كُفُّوا شرَّكم عن سورية الأسد
أحمد عبد العزيز الجار الله:
ماذا سيتغيَّر إذا قالت بعضُ الدُّول الغربية إنَّ الانتخابات الرئاسيّة السوريّة مُعلَّبةٌ وليست نزيهة؟ أليس شعبُها هو من يُقرِّر، أم أنَّ تلك الدول وبعض القوى السياسية فيها نصَّبت نفسها وصيّة على السُّوريين؛ كي تختار هي من يحكمهم؟
لقد فاز الرئيس بشار الأسد بـ95 في المئة من أصوات المُشاركين بالانتخابات البالغة نسبتُهُم 78.6 في المئة، من أصل 18 مليون مواطن، وحسم الأمر بولاية رابعة له، ولم يسقط النظام الذي قال مسؤولون خليجيون منذ العام 2011 إنه سيسقط بعد شهرين من بدء الثورة، لكن سقط مَنْ وَعَدَ بذلك، وبقي الأسد، ولم يعد هناك مفرٌّ من الاعتراف به على رأس النظام، فيما لم يكن احتجاج الولايات المتحدة على الانتخابات أكثر من موقف “رفع عتب”، بينما اعترفت به روسيا والصين، إضافة إلى دول كبرى عدة، تعتبر في الواقع العمود الفقري للمجتمع الدولي، وفقاً للعدد والقوة العسكرية والاقتصادية، والحضور الدولي.
حين اندلعت أحداث سورية لم تبقَ مذمَّةٌ إلا وأُلصقت بالرئيس الأسد، من اتهامه بنهب نحو 50 مليار دولار من المال العام، إلى القتل والقمع، إضافة إلى أنه يُمهِّد لتشييع المجتمع، وفتح أبواب بلاده للفرس، بل قيل فيه ما لم يقلْهُ مالكٌ في الخمر، غير أنَّ كلَّ تلك الأقاويل لم تُغيِّر من الحقيقة شيئاً، فقد بقي على رأس السلطة مُتسلحاً بدعم الجيش والقوى الأمنية والاقتصادية ونسبة كبيرة من الشعب.
اليوم، لا سورية تشيَّعت، ولا الفرس حكموا، بل على العكس فإنَّ الإيرانيين ينالون يومياً من الإسرائيليين صفعات مؤلمة جداً، أما في ما يتعلق بتلك المقولة الساذجة إن الحاكم العربي يجب أن يكون سُنِّياً، كما هي الأكثرية، فهذه مردود عليها، إذ على أي مذهب يحكم، أوليس لبنان يحكمه مسيحيٌّ، ويتشارك معه شيعيٌّ وسُنيٌّ، فماذا تغيَّر عربياً؟
لنكن مُنصفين، إن الحرب التي شُنَّت على سورية لم تكن لأسباب دينية؛ فالعالم اليوم لا تحكمه الكنائس والمساجد، والمذاهب والملل، إنما التكنولوجيا، والمصالح الاقتصادية، وبالتالي فإن سورية -التي جدد شعبُها لرئيسه- لها خصوصيتُها، التي لم تعجب بعض العرب والخليجيين، فشنوا عليها حرباً، واستجلبوا عشرات آلاف المُرتزقة، فيما تحوَّلت الميليشيات فيها موضة العصر، حتى وصل عددها إلى 120 فصيلاً.
كلُّ تلك الفصائل طالبت بالحكم، لكن ليس لدى أي منها برنامج حقيقي، ولا طرح بديل، على غرار ما هو سائد عربياً، حيث تغيب الخطط عن مؤسسات الحكم، ويُكتفى بالشعارات والحجج والمبررات، وإثارة العداوات مع الأشقاء إذا حاول أحدُهم بناء قوة ذاتية اقتصادية واستقرار داخلي، بل يلجأ العرب إلى تخريب تلك الدولة؛ كي يُبرروا فشلهم في التحوُّل قوة مثلها.
بعد عشر سنوات من الحرب، ورغم التراجع في سعر صرف الليرة، والأزمة الاقتصادية، فموازنتها لم تسجل أيَّ عجز، أو ديوناً خارجية، فيما لاتزال تتمتع باكتفاء غذائي ذاتي، وهاهي اليوم تعيد بناء ما تهدَّم من مصانعها، رغم النزوح والتهجير، واستمرار الحرب.
حيال كلِّ هذا، لم يعد أمام العرب إلا فتح الأبواب مع سورية، والتخلي عن المشاريع الوهمية والخيالية، فإلى متى سيبقى من أرادوا إسقاطها على موقفهم غير الواقعي؟ ولماذا لا يتركون الخلق للخالق فيها، أو بالحد الأدنى يكفون شرَّهم عنها؟
السياسة الكويتية
إضافة تعليق جديد