني أمين الحافظ على متابعة شعبة المخابرات لمعرفة مصدر ترددٍ لإرسالٍ مجهول، وأن الشعبة تشك بأن الإرسال قد يكون مصدره من السفارة، وتابع فرع الرقابة البحث ووضع احتمالاً بأن الإرسال ربما يكون من مقر المعهد العربي – الفرنسي في شارع أبي رمانة والمقر غير بعيد عن منزل كوهين، واقتحمت عناصر من الفرع المركز بلا جدوى، وأدى هذا الاقتحام إلى احتجاج فرنسي جاء في الوقت الذي بدأت تتحسن فيه العلاقات العربية – الفرنسية في عهد الرئيس شارل ديغول، ووضع هذا الاحتجاج السلطة وشعبة المخابرات في حرج كبير.
جاء الفرج من مهندس مختص بالاتصالات في ألمانيا الغربية ويخدم في فرع الرقابة برتبة ملازم مجند، إذ أخبر رئيسه الملازم محمد ناصيف الذي أخبر بدوره رئيس الفرع الرائد محمد وداد بشير، عن وجود أجهزة متطورة في ألمانيا الغربية باستطاعتها أن تحدد بدقة أمكنة الإرسال، وجاؤوا الثلاثة إلى مكتب رئيس الشعبة العقيد سويداني وأطلعوه على الأمر، فأوعز إلى المهندس الاستعداد فوراً للسفر إلى ألمانيا لشراء الأجهزة، وزوده بجواز سفر وبالمال المطلوب، على أن ينجز المهمة بأسرع وقت “وهذه الأجهزة لا يمكن استيرادها إلا من قبل القوات المسلحة بسبب استخدامها العسكري”، وتم ما أراده رئيس الشعبة، وعاد المهندس مع الأجهزة بأسرع وقت ممكن، وبدأ تعقب مصدر الإرسال وحدد البناء الذي يصدر عنه.
ولما لم يعد الخطأ مقبولاً، استأجرت شعبة المخابرات شقة في هذا البناء ووضعت فيه دورية أمنية وحددت مهمة رئيسها بنزع الواصل الفاصل “البيشون” لثوان معدودة من ساعات الكهرباء لشقق البناء، شقة بعد شقة وكل يوم شقة، أثناء البث، ولما توقف البث أثناء نزع بيشون ساعة إحدى الشقق، تم تحديد الشقة، وتمت معرفة شاغلها المغترب “كامل أمين ثابت”.
في اليوم التالي، وفي الوقت المحدد للبث، داهمت دورية من المخابرات على رأسها العقيد سويداني والرائد بشير الشقة، بخلع بابها بدفعة قوية، ووقف كوهين خلف طاولة المكتب مذعوراً من المفاجأة، ولم يجد المداهمون على الطاولة جهاز الإرسال، ولما سُئِل عنه أنكر وجود أي جهاز عنده، وأثناء البحث في الشقة عن الأجهزة تعثر حذاء أحد أفراد الدورية بحبل ستارة النافذة ومن قوة التعثر هبطت الستارة مع حبلها وهبط معها جهاز إرسالٍ احتياطي، وهنا سقط في يد الجاسوس الذي كشف عن مخبأ الجهاز الذي كان يرسل منه لحظة المداهمة. كان سطح طاولة المكتب محفوراً بمساحة درج الطاولة وبما يتسع لجهاز الإرسال ويغطي هذه المساحة مصنف جلدي لحفظ الأوراق.
طلب العقيد السويداني من الجاسوس إرسال رسالة كتبها له، تستوجب الإجابة عليها، ولكن المسؤول عن استقبال الرسائل في تل أبيب لم يجب، وأدرك جهاز “الموساد” نتيجة التوقف الفجائي للإرسال ومن معطيات الرسالة التي طلب إليه إرسالها أن الجاسوس قد ألمت به مصيبة.
بداية، أخذ التحقيق مع الجاسوس منحى أنه مغترب ومن أصل سوري ومسلم، ومع الإعلان في الصحف السورية بتاريخ 24 كانون الثاني/يناير 1965 عن إلقاء القبض على جاسوس، بدأت أجهزة الإعلام الصهيونية تضخم دوره وتعلي من شأنه وتروج الشائعات ومنها علاقته مع الفريق أمين الحافظ، ومن قبيل الفضول أراد الفريق الحافظ مشاهدة الجاسوس ليعرف إن كان قد التقى به في الأرجنتين، ولمَا شاهده نفى نهائياً أن يكون قد اجتمع معه، ووجه إليه بعض الأسئلة، ومن خلالها، شكك الحافظ في ما يدعيه الجاسوس بأنه مغترب ومسلم، وليتأكد من صحة شكوكه، طلب منه قراءة سورة الفاتحة ولمَا تلعثم في قراءتها، أوعز للمحقق بأن ينحى التحقيق منحى يهودية الجاسوس وإسرائيليته، وبدأ كوهين يعترف عن هويته، وسردَ سيرة حياته ومنها تجنيده من الموساد لزرعه جاسوساً في سوريا.
عند انتهاء التحقيق مع كل من عرفهم كوهين وعددهم لا يتجاوز الأربعين شخصاً بينهم عشر نساء، بدأت محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية الاستثنائية وصدرت الأحكام ببراءة 33 متهماً والنسوة من بينهم، وأحكام بين ثلاثة أشهر وعشر سنوات لعدد من السوريين والإعدام لإيلي كوهين. حاولت الكثير من الشخصيات الأوروبية التوسط لتخفيف حكم الإعدام عن الجاسوس، دون جدوى، ونفذ الحكم عليه صباح يوم 18 أيار/مايو 1965.
موقع 180
إضافة تعليق جديد