هل يوجد اعلام سوري موجه للخارج ؟
يثير الإعلام السوري الخارجي جملة من الأسئلة، تتعلق بقلة وسائل الإعلام السورية الموجهة للخارج ونوعية الخطاب الإعلامي السوري الخارجي الذي مازال مغرقا في محليته من حيث طبيعة الموضوعات وآلية التفكير.
ويؤكد عدد كبير من الإعلاميين السوريين عدم وجود إعلام سوري موجه للخارج بالمعنى الحقيقي، مشيرين إلى أن الأمر لا يتعدى وجود بعض وسائل الإعلام المحلية التي تعتمد على ترجمة الأخبار المحلية إلى اللغة الإنكليزية وتقديمها بوجهة نظر رسمية بحتة.
ويقول أيمن عبد النور رئيس تحرير نشرة "كلنا شركاء في الوطن" الإلكترونية: "حتى الآن لا يمكن القول بأن هناك إعلام سوري موجه للخارج، أي لا يوجد خطاب إعلامي موجه لغير السوريين. صحيح أن هناك إعلاما سوريا يمكن للأجانب المقيمين داخل سوريا الاطلاع عليه، لكنه يعتمد على برامج غير موجهة لخارج سوريا."
ويضيف: "فنشرات الأخبار وبعض البرامج التلفزيونية التي تبث على القنوات الأرضية بلغات غير العربية وكذلك الصحيفة اليومية التي تصدر باللغة الانكليزية (سيريا تايمز) إضافة للفضائية السورية التي يمكن أن تصل لدول أجنبية، كلها تعتمد على برامج مكتوبة باللغة العربية وبعقليتنا وعاداتنا وأسلوب تفكيرنا ومن ثم تتم ترجمتها للغة الأجنبية. لذلك فهي صعبة الهضم، إذا لم نقل مستحيلة الهضم، بالنسبة للمتلقي الأجنبي وحتى للجيل الثاني من المغتربين السوريين."
ورغم أن عبد النور يعترف بوجود مجلتين سوريتين تصدران بالإنكليزيةSyria) today & (forward يقول بأنهما متميزتان من الأسلوب ومعالجة القضايا التي تهم القارئ الغربي، إضافة إلى وجود محاولة لإطلاق فضائية حكومية موجهة للخارج ستستقطب كفاءات إعلامية من بعض الدول العربية.
غير أنه يرى ضرورة تحرير الإعلام السوري من الضوابط الكثيرة التي تحكمه إضافة إلى إصدار قانون جديد للإعلام السوري يدفع باتجاه حرية التعبير عن الرأي وتحرير الإعلامي السوري من الخوف الذي يحكمه أثناء كتابته ومنع استدعائه من قبل أجهزة الأمن.
من جانبها تؤكد سعاد جروس مديرة تحرير موقع الجمل الإلكتروني على ضرورة حل مشكلات الإعلام السوري الموجه للداخل قبل الحديث عن الإعلام الخارجي، مشيرة إلى أن الإعلام الداخلي لا يتعدى وسائل الإعلام الرسمية التي نجحت حتى الآن في "تنفيذ المهمات الموكلة إليه على صعيد السياسة الداخلية، من حيث تعبئة الجماهير."
وتضيف: "القيادة السورية لا تبدو أنها بحاجة لإعلام رأي يتناول سياستها بالنقد، بقدر حاجتها لإعلام يروج سياستها لدعم تماسك الداخل. لذا فإن وجود مشاريع إعلامية ذات تمويل سوري على مستوى العالم أو المنطقة في المدى المنظور مرهون أساساً بالإرادة السياسية. فإما سوريا بحاجة لتلك المشاريع وإما لا، وإذا كان لا؟ وكما هو واضح لغاية الآن، فإننا على موعد مع مزيد من صحافة الدكاكين، ومزيد من الباعة الجوالين للمواد الصحفية."
ويقول الدكتور برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون: "لا أعرف أن في الخارج إعلاما سوريا. وهو بالتأكيد غير موجود بالنسبة للمقيم في الدول الأوروبية، اللهم إلا إذا اعتبرنا المواقع الإلكترونية أو القنوات الفضائية إعلاما خارجيا. وقليل منه إعلام سوري في الواقع، فهو إعلام سياسي يهدف إلى تحسين صورة السلطة القائمة، لكن الشعب السوري وثقافته ونشاطاته ومعاناته وإبداعاته ومشاكله التي لا تنتهي كل ذلك غائب كليا عن هذا الإعلام."
في حين يرى الكاتب الصحفي حسين العودات أن "الإعلام السوري تستغرقه الأمور الداخلية، وهو يبذل جهده لخدمة سياسة الحكومة وأعمالها وينسى أحيانا أنه إعلام دولة وليس إعلام حكومة."
وفيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تقوم به المكاتب الإعلامية السورية في الخارج يقول العودات: "المكاتب الإعلامية من مهمتها الأساسية أن تنقل إلى الداخل وليس لها نشاط خارجي، ولا جدوى منها في واقع الحال وهي على كل حال نادرة."
ويضيف: "حتى المواقع الإلكترونية مغرقة في محليتها، وهمومها داخلية دائما وغير منتشرة بين السوريين في الداخل والخارج."
ويقترح إعادة النظر ببنية الإعلام السوري ومهماته ووظائفه وإعطائه الحرية وترك المجال له ليتسع للتعددية والرأي الآخر وليكون موضوعيا في تناول جميع القضايا السياسية وغيرها، مع وضرورة وجود قنوات إعلامية خاصة والاعتماد على الكفاءات ووضع سياسات واستراتيجيات جديدة والابتعاد عن سياسة ردود الفعل.
من جهته يرى جنبلات شكاي مراسل جريدة الرأي العام الكويتية أن الإعلام السوري الخارجي مازال قاصرا عن القيام بدوره في نقل صورة حقيقية عن سوريا في مقابل الصورة الخاطئة التي تروج لها بعض وسائل الإعلام الغربية، مشيرا إلى أن هذا الإعلام لم يستطع أن يدافع عن سوريا في مراحل عدة تعرضت سياستها خلالها لانتقادات شديدة.
ويضيف: "إذا كان هناك إعلام سوري موجه للخارج فهو بالتأكيد لم يقم بالدور المطلوب منه، سواء على مستوى مضمون الرسالة أو شكلها، ويمكن لنا مجازا أن نقول أن الأعمال الدرامية السورية استطاعت أن تشكل صورة جيدة عن سوريا بطريقة أفضل بكثير مما قامت به وسائل الإعلام الرسمية السورية، ولا نتحدث عن وسائل أخرى خاصة لأنها حتى الآن غير موجودة على الخارطة الإعلامية السورية سواء على مستوى الصحافة المكتوبة أو المسموعة أم المرئية."
ومع أن شكاي يٌقرّ بوجود صحيفة سورية تصدر باللغة الإنكليزية، إضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية، غير أنه يؤكد أن الوسيلة الأولى تقوم على ترجمة الأخبار العربية إلى اللغة الإنكليزية من قبل أشخاص غير محترفين في العمل الصحفي، في حين ينحصر جمهور الثانية بالمغتربين السوريين.
ويضيف: "هناك تجربة رسمية وحيدة هي صحيفة سيريا تايمز وهي موجهة للأجانب الذين يعيشون في سوريا، لكنها لا تعتبر رسالة إعلامية احترافية لأنها تقوم على مبدأ ترجمة الأخبار العربية إلى اللغة الإنكليزية من قبل أشخاص غير محترفين في العمل الصحفي، وهذا يؤدي بدوره إلى المزيد من التشويه لصورة سوريا."
ويعتقد شكاي أن مشكلة الإعلام السوري عامة تتجلى في عدم وجود بيئة إعلامية جيدة، مشيرا إلى أن المساحة الإعلامية الموجودة في الداخل إذا ما تم استغلالها بآليات مختلفة ستؤدي إلى ولادة إعلام جديد يضاهي بقية الفضائيات العربية المحترفة.
ويؤكد على ضرورة تغيير الصورة النمطية للإعلام السوري الذي ينظر له على أنه "وسيلة تعكس الصورة السياسية للحكومة وليس سلطة رابعة كما هو الحال في بقية دول العالم"، إضافة إلى توسيع هامش النقد والحرية في جميع وسائل الإعلام السورية.
حسن سلمان
المصدر: ميدل ايست
إضافة تعليق جديد