قراءة في قرار جامعة الدول العربية

18-10-2011

قراءة في قرار جامعة الدول العربية

الجمل ـ عبد الله علي: إنَّ قراءة متأنية للقرار الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية المنعقد على المستوى الوزاري، والإمعان في فقراته تتيح لنا التوصل إلى النتائج التالية:

1-    قرر المجلس التأكيد على مطلب "وقف أعمال القتل والعنف ووضع حد للمظاهر المسلحة والتخلي عن المعالجة الأمنية تفادياً لسقوط المزيد من الضحايا والانجراف نحو اندلاع صراع بين مكوِّنات الشعب السوري وحفاظاً على السلم الأهلي والحفاظ على المدنيين ووحدة نسيج المجتمع السوري". ولاشكَّ أن صيغة هذه الفقرة ملتبسة إذ من غير الواضح هل المطالبة بوقف أعمال القتل والعنف والتسلح يقصد بها طرف السلطة أم يشمل المعارضة المسلحة أيضاً؟ مع الإشارة إلى أن المطالبة بالتخلي عن "المعالجة الأمنية" الواردة في صلب القرار ترجح أن تكون المطالبة خاصة بالسلطة فقط، لكن ذلك لا ينفي إمكانية التمسك بحرفية النص والقول أنه يتعلق بالمعارضة المسلحة أيضاً لأنه تحدث أولاً عن أعمال القتل والعنف والحد من مظاهر التسلح بشكل عام ثم انتقل إلى التخصيص بشأن السلطة ومطالبتها بوقف المعالجة الأمنية، مما يؤكد لنا التباس هذه الفقرة وعدم وضوحها خاصةً وأن نص الفقرة لم يتطرق إلى الإدانة أو الاستنكار وإنما اكتفي بالمطالبة بإيقاف العنف.

2-    الفقرة الثانية من القرار تقفز بنا فوق هذا الالتباس وترمينا في أحضان التباس آخر، فهي تتحدث عن تشكيل لجنة وزارية مهمتها الاتصال بالسلطات السورية "لوقف كافة أعمال العنف والاقتتال". فتكليف اللجنة بالاتصال بالسلطات السورية يدل على أن هذه السلطات هي المعنية بالمطالبات السابقة، رغم أن استخدام مصطلح "اقتتال" يدل على وجود طرفين يتبادلان إطلاق النار!!!

3-    وهناك التباس ثالث، فمن غير الواضح ما إذا كانت الدعوة إلى الحوار بين السلطة وكافة أطياف المعارضة خلال 15 يوماً، مشروطة بوقف أعمال القتل والعنف أم لا؟ لأن نص القرار يحتمل الوجهين حسب الجهة التي تقرأه.

ضمن هذه الالتباسات الموجودة في القرار، من الواضح وبغض النظر عن موازين القوى التي أدت إليه، أن جوهر القرار يقوم على أساس أن حل الأزمة السورية الراهنة لا يكون إلا بالحوار بين السلطة والمعارضة بكافة أطيافها.
في هذه النقطة لا يمكننا إغفال التقارب بين رؤية القرار وبين رؤية السلطة السورية التي دعت إلى الحوار منذ الأيام الأولى وعقدت لأجله لقاءاً تشاورياً وجلسات حوار تمهيدية شملت كافة المحافظات. بينما كانت المعارضة ترفض الحوار على أختلاف بين شقيها الأساسيين الداخلي والخارجي، فالمعارضة الداخلية ممثلة بهيئة التنسيق ترفض الحوار بشكل نسبي ووضعت شروطاً معينة للمشاركة في أي حوار. أما معارضة الخارج الممثلة بأكثر من مؤتمر ومجلس فإنها ترفض الحوار بشكل مطلق. من هنا يمكن لمن يقرأ القرار العربي على أنه يشترط وقف العنف قبل بدء الحوار، أن يلاحظ أن هذا القرار يكاد يتطابق مع موقف المعارضة الداخلية التي كما قلنا وضعت شروطاً مسبقة قبل انخراطها في الحوار مع السلطة ومن هذه الشروط وقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين.
حتى هنا يبدو القرار لجهة بنائه على أساس الحوار، قراراً متوازناً وعقلانياً نوعاً ما. لكن هناك الكثير من الألغام ضمن هذا القرار والتي قد يسبب انفجار أي منها إلى موت القرار إن لم يكن قد ولد ميتاً أصلاً.
على سبيل المثال فإن المعارضة الخارجية ترفض الحوار وتقول أن السلطة القائمة غير شرعية، وبالتالي فإن قبولها بالحوار وفق مبادرة الجامعة العربية يعتبر تراجعاً عن موقف مستديم لديها وهو ما سيسبب لها الكثير من الإحراج وانعدام الثقة بها، إضافة إلى انهيار مقولتها بعدم شرعية السلطة. وكذلك فإن السلطة لا يمكن أن تقوم بأي إجراء من شأنه أن يفهم على أنه اعتراف من أي نوع كان بالمجلس الوطني السوري الذي شكل في اسطنبول مؤخراً، خاصة بعدما هددت باتخاذ إجراءات شديدة تجاه كل دولة تعترف به.
وكذلك لا يوضح القرار ما يعنيه بالحوار مع كافة أطياف المعارضة؟ فهل المقصود هو اشتراط حضور جميع هذه الأطياف فعلاً بحيث لا ينعقد الحوار إذا رفض أحدها الحضور، أم يمكن الاكتفاء بحضور البعض دون البعض الآخر ومن الذي يحدد إذا كان حضور المعارضة كافياً أم لا؟
يبدو لي أن الالتباسات والألغام التي يذخر بها هذا القرار تفقده ليس صفة التوازن وحسب بل تدخله في حيز آخر قد لايكون بعيداً عن حيز المحاولات الغربية لتدويل الأزمة وحملها على جناح السرعة إلى مجلس الأمن مرة أخرى.
يؤكد ذلك ما ورد في الفقرة الأخيرة من القرار الصادر عن مجلس الجامعة، من أن اللجنة الوزارية تقوم بتقديم "تقرير إلى المجلس في أقرب وقت ممكن يتضمن تقييما دقيقا للوضع في سوريا، واقتراح خطوات التحرك المطلوب لاحقا، بما في ذلك ما يلزم لضمان أمن الشعب السوري، وإبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة الموقف والتطورات". إذ مما لاشك فيه أن إشارة القرار إلى خطوات التحرك اللاحقة بما فيها ضمان "أمن الشعب السوري" هي مؤشر هام في هذا الصدد لأن أي دولة عربية لا تستطيع الادعاء بأنها قادرة على القيام بهذه الخطوة وأن المقصود هو طرح الموضوع على مجلس الأمن ليصار إلى اتخاذ قرار أممي.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...