معركة الشمال على هامش حرب سوريا: النفط بين الأكراد والجهاديين والعشائر
المعركة من أجل النفط السوري بدأت على الأرض، بعيداً عن جبهات القتال التقليدية وضجيجها. وكانت المؤشرات على اختيار إطلاقها، تكاثفت مع إعلان الأكراد اتجاههم نحو تأسيس إدارة انتقالية تستحوذ، عند تثبيت دعائمها، على الحقول النفطية السورية الكبرى في الرميلان، والسويدية، في المنطقة الواقعة شمال شرق سوريا.
وأطلق إخفاق الهجمات التي قامت الجماعات الجهادية من «جبهة النصرة» و«دولة العراق والشام الإسلامية»، ضد رأس العين، والفشل في اختراق الجدار الكردي المنيع على طول الحدود الكردية، نفير المعركة حول عصب الاقتصاد الحربي، الذي يحدد حظوظ ومستقبل أحد كيانين متنازعين على أرض واحدة: الإدارة الانتقالية الكردية المرشحة لتصبح إدارة ذاتية، والإمارة الاسلامية، التي تقاتل باسمها قوى متعددة المشارب، بعضها قاعدي الهوى، صافي الولاء لشيخه أيمن الظواهري، وآخر مؤلف من خليط عشائري و«ائتلافي»، يبرز فيه استقطاب عربي ــ كردي جلي.
وتشهد الحقول النفطية في الرميلان منذ ثلاثة أيام، معارك عنيفة بالدبابات والمدفعية. ويقول مسؤولون أكراد في «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، إن قوة من 500 مقاتل ينتمون في معظمهم الى «جبهة النصرة»، حاولوا عبثاً، اختراق خطوط الدفاع التي أقامها مقاتلو «وحدات الحماية الشعبية الكردية»، حول محطة الانتاج الرئيسة في الرميلان.
ودخل الجيش السوري على خط المعارك في المنطقة، عندما قامت إحدى طائراته، بقصف رتل للمهاجمين من «النصرة» كان يتجه نحو محطة الإنتاج. وهذه ليست بالمرة الاولى التي يتدخل فيها الطيران السوري في المعارك الدائرة بين «وحدات الحماية الشعبية الكردية» من جهة و«جبهة النصرة» من جهة أخرى. إذ قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن المقاتلات السورية أغارت صباح أمس، على مواقع لـ«دولة العراق والشام» في تل أبيض، تعرضت لقصف متقاطع من مدافع كردية في المنطقة.
وكانت قوات مؤلفة من عشائر عربية تنتمي إلى شمّر، تنضوي تحت اسم «كتائب أحرار الجزيرة»، تشارك في العمليات القتالية التي تدور في مثلث السويدية، الحقل الآخر المهم للنفط، الرميلان، ومعبر تل كوجر - ربيعة القريب من الحدود العراقية.
وتقع المنطقة التي تحيط بهذه الحقول على مقربة من الحدود مع العراق، في جنوب شرق مدينة القامشلي. وتشارك في المعارك مجموعات تنتمي إلى «أحرار الشام»، و«أحرار غويران»، و«لواء أحرار سوريا»، و«لواء الأمة».
ويتهم مسؤولون أكراد العشائر العربية في المنطقة بالعمل تحت ألوية «النصرة»، بعدما تبين أن 11 قتيلاً من أبنائها سقطوا في معارك أمس الأول، وتم تشييعهم في قرى الحسكة.
وتتلافى العشائر العربية في المنطقة إشهار سلاحها علناً، للحؤول دون تعبئة مقابلة من العشائر الكردية. وكانت بعض العشائر الكردية على خط التماس حول المنطقة النفطية، بدأت بالنزوح نحو التجمعات الكبرى، في القامشلي. وكانت «النصرة» والجماعات الجهادية، بدأت معركتها من أجل نفط الشمال السوري في الرميلان والسويدية، فور استيلاء الأكراد عليها مطلع نيسان الماضي.
فبعد فترة قصيرة من الإنتاجية واتفاق بين النظام والأكراد، على الحفاظ على المنشآت وتأمين تدفق النفط نحو طرطوس، قامت الجماعات الجهادية بتخريب الأنابيب في مناطق سيطرتها. ومنح الاتحاد الأوروبي منذ شهرين، للمعارضة السورية، حق تسويق النفط المستخرج من حقول الرميلان ودير الزور في السوق الدولية، من دون أن تتمكن فعلياً من السيطرة عليه.
ووضعت عشائر العقيدات والبوحسن، وجماعات «النصرة» و«الإمارة الإسلامية» في الميادين، أيديها على ما تبقى من حقول المنطقة النفطية في الورد والتيم، وتعرضت لعمليات تخريب وسلب ونهب، وجرى إحراق تسع آبار منها.
وتعد تل أبيض، التي تستميت الجماعات الجهادية في الدفاع عنها أمام «الوحدات الشعبية الكردية»، بوابتها الأخيرة لتصدير النفط السوري السليب من حقول دير الزور، عبر الرقة، نحو السوق التركية وتجمعات الصهاريج المتجمعة عند المعبر. ويغطي قرار إذن التسويق الأوروبي المسبق، الحرب التي تخوضها الجماعات الجهادية من أجل مجموعتَي حقول الرميلان والسويدية. ويقارب إنتاج الواحدة من المجموعتين 130 ألف برميل يومياً.
وكان الأوروبيون أخفقوا قبل أشهر، بإقناع الأكراد بوضع حقول الرميلان، التي لا تزال منشآتها سليمة، تحت سلطة «الائتلاف».
وقال مسؤول كردي بارز آنذاك، إن المسؤول البريطاني عن الملف السوري أبلغه رسمياً في لقاء في باريس، أنه على «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، أن يضع المنشآت النفطية بتصرف «الجيش الحر» و«الائتلاف الوطني السوري»، لمساعدة الحكومة الموقتة على تمويل عملياتها، دونما حساب لمستقبل وحاجات سكان المنطقة، وضرورات الاستمرار في ضخ النفط لتشغيل محطات الطاقة.
وأشار المسؤول الكردي إلى أنه أبلغ الأوروبيين أن قرار «الاتحاد الديموقراطي» هو القتال حتى آخر رجل للدفاع عن الحقول النفطية، ومنع خروجها عن سيطرته، باستثناء أن تحدد مفاوضات سياسية مستقبلاً تقسيم عائداتها بين الشمال الكردي، والمركز الدمشقي.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد