ما هي أسباب الغضب الإسرائيلي على النظام المصري؟
الجمل: نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية الصادرة اليوم 28 تشرين الأول 2007م، مقالاً أعده الكاتب الإسرائيلي زافي بارييل حمل عنوان "الحرب ضد مصر في الشتاء".
يقول المقال بأن الإحباط الكبير الذي حدث بسبب أن الحرب لم تندلع ضد سوريا خلال الصيف –برغم أن البعض ما زال يقول بأن الصيف لم ينته بعد-، هو إحباط أصبح يجد التصريف عبر نقل مشاعر الغضب ضد بلد مجاور آخر: مصر. فتشرين الأول هو الشهر المناسب والملائم الذي تدقق فيه الوساوس المتعلقة باتفاقية السلام التي وقعتها –مصر- مع إسرائيل قبل حوالي 30 عاماً خلت.
تلخص بإيجاز تقارير الصحفيين الإسرائيليين ومسئولي الاستخبارات الإسرائيلية الحقيقة القائلة بأن مصر ترغب في أن ترى "إسرائيل وهي تنزف"، ولعلها تستلهم إلغاء اتفاقية السلام أو الوصول إلى اتفاق مع حماس على النحو الذي يؤدي إلى استرضاء جماعة الإخوان المسلمين، وقد أشار بعض الخبراء إلى ذلك ضمن بعض التفسيرات الواسعة. وفي إسرائيل نجد أن مصر تلعب الدور الذي تلعبه سوريا في الولايات المتحدة. فمصر مسئولة عن قوة حماس العسكرية المتزايدة بسبب تهريب الأسلحة عبر الأنفاق وبسبب عمليات الإطلاق المستمر لصواريخ القسّام، وبسبب تهريب المخدرات والنساء عبر الحدود.
إسرائيل غاضبة بشدة إزاء سماح مصر لحوالي 80 من خبراء التفجيرات التابعي لحركة حماس –يقال بأنهم تدربوا في إيران- بالدخول إلى قطاع غزة. وكأنما كانت صواريخ القسّام تجلس بانتظار وصول هؤلاء الخبراء. وفي الحقيقة، فقد قدمت مصر صورة المتهم المجرم الذي يستحق العقاب (على سبيل المثال) عن طريق تجميد المساعدات الاقتصادية الأمريكية.
الذين يتعهدون ويقومون بتمويت فعالية هذه التقارير الاستخبارية قد فعلوا الكثير، فإسرائيل نفسها لم تنجح في منع تهريب السلاح حتى عندما كانت تسيطر على كل سنتيمتر في غزة، فالأنفاق تم حفرها تحت أنف إسرائيل واستخدمت للتهريب واقتراف الهجمات المميتة القاتلة. وما زالت إسرائيل تقوم حالياً بإصلاح بعض الأجزاء في السور الممتد على طول حدودها مع مصر وقد تعطل ذلك بسبب أن الأموال المخصصة لذلك والبالغة 200 مليون شيكل إسرائيلي قد اختفت في مكان ما.
ومن جانبها، فقد طالبت مصر إسرائيل أن تسمح لها بالقيام بزيادة معتبرة في عدد عناصر الشرطة المصرية الذين يقومون بدوريات خفر الحدود، وكانت مصر تعتقد بأن بضعة آلاف أخرى إضافية من هذه العناصر سوف تساعدها في إغلاق معابر وممرات التهريب. وقد رفضت إسرائيل هذا التحرك وذلك لأنها تخاف من حدوث انتهاك كبير لاتفاقيات كامب ديفيد. وعموماً فقد وافقت إسرائيل على السماح للمصريين بالقيام بأعمال الدورية باستخدام المركبات وطائرتي هيلوكوبتر. وما اغضب إسرائيل يتمثل في أن مصر قامت بنشر 750 جندياً إضافيين على الحدود قبل أن تقوم بسحب الـ 750 جندياً الذين سبق أن وصلوا ضمن الدفعة الأولى. وقد اعتبرت إسرائيل هذا انتهاكاً وكسراً للثقة، دون أن تنظر إلى المنافع التي يمكن أن تأتي إليها منذ ذلك.
برغم الزعم والإدعاء الإسرائيلي، فقد قامت مصر بكفاح هائل ضد الإرهاب. وتركزت جهودها بشكل أولي ضد أولئك الذين يشتبه بقيامهم بتهريب الأسلحة –البدو الموجودين على طول محور «العريش-رفح» والجماعات الإسلامية المتطرفة الناشطة التي تعمل في سيناء والتي تتضمن صفوفها عناصر البدو-، والمشكلة تتمثل في أن مصر في بعض الأحيان تتصرف وتعمل مثل إسرائيل تماماً: فهي تفتقر إلى المعلومات الاستخبارية الجيدة، وتقوم باعتقال المئات وحتى الآلاف من الناس في المنطقة، وتقوم بإزالة المساكن، وباستخدام عمليات التحقيق والاستجواب عن طريق أكثر الأساليب انحطاطاً. وقد ولد كل ذلك قدراً هائلاً من الغضب بين السكان البدو وولد سعياً من أجل البحث عن مصادر بديلة للعمل والمعاش. واليوم فإن تهريب الأسلحة والنساء والمخدرات أصبح على وجه الخصوص البديل الأكثر ربحية وفائدة.
ليس لمصر مصلحة في رؤية حركة حماس أو أي تنظيمات أخرى في غزة وهي تحصل على الأسلحة والمتفجرات وفوق كل شيء فإن هذا يخدم أيضاً تلك التنظيمات الموجودة في سيناء والتي تقوم بتنفيذ التفجيرات والهجمات في مناطق شرم الشيخ، طابا، والذهب، وذلك على النحو الذي أدى إلى حدوث ضرر بالغ بالسياحة المصرية، إضافة لذلك فإن مصر ليست لها مصلحة في تهدئة واسترضاء الإخوان المسلمين. فالنظام الذي يقوم بعمليات اعتقال شاملة وكبيرة لناشطي جماعة الإخوان المسلمين ويحد من نشاطهم السياسي ويقوم بإغلاق صحفهم ومجلاتهم هو نظام على الأرجح لن يكون راغباً في استرضاء حماس لكي تقوم باسترضاء جماعة الإخوان المسلمين المماثلة والمشابهة لها.
هل تستطيع مصر القيام بالكثير من أجل وقف التهريب؟ الإجابة هي نعم، وبوضوح تام تستطيع – وهذا معناه أنها إذا تلقت موافقة إسرائيل على نشر قوات أكبر فإنها يمكن أن تعالج المسائل بشكل مختلف بكل تأكيد، وعلى وجه الخصوص من خلال توجهاتها وتعاملها مع السكان البدو. ولكن فإن تبشير وإقناع مصر بهذا يساوي تماماً عملية مطالبة إسرائيل بأن تتصرف بشكل لطيف مع السكان الفلسطينيين الذين يتعرضون لاحتلالها.
مصر هي حليفة إسرائيل ليس فقط في المسائل المتعلقة بالنفط والغاز والتجارة، وإنما أيضاً في الحرب ضد الإرهاب. ومصر هي حليفة إسرائيل الوحيدة التي تحتفظ بالحوار مع كل من حركة حماس وحركة فتح –وهذا أمر جيد- لا توجد فائدة أو منفعة أو منطق يسند القيام بشن هجوم ضد مصر، والذي قام به مسئولو الاستخبارات في إسرائيل، إلى الحد الذي صوروا فيه مصر باعتبارها دولة تدعم وتؤوي الإرهاب، وعلى ما يبدو فإن هناك أحد ما في إسرائيل متلهف للنيل من سد أسوان!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد