نظرة الأتراك إلى الانتخابات الرئاسية السورية
جولة (الجمل) على الصحافة التركية- تقرير محمد سلطان:
تختلف نظرة الأتراك للانتخابات الرئاسية السورية بحسب خلفياتهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية. فمنهم من لا يعتبر أن لها أهمية تجعله يلتفت لها, ومنهم من ينتظرها بترقب. هناك طبعاً الآملون بإسقاط الرئيس بشار الأسد لتحقيق مصالحهم, وهناك بالمقابل من ينتظر فوز الأسد لأنه يرى فيه رمزاً للمقاومة ضد الامبريالية.
بشكل عام افتقرت الصحف التركية, الحكومية منها والخاصة, للاهتمام بالانتخابات السورية واقتصرت على ذكر الأحداث اليومية بخبر قصير مثل ذكر ترشح الأسد والحجار ونوري.
بالنظر إلى القطاع اليميني, يمكن القول أن يتم بناء الرأي حول الانتخابات السورية اعتمادا على آراء كبريات الصحف الأجنبية مثل صحيفة الغارديان ونيويورك تايمز وغيرها. وهذه اللامبالاة لا تأتي عن عبث, بل بسبب النزعة العنصرية لديهم. فقطاع واسع من الأتراك درج على رؤية نفسه فوق القوميات الأخرى في بلدان الشرق الأوسط. وإضافةً إلى ذلك, لم يكن لهم موقف حازم تجاه الأزمة السورية سوى انتقادات خجولة لسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم تجاه سوريا, بل في بعض الأحيان دعموا قراراته مثل تصويتهم لصالح قرار صدور تذكرة التدخل العسكري في سوريا. ويأتي على رأس هذا القطاع حزب الحراك القومي المعارض.
يمكن وصف رؤية قطاع يسار الأوسط، وأبرز مثال له حزب الشعب الجمهوري المعارض، بأنه متذبذب نوعاً ما اتجاه الانتخابات السورية خصوصاً واتجاه الأزمة السورية عموماً. فرأينا حيناً دفاعاً مستميتاً لبعض نوابه في مجلس الشعب عن النظام السوري والرئيس الأسد, ورأيناً الانتقادات الموجهة له في أحيان أخرى. ورأينا أيضاً بعض النواب يدافعون تارةً ويهاجمون تارةً أخرى. ويمكن الحديث هنا عن صراع أجنحة ضمن الحزب، وكل جناح يرى أنه أكثر اطلاعاً وأنه أكثر صوابية من الأجنحة الأخرى. وبشكل عام، فيما يخص الانتخابات السورية، يرغب الجمهوريون في رؤية الأسد مرة أخرى على سدة الرئاسة من أجل تحقيق هزيمة أخرى لحزب العدالة والتنمية. إذ تخرج في كثير من الأحيان تحليلات سياسية ترى طريقها أحياناً إلى وسائل إعلام ومحافل نقاش مقربة من حزب الشعب الجمهوري، ومؤداها أن بقاء الأسد قد يعني سقوط أردوغان نتيجة استغناء الولايات المتحدة الأميركية عن خدماته بسبب فشله في إسقاط الأسد.
كذلك لا يمكننا تجاهل النظرة الكردية للانتخابات السورية. إن حزب العمال الكردستاني ذو الشعبية الأكبر في تركيا بين التيارات الكردية, وحزب السلام والديمقراطية, الذي يمكن أن نصفه بأنه الجناح البرلماني القانوني لحزب العمال, يؤيدون ضمنياً نجاح الرئيس السوري الحالي بشار الأسد لأنهم رأوا بأم أعينهم الفرق بين كلا البلدين. رأوا العدالة والمساواة في سوريا ورأوا الاضطهاد تجاههم في تركيا. فالأكراد يمكن أن نعتبرهم كتلةً واحدة لا تتجزأ وهم يؤمنون بالمصير المشترك. فمصير الكردي السوري يخص بالدرجة الأولى الكردي التركي والكردي العراقي والكردي الإيراني, والعكس صحيح. كذلك يمكننا تذكر تصريح الزعيم الكردي عبد الله أوجلان من سجنه في إيمرلي عندما وجه رسالة دعم للرئيس الأسد تجاه هذه المؤامرة, وأنه لا ينسى فضل الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما دعمه ودعم حركته.
لقد اعتدنا فيما مضى على رؤية أردوغان وزمرته يخرجون إلى العلن من آن لآخر ليهددوا ويشتموا ويتوقعوا اقتراب سقوط الأسد. ولكن في هذه الفترة يعم الصمت عليهم وكأن القط ابتلع لسانهم. إن أعضاء حزب العدالة والتنمية, الذي نصفه بأنه قطاع يميني أكثر مما هو إسلامي, حائرون تائهون يبحثون عن طريقة للنيل من شرعية الانتخابات السورية لأنهم يعرفون عواقب نجاح بشار الأسد وانعكاساته على الوضع التركي. وفي هذا المنحى يمكن قراءة تصريح وزير الخارجية داوود أوغلو عندما قال: «الاعتراف بشرعية الانتخابات السورية هو أشبه بالسخرية من العالم بأسره, لذلك نحن من الآن نعتبر هذه الانتخابات باطلة».
أما نظرة القطاع اليساري للانتخابات السورية فهي الأكثر مرونة بشكل عام. ورغم تغييب واستبعاد هذا القطاع عموماً عن المسرح السياسي والإعلامي فإنه الأكثر تكاملاً في نظرته للانتخابات الرئاسية في سورية. وبالنظر إلى المثقفين والحقوقيين والكتاب اليساريين في تركيا نلاحظ اهتمامهم بسير الانتخابات السوية، ونرى كذلك تأييدهم الواضح لنجاح الأسد في الانتخابات الدستورية المقبلة. وقد أدلت الكاتبة اليسارية والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط حميدة ييغيت لنا بتصريح تضمن رؤيتها للانتخابات، قالت فيه: «نحن نراقب الحرب الدامية في سوريا بقلق شديد. ولذلك نحن نتابع سير الانتخابات فيها عن قرب باهتمام بالغ. هذه الانتخابات مهمة أكثر من سابقها. لأنها سوف تكون بمثابة جواب لكل القوى الامبريالية التي تتجاهل إرادة الشعب السوري والتي تتدخل في شؤون الدولة السورية بحجة جلب الديمقراطية. الشعب السوري سوف يتخذ قراره. أتمنى أن تمر الانتخابات بهدوء وسلام. لكنني متخوفة من رفع وتيرة الإرهاب في سبيل منع إرادة الشعب السوري الحرة. ولكن الشعب السوري سوف يتجاوز هذه المحنة أيضاً. أنا أؤمن بذلك. نحن نعرف أن شعبية بشار الأسد زادت أكثر من السابق وهذا يخيف الإمبرياليين. أملي في الانتخابات أن يعلن بشار الأسد لكل العالم استمراره في الحكم عن طريق زيادة الدعم الشعبي له. لأن مكانة الأسد باتت أهم من السابق»
وأشارت الكاتبة ييغيت إلى ضرورة إتاحة الحق للشعب السوري لاختيار قادته بنفسه، فقالت: «بصفتي صاحبة رؤية اشتراكية, أدافع عن مبدأ حق تقرير المصير وأن الشعوب هي من تقرر قدرها بنفسها. ومهما كانت توجهات النظام أو القادة فإن الشعب هو من سيعينها. إن أي تدخل خارجي في سير الانتخابات غير مقبول بالنسبة لنا. والانتخابات هي وسيلة لرسم الشعب مصيره. والنتيجة التي سوف تخرج من صناديق الاقتراع هي بيّنة لإرادة الشعب»
وعن البعد الأممي لخروج المرشح بشار الأسد فائزاً قالت ييغيت: «لكن الصناديق ليست كافية بمفردها. يجب أن يستمر النضال من أجل الديمقراطية والعطاء. ولكن في هذه المرحلة أهم كفاح ونضال بالنسبة للشعب السوري هو النضال في وجه الإمبريالية. من بالغ الأهمية أن يخرج بشار الأسد من الانتخابات بالنصر لأنه كان ضمن هدف الامبرياليين والأنظمة العربية الرجعية. وهذا الشيء سيكون بمثابة ضربة موجعة للإمبريالية»
يذكر أن الكاتبة حميده ييغيت كانت قد حررت كتاباً عن الأزمة السورية من وجهة النظر اليسارية تحت عنوان "أحلام أردوغان المنهارة في سوريا". وقد أشارت في تصريحها إلى الاختلاف في وجهة النظر اتجاه الانتخابات السورية فقالت: «في تركيا هناك نظرتان مختلفتان للانتخابات السورية. الأولى تتمثل بحزب العدالة والتنمية والإعلام الحليف له من الداعمين لسياسة الحرب. فهم متخوفون من زيادة قوة الأسد بعد خروجه من صناديق الاقتراع منتصراً. وبسبب هذه المخاوف يحاولون إما تجاهل هذه الانتخابات أو خلق مفاهيم تؤدي إلى مناقشة "مشروعية الانتخابات". ولكن لا تؤخذ هذه النظرة على محمل الجد عند الرأي العام التركي. والنظرة الأخرى تدافع عن فكرة أن هذه الانتخابات سوف تكون بمثابة انتصار الدولة السورية. إن هذه النظرة تطغى على غالبية الشعب التركي. فأغلب الأتراك باتوا يهزأون من تصريحات بعض الزعماء مثل "نحن لا نقبل هذه الانتخابات". لأنه لا يقع على عاتق أحد التدخل في شؤون دولةٍ أخرى والتأثير على إرادة الشعب».
الجمل
إضافة تعليق جديد