“قيصر” يراقب سوريا: الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان
زياد غصن:
قد تكون فكرة تزويد لبنان بالكهرباء الأردنية سابقة على مساعي تزويده بالغاز المصري. ففي العام 2019 جرى توقيع اتفاقية تعاون في مجال الطاقة بين لبنان والأردن. آنذاك أبدى الجانب الأردني استعداده لتزويد لبنان بجزء من احتياجاته من الطاقة الكهربائية، لكن يبدو أن قرار الإدارة الأمريكية السابقة بتشديد الحصار الاقتصادي على سوريا، ومن ثم إقرارها لقانون “قيصر”، فضلاً عن بعض الأسباب الداخلية اللبنانية، جميعها عوامل حالت خلال السنوات السابقة من دون وصول الكهرباء الأردنية إلى منازل اللبنانيين.
اليوم، وفي ظل أذن أو “ضوء أخضر” أمريكي حصل عليه الملك الأردني خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، يعاد طرح المشروع، لكن على نطاق أوسع هذه المرة. فإلى جانب الكهرباء الأردنية المراد تصديرها إلى لبنان يحضر الغاز المصري أيضاً، والحديث حالياً بين فنيي دمشق وعمان يدور بحسب معلومات حصل عليها موقع ” أثر” حول جاهزية شبكة الربط الكهربائي بين البلدين وخط الغاز العربي المتوقف منذ بداية الأزمة السورية، وثمة اجتماعات فنية جديدة ستعقد قريباً لهذه الغاية في العاصمة الأردنية. وربما تكون الزيارة الأخيرة، التي قام بها وزيرا النفط والكهرباء السوريان إلى الأردن ومباحثاتهما مع وزيرة الطاقة الأردنية، قد تناولت هذا الملف بشكل أو بآخر.
معادلة بسيطة قادت الملك الأردني للحصول مؤخراً على إذن أمريكي مشابه لذلك الإذن المعطى للعراق منذ سنوات، والذي سُمح لبغداد بموجبه بتجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران واستيراد احتياجاتها من الغاز والكهرباء الإيرانيين وفق اشتراطات معينة. طرفا هذه المعادلة هما: الخسائر الكبيرة التي مني بها الاقتصاد الأردني جراء العقوبات الغربية، والأمريكية تحديداً، على سوريا. ومن ثم أولوية الحكومة الأردنية المتمثلة في البحث عن أسواق خارجية إضافية تساعدها على تحمل جزء من ارتفاع فاتورة الطاقة الكهربائية الفائضة لديها، وبالتأكيد ليس هناك حالياً أفضل من سوريا ولبنان لسببين: الأول حاجة البلدين الماسة لكميات إضافية من الطاقة الكهربائية تسند الاحتياجات المحلية في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها كلا البلدين، والسبب الثاني يكمن في توفر الإمكانيات الفنية لعملية تصدير الكهرباء للدولتين، حيث أن الدول الثلاث كانت تشكل جزءاً أساسياً من مشروع الربط الكهربائي الثماني الممول من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والذي تعثرت عملية استثماره بفعل الأحداث التي شهدتها معظم الدول المشاركة فيه خلال السنوات السابقة. علماً أن مشروع الربط الثماني يضم كل من: ليبيا، مصر، فلسطين، الأردن، سوريا، العراق، لبنان، وتركيا.وبغض النظر عن إمكانية استفادة سوريا من الكهرباء الأردنية لدعم شبكتها، سواء لأسباب مالية تتعلق بالتكلفة المرتفعة للمنتج الكهربائي الأردني أو بفعل تمسك واشنطن بعقوباتها التي تحول دون استفادة دمشق من أي استثناء، فإن حصول لبنان على الكهرباء الأردنية بات مرهوناً اليوم بالظروف الفنية لشبكات الدول الثلاث وقدرتها على الربط فيما بينها. وبحسب ما تشير مصادر في وزارة الكهرباء السورية فإن “ربط الشبكتين الأردنية والسورية يحتاج إلى إجراء عمليات صيانة لبعض الخطوط أو لمكونات شبكات نقل الكهرباء، وفي حال توفر التمويل والتجهيزات والأمراس اللازمة فإن الكوادر السورية أصبح بإمكانها فعل ذلك خلال فترة زمنية ليست كبيرة”. أما عملية الربط بين الشبكتين السورية واللبنانية فهي لا تحتاج سوى إلى عمليات صيانة دورية، إذ أن دمشق قامت سابقاً بتصدير بعض الكميات المنتجة لديها إلى لبنان.
هذا هو أيضاً حال خط الغاز العربي، الذي تعرض للتخريب مرات عديدة خلال سنوات الحرب، وتم إصلاحه من قبل ورشات وزارة النفط باعتباره جزءاً من شبكة نقل الغاز الداخلية في سوريا قبل أن يكون جزءاً من مشروع خط الغاز العربي، ولهذا كان يجري دوماً المحافظة على جاهزيته وإصلاحه كلما تعرض للتخريب من دون تأخير. وتبعاً لمعلومات وزارة النفط فإن هناك ثلاث محطات صمامات من الحدود مع الأردن يتم التحكم بها أوتوماتيكياً وهي تعرضت للتخريب، لكن يمكن لعناصر وزارة النفط فتح الخط ميكانيكاً، أي أن الخط ببساطة جاهز لنقل الغاز، والإصلاح المتبقي لا يعيق إمكانية تشغيله، خاصة وأن بقية المقاطع جاهزة ومستثمرة من دير علي وصولاً إلى تشرين، جندر، الريان، والتعريفة باتجاه طرابلس عند منطقة تلكلخ. أما فيما يتعلق بالمقطع الذي يربط مصر بالأردن، فالأخير عاد للاعتماد منذ عدة سنوات على الغاز المصري في إنتاجه للطاقة الكهربائية، وتالياً فإن عمليات الصيانة الفنية التي قد تجري ستكون للمقطع الذي يربط الشبكة الأردنية بنظيرتها السورية.
وهذا ما سيعمل عليه فنيو البلدين خلال الفترة القادمة تمهيداً لإعلان جاهزية الخط لنقل الغاز المصري إلى لبنان بحسب معلومات خاصة بــ”الأخبار”.ليس واضحاً إلى الآن إن كانت واشنطن ستغض الطرف عن إمكانية استفادة دمشق من الغاز المصري والكهرباء الأردنية لسد بعض من احتياجاتها المحلية، إنما المعلومات الأولية التي حصل عليها موقع “أثر” تقول إن الإذن الأمريكي المعطى لعمان يتعلق فقط بالسماح بوصول الكهرباء والغاز إلى لبنان تحت أنظار قانون قيصر، وتالياً فإن الاستفادة السورية سوف تقتصر حالياً على استيفاء أجور نقل الكهرباء والغاز، لكن لا يعرف لاحقاً كيف يمكن أن تتطور تلك الاستفادة وحدودها، لاسيما وأن هناك مؤشراً آخر لا يقل أهمية، ويتعلق بإعادة العمل بمعبر نصيب الحدودي بطاقته القصوى. في حين أن وجهة نظر مسؤول نفطي سابق تذهب إلى الاعتقاد أن وصول الغاز المصري إلى لبنان يعني ضمنياً القبول بحصول سوريا على كميات من الغاز، ومن المصدر نفسه، وإلا فإن دمشق بحسب رأيه لن تقبل بعبور الغاز في أراضيها، إلا إذا تعاملت مع الملف من زاوية مختلفة كما فعلت مع ملفات أخرى انطلاقاً من مواقفها الداعمة للبنان لتجاوز أزمته الاقتصادية الحالية. ويطرح المسؤول السابق سؤالاً لابد من الإجابة عليه، ومفاده: هل يوجد لدى مصر كميات فائضة إضافية يمكن أن تلبي حاجة لبنان، وما قد تطلبه سوريا؟
اثر برس
إضافة تعليق جديد