هزّة داخل «النصرة» تطيح بـ«أميرين»
«جبهة النصرة» ترفض الانضمام إلى القيادة العسكرية الموحدة في القلمون وتتمسك بغرفة العمليات التي تقودها، بالتزامن مع تقدم الجيش السوري وسيطرته على التلال المحيطة بمدينة يبرود، وأنباء عن خلافات بدأت تدب بين «النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في القلمون بعد أسابيع من حفاظهما على حياد القلمون في صراعاتهما الممتدة من الشمال إلى الشرق، في الوقت الذي انتهت فيه مهلة الأيام الخمسة التي حددها زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني لتلقي رد من «داعش» على مبادرته الأخيرة، مع تهديده بنفي «داعش» حتى من العراق في حال رفض المبادرة. ويبدو أن اثنين من أشهر أمراء «النصرة» الشرعيين جرى تقديمهما كبشي فداء على مذبح الصراع مع «داعش».
ورفضت «جبهة النصرة في القلمون» الانضمام إلى «القيادة العسكرية الموحدة في القلمون»، وتمسكت بـ«غرفة العمليات الموحدة» التي تقودها منذ عدة أشهر. وقد تشكلت «القيادة العسكرية الموحدة» منتصف شباط الماضي، بقيادة العقيد المنشق عبد الله الرفاعي، وضمت أبرز الفصائل المسلحة في منطقة القلمون، من بينها «أحرار الشام»، و«كتائب الفاروق في القلمون»، «فرقة الفاروق المستقلة»، «لواء الحق»، «لواء درع الريف الدمشقي»، «قوات المغاوير» («كتائب النور» و«مغاوير القلمون»)، «جبهة تحرير القلمون»، «صقور الفتح»، «كتيبة سيف العدل»، «لواء تحرير الشام»، «لواء القصير»، و«كتيبة الشهيد ثائر بوظان».
وأكدت «النصرة»، في بيان صادر عن فرعها بالقلمون، أنها ما زالت تقاتل ضمن غرفة العمليات الموحدة «أبواب الله لا تغلق-2»، وأنها ترابط على جبهة ريما والسحل وفليطة ومعلولا ورنكوس، مشيرة إلى وجود تنسيق بينها وبين كافة الفصائل التي تقاتل من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله. غير أن إشارتها الأخيرة إلى التنسيق لا تنفي أن البساط قد سحب من تحت قدميها في القلمون، فلم تعد هي من يقود غرفة العمليات التي تتحكم بالقسم الأكبر من الأعمال العسكرية، كما أن تمسكها بغرفة العمليات الموحدة لا يحجب حقيقة أنها أصبحت معزولة نوعاً ما، خصوصاً أن حليفتها الأبرز «حركة أحرار الشام» تخلت عن غرفة العمليات الموحدة، وانضمت إلى القيادة العسكرية الموحدة الجديدة.
كما رشحت خلال الأيام الماضية معلومات عن خلافات نشبت بين «جبهة النصرة» و«داعش» في منطقة القلمون، وكادت تتطور إلى اشتباك مسلح لولا حالة المواجهة العسكرية الساخنة التي تعيشها هذه الفصائل مع الجيش السوري. والجدير بالذكر أن منطقة القلمون ظلت بعيدة عن أجواء الصراع بين «النصرة» و«داعش» وذلك بعد اتفاق بين قيادات الفصيلين على تحييد المنطقة عن الصراع بينهما، والذي امتد من ريف حلب شمالاً إلى ريف دير الزور والحسكة شرقاً.
ولم يكن سحب البساط من تحت قدميها في القلمون، عبر إلغاء غرفة عملياتها وتشكيل «القيادة العسكرية الموحدة» الصفعة الوحيدة التي تتلقاها «جبهة النصرة» خلال الفترة الماضية، ففي حلب تلقت صفعة مدوية على يد الجيش السوري على جبهة السجن المركزي، وذلك بعد نجاح الجيش في التقدم باتجاه السجن وسيطرته على قرية حيلان ومجبل الزفت، وهو ما يجعل من فك الحصار عن السجن مسألة وقت فقط.
وكانت «جبهة النصرة» تراهن بثقة على قدرتها على اقتحام سجن حلب المركزي مع ما سيحققه لها من نصر مادي ومعنوي كبيرين لو تحقق، ووضعت في سبيل ذلك إمكانات عسكرية هائلة، كما خسرت عدداً من قيادييها أبرزهم سيف الله الشيشاني. ومن المتوقع في حال نجاح الجيش السوري بفك الحصار عن سجن حلب المركزي أن يؤدي ذلك إلى تراجع ثقة الفصائل المسلحة بـ «جبهة النصرة» وبقدراتها، وقد ينسحب إلى تراجع دور الأخيرة في قيادة العمليات في حلب كما حدث في القلمون.
ومن غير المستبعد أن يكون انخراط «جبهة النصرة» بشكل مباشر في الصراع مع «الدولة الإسلامية»، خصوصاً بعد مهلة الأيام الخمسة، وتوعد زعيمها الجولاني بمحاربة «داعش» في العراق ونفيه من هناك، قد أثرا في قدرة «النصرة» في الحفاظ على مستواها القتالي على كافة الجبهات، لا سيما أنها تشعر يأن ظهرها غير محمي، وقد تتلقى طعنة مفاجئة من حيث لم تكن تحتسب، خصوصاً في دير الزور والحسكة اللتين من المتوقع أن تتركز فيهما أشرس المعارك بين الفصيلين.
لكن يبدو أن تراجع المستوى القتالي ليس التأثير الوحيد الذي أصاب «جبهة النصرة» جراء تهديد الجولاني بتوسيع الحرب على «داعش»، وما استتبعه من تعزيز الجبهة الشرقية على حساب بقية الجبهات، بل وصل التأثير إلى الحلقة الضيقة المحيطة بالجولاني نفسه، فقد صدر أمس بيان مفاجئ عن «النصرة» يتضمن تحديد أسماء ثلاثة «أمراء شرعيين»، أعضاء في ما أسماها «اللجنة الشرعية» المكلفة رسمياً بالتعبير عن وجهة نظر قيادة «النصرة»، وهذه الأسماء هي «المفتي العام» للجبهة أبو ماريا القحطاني وأبو سليمان الاسترالي (من أصل مصري على الأغلب وكان «الأمير الشرعي للنصرة» في الرقة قبل خروجها منها) والدكتور سامي العريدي. وهذا يعني أن قيادة «النصرة» استبعدت كلاًّ من «أميريها الشرعيين» أبو الحسن الكويتي وسلطان بن عيسى العطوي، وهما من أبرز صقورها في مواجهة «داعش».
ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة تعكس رغبة لدى قيادة «النصرة» في تخفيف حدة الصراع مع «داعش»، أم أنها تأتي في سياق محاسبة الرجلين، بعد أن بالغا في استخدام الكلمات النابية والتعابير غير اللائقة لوصف قيادات «داعش» وأنصاره، كان آخرها وصف العطوي لهم باللقطاء والحمير.
ويلاحظ أن مهلة الأيام الخمسة انتهت وسط تجاهل تام من قيادة «داعش»، التي أصدرت بياناً قبل ساعات من انتهاء المهلة نفت فيه ما أثير مؤخراً حول تكفير بعض قيادييها لزعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، كما جددت نفي علاقتها بمقتل أبو خالد السوري، لكنها لم تتطرق من قريب أو بعيد لمهلة الجولاني التي كانت على وشك الانتهاء عند صدور البيان.
في هذه الأثناء، استمرت الاشتباكات بين «النصرة» و«داعش» على جبهة بلدة مركدة في ريف الحسكة الجنوبي القريبة من دير الزور. ورغم أن «النصرة» استطاعت تحقيق تقدم من خلال سيطرتها على الجبل المحاذي للبلدة، إلا ان الثمن الذي دفعته كان مرتفعاً جداً، حيث سقط لها عشرات القتلى، من بينهم أحد أبرز قياداتها العسكرية، وهو يوسف الهجر الذي يعتبر من المؤسسين الأوائل لـ«النصرة».
ومن المتوقع أن تترك نتيجة المعركة في مركدة تأثيرها في ما ستؤول إليه العلاقة بين الفصيلين المتقاتلين، فإما أن تخسر «النصرة» وتبقى محاصرة في دير الزور تحت رحمة «داعش»، وإما أن تنتصر وتمتد المعارك بينهما إلى كل مكان يتواجدان فيه، هذا ما لم تنجح المساعي التي يقوم بها «تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية» للتوسط بين الطرفين وحل الحلاف بينهما، ولو موقتاً.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد