مواكب الجمعة الأردنية: حسابات الفرص والمخاطر
الجمل: تقول التقارير والأخبار بأن المملكة الأردنية الهاشمية سوف تشهد ظهر غد الجمعة 29 كانون الثاني (يناير) 2011 سلسلة من المواكب الشعبية التي تطالب بإجراء المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية: فما هي حقيقة الحراك الشعبي الأردني؟ وما هي فرص نجاحه؟ وما هي تداعياته على الساحة السياسية الأردنية والشرق أوسطية؟
* الشارع السياسي الأردني: توصيف المعلومات الجارية
تحدثت المعلومات عن قيام جبهة العمل الإسلامي الأردنية (تنظيم الواجهة السياسية لجماعة الأخوان المسلمين) بالمزيد من الاستعدادات اللازمة لجهة تسيير مواكب شعبية في سائر أنحاء المملكة الأردنية الهاشمية، وفي هذا الخصوص تشير المعلومات إلى الآتي:
• باشرت جبهة العمل الإسلامي وبقية الحركات الإسلامية الأخرى المتحالفة معها القيام بعمليات التعبئة الواسعة لجهة حشد أكبر ما يمكن من المناصرين للمعارضة لجهة إنجاح فعاليات المواكب الاحتجاجية التي سوف تتحرك غداً.
• تم تحديد الجوامع والمساجد لتكون نقاط التجمع والانطلاق، وذلك بما يتيح الإستفادة من توافر الظروف المواتية بسبب التجمعات التي سوف تحدث خلال صلاة الجمعة.
• سوف تشهد الجوامع والمساجد خلال صلاة غد الجمعة المزيد من عمليات توزيع المنشورات والبيانات، إضافة إلى تزايد وتائر الخطب التي سيتم إلقاؤها أمام جماهير المصلين.
تقول المعلومات، بأن حملة مواكب يوم غد الجمعة سوف تكون هي الحملة الاحتجاجية الثانية من نوعها خلال هذا الشهر، إضافة لذلك فمن المتوقع أن تشهد ساحات الجوامع والمساجد الأردنية يوم غد حجماً هائلاً غير مسبوق من التجمعات، خاصة أن نفوذ المعارضة الإسلامية أصبح أكثر تأثيراً على الرأي العام الأردني.
* تحليل الصراع الأردني: المكونات والخصوصية
تشير المعطيات الجارية إلى وجود العديد من النقاط الأساسية التي يمكن ملاحظتها في بيئة الصراع الأردني الحالية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- إن الدعوة لمواكب الجمعة قد جاءت بواسطة جبهة العمل الإسلامي وحلفاءها، وبالتالي، فإن تحركات الغد سوف تكون محسوبة على الإسلاميين الأردنيين دون غيرهم من القوى السياسية الأردنية الأخرى.
- من الخطأ القول بأن مواكب الجمعة سوف تكون معزولة عن التطورات السياسية الجارية في الأردن، وذلك لأن جبهة العمل الإسلامي المنظمة لهذه المواكب تتمتع بشعبية هائلة في أوساط الرأي العام الأردني.
هذا، وما هو جدير بالملاحظة، أن مواكب يوم غد الجمعة لن تكون مواكباً شعبية عشوائية بلا قيادة، وإنما سوف تكون أكثر تنظيماً لأن قيادة جبهة العمل الإسلامي سوف تكون المسؤولة عن الأداء السلوكي الخاص بهذه المواكب، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- على أساس الاعتبارات السياسية، سوف تركز المواكب على المطالبة بضرورة: حل مجلس الوزراء الأردني، حل البرلمان، إجراء بعض التعديلات الدستورية ثم الدعوة لعقد جولة انتخابات برلمانية مبكرة.
- على أساس الاعتبارات الاقتصادية، سوف تركز المواكب على المطالبة بضرورة: مكافحة البطالة، مكافحة التضخم، تحسين مستوى الرواتب والأجور إضافة إلى تقليل الضرائب والرسوم المفروضة على الخدمات التعليمية والصحية.
التدقيق الفاحص في طبيعة مواكب غد الجمعة يشير بكل وضوح إلى أن الطابع الديني الصرف سوف يغلب على المشاركين في هذه المواكب مع احتمالات أن ينضم إليها المزيد من المحتجين خلال سير هذه المواكب.
* مواكب الجمعة الأردنية: حسابات الفرص والمخاطر
نلاحظ أن الأداء السلوكي لمواكب الجمعة الأردنية سوف يكون أداءً مقيداً وذلك لجهة الآتي:
• المطالبات السياسية سوف تقتصر على استهداف السلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء الأردني ورئيسه الرفاعي إضافة إلى استهداف السلطة التشريعية الممثلة بالبرلمان الأردني الذي رفض الإسلاميون الاعتراف بنتائجه.
• لا توجد أية مطالبات سياسية ذات طابع يستهدف النظام الملكي أو الملك الأردني.
• لا توجد أية مطالبات سياسية ذات طابع يرتبط بملفات الصراع العربي-الإسرائيلي.
وبرغم ذلك، فمن الممكن الإشارة إلى الآتي:
- إذا سعت السلطات الأردنية إلى إشعال المواجهة والصدام مع المواكب الاحتجاجية، فمن الممكن أن يتحول الأداء السلوكي الاحتجاجي باتجاه المزيد من العدائية.
- إذا وجدت المواكب الاحتجاجية المزيد من الدعم الشعبي، بحيث تزايد عمليات الانضمام الشعبي إلى صفوفها في المراحل الآتية لانطلاقتها من المساجد، فهذا سوف يتيح للمعارضة الأردنية اكتساب وزن أكبر بما يجعلها ترفع سقف مطالبها أكثر فأكثر.
- اشتعال المواجهات بين المحتجين والقوات الأردنية سوف يؤدي في ظل هذه الظروف إلى إشعال الساحة السياسية الأردنية المحتقنة بالأساس بسبب العديد من الملفات الخلافية في الجانبين الاقتصادي والسياسي.
من أبرز المخاطر المحتملة الحدوث يمكن الإشارة إلى الآتي:
- سعي الأجهزة الإسرائيلية لجهة استغلال زخم المواكب في تنفيذ المزيد من العمليات السرية.
- توجد في الأردن كتلتان من اللاجئين هما: كتلة اللاجئين الفلسطينيين وكتلة اللاجئين العراقيين، وبرغم أن اللاجئين يتعاملون عادة بحياد مع الصراعات الداخلية، فإن هناك احتمالات لجهة قيام الجماعات الصغيرة المتطرفة والناشطة في أوساط اللاجئين ببعض الأعمال والاختراقات.
- إن قدرة جبهة العمل الإسلامي الأردنية سوف تكون محدودة، وذلك لأن تضخم حجم هذه المواكب وتحولها إلى كتل جماهيرية غاضبة يمكن أن ينطوي على أداء سلوكي خارج قدرة الجبهة على الاحتواء.
من الواضح أن إسرائيل وواشنطن إضافة إلى السعودية سوف يقومون بالمراقبة الشديدة للتطورات التي ستحدث في الساحة السياسية الأردنية يوم غد عقب صلاة الجمعة، وإذا كانت إسرائيل وأمريكا تنظر إلى التطورات الأردنية باعتبارها ذات فاعلية عميقة التأثير على أمن إسرائيل، وبالتالي على أمن منطقة الشرق الأوسط، فإن السعودية سوف تكون أكثر تخوفاً من احتمالات انتقال عدوى الحركات الإسلامية الأردنية، وهي الحركات ذات العلاقات والروابط الوثيقة مع العديد من الحركات الإسلامية الناشطة في المدن السعودية الرئيسية مثل جدة، الرياض، مكة، المدينة، الدمام، الظهران وتبوك.
تداعيات الحدث الأردني سوف تتضمن احتمالات كبيرة بانتقال العدوى إلى المناطق الآتية:
• الضفة الغربية بحيث تتزايد احتمالات أن تسعى امتدادات غضب الإسلاميين الأردنيين إلى إشعال غضب الإسلاميين الفلسطينيين الذين أصبحوا الآن أكثر اهتماماً بصب جام غضبهم ضد حركة فتح وزعيمها محمود عباس.
• محافظات وسط العراق: بحيث تتزايد فعاليات الفصائل المسلحة العراقية ذات التوجهات الإسلامية السنية وعلى وجه الخصوص في محافظة الأنبار وصلاح الدين.
• محافظات شمال السعودية: بحيث تتزايد فعاليات الجماعات والحركات الإسلامية المعادية للأسرة المالكة السعودية وعلى وجه الخصوص في المناطق ذات الطبيعة البدوية التي تجمع بين البادية الأردنية وبادية شمال السعودية.
أما بالنسبة لمناطق شرق المتوسط الأخرى، وعلى وجه الخصوص سوريا ولبنان، فمن غير المتوقع أن تنتقل عدوى المظاهرات الأردنية، وذلك بسبب استقلالية الرأي العام في سوريا ولبنان عن صراعات الإسلاميين الأردنيين مع النظام الملكي الأردني، إضافة إلى أن العديد من شرائح الرأي العام في سوريا ولبنان أصبحت أكثر وعياً وإدراكاً بطبيعة وخصوصية الصراع العربي-الإسرائيلي، وبالتالي إذا كانت الحركات الإسلامية تجد فرصتها في توجيه الانتقادات للنظام الملكي الأردني بسبب تعاونه وتعامله مع أمريكا وإسرائيل، فإن هذا التعاون غير موجود في دمشق ولا حتى في أوساط المقاومة اللبنانية، وبالتالي، فإنه لا توجد أي فرصة أمام الإسلاميين لنقل عدوى الصراع الأردني إلى سوريا ولبنان.
وما هو متاح حصراً أمام هذه الحركات الإسلامية هو نقل عدوى الصراع إلى السعودية بسبب تعاون الرياض مع واشنطن، وأيضاً إلى اليمن بسبب تعاون صنعاء مع واشنطن وربما إلى بعض دول الخليج الأخرى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد