قراءة وتحليل التجاذبات الدولية حول النووي الإيراني
الجمل: على خلفية الضغوط الأوروبية الغربية، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية موافقتها على المشاركة في اجتماع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا. وهذا الاجتماع سيعقد في فيينا، للاتفاق على صيغة موحدة، للعرض الذي قدمته دول الاتحاد الأوروبي الكبرى الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
الموقف الأمريكي:
الجديد في الأمر، أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد أكدت رغبتها بالمشاركة في المفاوضات التي ستجرى بعد ذلك مع إيران. ويمكن عرض مواقف الولايات المتحدة، في الآتي:
*الرئيس جورج بوش: أعلن في البيت الأبيض الأمريكي، بأنه على الولايات المتحدة أن تأخذ دوراً في حل النزاع، بطريقة دبلوماسية في الوقت الراهن. كذلك قال الرئيس: إن رسالتنا للإيرانيين، هي: أولاً: أنتم تسعون لامتلاك أسلحة الدمار الشامل؛ وثانياً: يتوجب عليكم إيقاف البرنامج النووي والتخلي عنه نهائياً. وبناء على ذلك سوف نأتي إلى طاولة المفاوضات.
*كوندوليزارايس، وزيرة الخارجية الأمريكية: أعلنت في أوروبا موافقة أمريكا على الدخول في المفاوضات، وأضافت قائلة، بأنه في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا للدخول في المفاوضات، فإنها أيضاً تقوم بإعداد حزمة من العقوبات، التي ترى بأنها ضرورية ضد إيران، في حال رفضت العرض الجديد الذي سيقدم لها. والجدير ذكره أن أمريكا تسعى إلى إدراج هذه العقوبات ضمن العرض الأوروبي. وبررت وزيرة الخارجية الأمريكية ذلك، بأنه على أمريكا أن تكون مستعدة بشكل كامل، في حال اختارت إيران أياً من الأمرين.
*الموقف الروسي:
رحبت روسيا بالعرض، الذي قدمته الولايات المتحدة، القائم على أسس مشروطة بتخلي إيران عن تخصيب اليورانيوم. وقد جاء هذا الترحيب في تصريحات المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي.
*الموقف الصيني:
رحبت الصين بعرض الولايات المتحدة، ولكنها أبدت بعض التحفظات، برزت في أمرين؛ الأول: رفض الصين للشروط الأمريكية المسبقة، والثاني: ضرورة إضافة الضمانات الأمنية لإيران في حال قبولها العرض.
*بعض المواقف العربية:
طالب الرئيس المصري حسني مبارك وملك السعودية عبد الله، إيران والمجتمع الدولي، بضرورة إبداء المرونة في النزاع حول البرنامج النووي، وعبرا عن وجهة نظر مشتركة، تتمثل في أن منطقة الشرق الأوسط، يجب أن تكون خالية من أسلحة نووية، إن كانت في يد إيران أو في يد إسرائيل.
*الموقف الإسرائيلي:
أعلنت إسرائيل رسمياً تأييدها لاستخدام كافة السبل، من أجل منع إيران من الحصول على القدرات النووية وأسلحة الدمار الشامل.
*الموقف الإيراني:
وافقت إيران على استئناف المفاوضات حول برنامجها النووي، ولكنها أعلنت رفضها لأي شروط مسبقة. كذلك أكدت إيران مجدداً رغبتها في إنشاء مفاعلين نوويين بطاقة توليد لكل منهما تبلغ 1000 ميجاوات، وأعلنت أيضاً بأن محطة توليد الكهرباء النووية، التي بنيت بمساعدة روسية في مدينة بوشهر في جنوب إيران، ستبدأ العمل في أواخر عام 2007، وستبلغ طاقتها التوليدية 12500 ميجاوات.
صرح وزير الخارجية الإيراني، بأن إيران تؤيد الحوار في مناخ نزيه وعادل، حر وغير متحيز. وأكد الوزير الإيراني بأنهم لن يتفاوضوا حول حقوق إيران المشروعة، التي نصت عليها القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
عقب الوزير الإيراني على تصريحات كوندوليزارايس، قائلاً: «إنهم يعيدون الكلمات القديمة.. القديمة نفسها.. ولا يبدو أن هناك حلاً ومنطقاً جديداً للمسألة النووية، في التصريحات الأمريكية. وأضاف الوزير، بأن الأمريكيين يسعون إلى تغطية جرائمهم في المنطقة. فأولاً، وقبل كل شيء، يجب محاسبة الولايات المتحدة على جرائمها في العراق، وأفغانستان، ومعتقلات غوانتانامو، وسجن أبو غريب؛ لأنه، في هذه الحال، فليس من المعقول أن تتكلم كوندوليزارايس عن حقوق الإنسان في الجمهورية الإيرانية. ووصف الوزير الإيراني الولايات المتحدة الأمريكية بأنها دولة معزولة دولياً، مدعماً رأيه باجتماع قمة دول حركة عدم الانحياز في الأيام القليلة الماضية، حيث أيدت الحركة برنامج إيران النووي؛ وبالتالي، فإن تحركات الولايات المتحدة الأخيرة، تهدف بشكل أساس إلى محاولة الخروج من عزلتها.
تشير أبرز المعطيات السابقة والحالية إلى ما يلي:
أولاً: بعد الإطاحة بنظام شاه إيران، حليف إسرائيل وأمريكا، أصبحت إيران مجالاً للاستهداف الإسرائيلي - الأمريكي - الغربي. ورغم انخفاض حدة التوتر في العلاقات الأوربية - الإيرانية، إلا أن الاستهداف الإسرائيلي - الأمريكي لإيران بقي في تصاعد، خاصة في السنوات الأخيرة. واستمرت الولايات المتحدة طويلاً ترفض أي اتصالات مباشرة مع إيران، على خلفية الاتهامات الأمريكية لإيران بأنها تدعم الإرهاب.
كشف سيمور هيرش النوايا العدوانية المسبقة ضد إيران، عندما أوضح بأن الولايات المتحدة تخطط للهجوم على إيران (نشر الموضوع في "الجمل"، راجع الأرشيف)، وأن هدف هذه الخطة هو القضاء على البرنامج النووي الإيراني الحالي، بحجة أن هذا البرنامج، هو جزء من استراتيجية إيرانية سرية لتطوير القدرات والأسلحة النووية.
وإلى الشيء نفسه، أشار بولتون، مندوب أمريكا في مجلس الأمن (تم نشره في "الجمل"، راجع الأرشيف). وقد توصل بولتون إلى أن الولايات المتحدة، في المستقبل القريب، ستقوم بالهجوم وضرب المنشآت النووية الإيرانية. وحالياً تعمل الإدارة الأمريكية على خطين، الأول: الادعاء بأنها تبحث عن الطرق السلمية والدبلوماسية، والثاني: إبقاء الخيار العسكري جاهزاً على الطاولة. ثم يصرحون مراراً وتكراراً، بأن المسألة الإيرانية في نظرهم مفتوحة أمام "حدوث كل الاحتمالات".
ثانياً: الأوروبيون يدعمون أمريكا، خاصة بريطانيا، وفرنسا التي اختارت مؤخراً الركوب في قاطرة الهيمنة الأمريكية، وذلك بالنظر إلى مواقف السياسة الخارجية الفرنسية الأخيرة الموالية لأمريكا، وعلى وجه الخصوص في المسألة اللبنانية ومسألة دارفور غرب السودان.
إلا أن الحكومات الأوروبية تتخوف من استخدام أمريكا لأسلحة الدمار الشامل، لأن ذلك سوف يخلق ثورات وانتفاضات شعبية داخل أوروبا، خاصة من قبل حزب الخضر وجماعات السلام والأحزاب والمنظمات اليسارية، ومنظمات حقوق الإنسان، والمجتمع المدني. وهو أمر، لو حدث، فإنه سيقضي على نفوذ الأحزاب والتيارات المحافظة التي تحكم أوروبا، إضافة إلى أنه سيؤدي إلى معارضة أوروبية واسعة ضد علاقات عبر الأطلنطي (العلاقات الأوروبية - الأمريكية) وسيضر كثيراً بمشروعات حلف الناتو. لذلك، يفضل الأوروبيون اللجوء إلى الضغط بكل الوسائل على إيران، باستثناء الحرب أو استخدام أسلحة الدمار الشامل.
ثالثاً: الموقف الإيراني الرافض، يستند إلى معرفته لنقاط الضعف في الموقف الأمريكي، على أساس أن أمريكا لن تستطيع شن حرب برية لاحتلال إيران، بسبب ورطتها الحالية في العراق. وكذلك، فإن توجيه أي ضربة ضد إيران، سيترتب عليه اشتعال المقاومة في جنوب العراق ضد الوجود الأمريكي البريطاني (بدأت المناوشات في البصرة خلال هذه الأيام)، إضافة إلى الخسائر الإضافية التي ستتعرض لها أمريكا في آسيا الوسطى وشبه الجزيرة الهندية.
رابعاً: الموقف الروسي – الأمريكي: ظلت روسيا والصين ترفضان توجيه أي ضربة أو عقوبات ضد إيران، ولكن على ما يبدو فإن لهذين البلدين أجندتهما الخاصة، تتعلق بمواجهتهما الهيمنة الأمريكية. وفي لغة المصالح المعلنة، فإن الضربة أمريكية ضد إيران، ستضر بالمصالح الروسية والصينية في إيران. أما لغة المصالح غير المعلنة، فتقول، بأنه يجب ترك أمريكا تتورط في مستنقع الحروب الإقليمية، ما سيؤدي إلى عزل أمريكا وإضعافها والمساعدة في القضاء على هيمنتها، وهو أمر سيكون في مصلحة الصين وروسيا.
تحليل: الجمل
إضافة تعليق جديد